إنّ أيّ حديث عن ظاهرة التلوّت البيئي ، لابدّ وأن يمرّ بالضرورة على تعريف البيئة أوّلا، والتي يمكن تلخيصها في كلّ ما هو خارج عن كيان الإنسان ، وكلّ ما يحيط به من موجودات ، فالهواء الذي يتنفّسه والماء الذي يشربه ، والأرض التي يسكن عليها ويزرعها ، وما يحيط به من كائنات حيّة أو من جماد ، هي عناصر البيئة التي يعيش فيها ،وهي الإطار الذي يمارس فيه نشاطاته المختلفة ، وأهمّ ما يميّز البيئة الطبيعية هو التوازن الدقيق القائم بين عناصرها المختلفة ، فإذا ما طرأ أيّ تغيير على نوع ما في إحدى هذه البيئات ، فقد تتلافى وتتجنّب الظروف الطبيعية بعد مدّة آثار هذا التغيير، ومن أمثلة ذلك تجديد الطبيعة للأشجار بعد حرائق تقضي على مساحات من الغابات ، وهذا التوازن بين العناصر المكوّنة للبيئة يسمّى (التوازن البيئي)، ولهذا فإنّ أيّ تغيير ناتج عن أنشطة الإنسان لعناصر البيئة غير مرغوب فيه ، أوقد يسبّب ضرراً للصحّة الإنسانية والكائنات الحيّة ، فهو قطعا يعدّ تلوثًا بيئيًا ، ومن واجب الجميع من سلطات معنية ومجتمع مدني أن تتجنّد للقضاء على هذه الآفة الخطيرة ، أو على الأقلّ أن نعمل على الحدّ من درجة إنتشارها وإستفحالها . ويعثبر الثلوث بالمجال الحضري المحيط بميناء طانطان ، من أشدّ أشكال الثلوث على سطح الأرض خطورة ، والمتمثّل بالخصوص في التلوث الهوائي ، وهو الأكثر شيوعا نظرا لسهولة إنتقّاله وإنتشاره من منطقة إلى أخرى وفي فترة وجيزة نسبيا ، وهذا النوع من التلوث يؤثر على الإنسان والحيوان والنبات تأثيرا مباشرا ، ويخلّف آثارا وخيمة على البيئة والصحّة العامّة ، ولمعاينة درجة وحدّة التلوث الذي يعاني منه المشتغلون بهذا الميناء ،يكفي الإقتراب فقط من باب الميناء لتصطدم برائحة معامل تدوير الأسماك لصناعة الأعلاف ، وبالدخان الذي يحجب الرؤية والذي بلغت شدّة كثافته إلى درجة إلتصاقه بالجدران ، وقتله لكل النباتات التي يتمّ غرسها بالميناء في كلّ مرّة بدون طائل ، وهذه المعطيات والملاحظات وحدها لا تحتاج إلى خبراء أوأجهزة رصد ، للوقوف على حجم الضرر الذي تلحقه بالبيئة وبالمجتمع ، بهذه النقطة المغربية الصحراوية المنسية والمُبعدة من كلّ المخطّطات والبرامج الوطنية والجهوية والإقليمية ، لأنّ هذا التلوث الذي يعرفه ميناء طانطان ، وبكلّ بساطة يحيد في تصنيفه عن التلوث المقبول أو التلوّث الخطير ، بل أصبح يدخل في نطاق التلوث المدمّر المرتبط بالمواد الصلبة المعلّقة والعالقة ، كالدخان الناتج عن معامل صناعة الأعلاف البحرية ، والمرتبط أيضا بالمواد الغازية أو الأبخرة السامّة والخانقة ، مثل الكلور وأوّل أوكسيد الكربون وثاني أوكسيد الكبريت والأوزون ، وهنا لا بدّ لنا أن نحمّل الدولة مسؤولية تقاعصها عن إلزام أرباب هذه المعامل بإتخاد كلّ الوسائل الضرورية الكفيلة بالحدّ من هذا التلوث أوالوقاية منه على الأقلّ . ولا يقف مشكل التلوث بميناء طانطان على معامل دقيق السمك فقط ، بل تعداه ليصل إلى تلوّث آخر متعلّق بالبكتيريا والجراثيم ، والعفن الناتج عن عدم حلّ مشكل قناة الصرف الصحّي ، لمخلّفات الأسماك ونفايات أسماك الميناء،والتي تمتدّ بمحاداة شركة أومنيوم المغربي للصيد ، ممّا يؤثر وبشدّة على صحّة عمال هذه الشركة بالضبط ، نظرا لعامل قرب القناة من مقرّ عملهم ، وأيضا لأنّهم يشكّلون أكبر شريحة إجتماعية بالميناء ، ولا بدّ للجهات المعنية وعلى رأسها الوكالة الوطنية للموانئ ، أن تقوم بالواجب المنوط بها فيما يتعلّق بالوقاية والصحّة والسلامة ، وقد ترتّب عن هذا المشكل بالذات عدّة انعكاسات سلبية على صحّة العمّال، بسبب الروائح النثنة والإفرازات المتعفّنة وإنتشار الذباب وكل الحشرات اللصيقة بالتعفنات النماتجة عن المياة الآسنة ، حيث أصبح في الآونة الأخيرة يُلاحظ إنتشارا متزايدا لحالات صحّية ، تظهر عليها أعراض من قبيل أمراض العيون والحساسية وبعض الأمراض التنفسية الأخرى ، ولا أحد يحرّك ساكنا وكأنّنا غريبين عن هذا الوطن وعن هذا الواقع . والخوف كل الخوف من القاعدة الأمريكية ، التي تُجري بها الفيالق الأمريكية تجاربها ومناوراتها المستمرّة ، على مشارف مدينة طانطان وبلدية الوطية ، ولا نعرف بالضبط ما تقوم به في الخفاء وما قد تتستّر عليه ، فأيّة إحتياطات إحترازية وضعناها لتجنّب أيّ تلوّث بالإشعاعات الذرية الطبيعية والصناعية ، كالذي ظهر مع بداية استخدام الذرة في مجالات الحياة المختلفة ، وخاصّة في المجالين العسكري والصناعي، ولعلّنا جميعاً ما زلنا نذكر الضجّة الهائلة التي حدثت بسبب الفقاعة الشهيرة في أحد المفاعلات الذرية بولاية «بنسلفانيا» بالولايات المتحدةالأمريكية ، وما الأمس ببعيد عن حادثة السفينة "سيلفر" المحمّلة بمادّة الفيول ، والتي جرفتها المياه نحو شاطئ طانطان وكادت تتسبّب في كارثة بيئية خطيرة،لولا القدرة الإلاهية ومساعدة الطاقم الهولندي ، الذي أشرف على إنتشال السفينة ، ولولاه لكانت الطامة أكبر وأخطر على الصعيدين الوطني والدولي . ولهذا ومن هذا المنبر فنحن نناشد كلّ المسؤولين المعنيين ، بأن يخجلوا من أنفسهم قليلا ويقوموا بالواجب الذي يمليه عليهم الحسّ الوطني والضمير الإنساني ، وذلك بإتّخاد كلّ التدابير اللازمة للحفاظ على سلامة المواطنين أوّلا وقبل كلّ شئ ، وأيضا لتجنيب البلاد أي كارثة بيئية محتملة لا قدّر الله قد تكون لها عواقب وخيمة ، فالمنظومة الصحّية ينطلق إصلاحها من إصلاح البيئة ووقايتها من كلّ ما من شأنه أن يشكّل خطرا ، على العنصر البشري والحيواني والنباتي سواء في الحاضر أو المستقبل ، وإذ ندقّ اليوم ناقوس الخطر فذلك لغيرتنا القويّة على سُمعة هذا الوطن ، ولحرصنا القوي على ضمان سلامة صحية لكلّ المواطنين ، كحقّ يُؤدّون عنه الثمن غاليا من جيوبهم عن طريق الضرائب والتأمينات ، ويؤدّون عنه من عرقهم الذي بُني به صرح هذا الوطن ، ومن دمهم بدودهم وإستماتتهم في الدفاع عنه ضذّ كل طامع غاشم ، وكلّ ذلك فقط من أجل أن يعيش الفرد داخل هذا المجتمع الأبي ، حياة كريمة وسليمة كجزء من أضعف الأيمان .