يعتبر النزاع حول الصحراء بين الدولة المغربية وجبهة البوليساريو من اعقد النزاعات ، مما جعله يعمر طويلا ،و يستبعد حله في الأمد القريب ،بسبب ما يحض به المغرب من دعم قوي من فرنسا ،و ما تحضى به كذلك جبهة البوليساريو من دعم مماثل من حلفائها وفي مقدمتهم المجتمع المدني الديمقراطي بمختلف بقاع العالم . ولم يستطع المغرب رغم تواجده بالمنطقة المتنازع عليها وقف تزايد الأصوات المنادية بالحق في تقرير المصير، بل ساهم في ذلك بسبب حملة القمع الممنهج التي تقودها القوات الأمنية ضد انتفاضة المواطنين الصحراويين . وتعتبر الانتفاضة المندلعة منذ ماي 2005 دعما إضافيا لجبهة البوليساريو حققت من ورائها انتصارات كبيرة على المغرب وزادت من إحراجه أمام المجتمع الدولي . والمتتبع للنزاع حول الصحراء يدرك تماما أن الصحراويين أينما كان تواجدهم متشبثون بالحق في تقرير المصير والاستقلال رغم أن اغلبهم لا يجهر بذلك . وهنا اطرح السؤال كيف لمتشبث بشيء يقوم بأمور تؤخر تحقيقه ؟ يتمتع اغلب الصحراويين بوعي سياسي متواضع وضعيف أحيانا مما يجعلهم عرضة لارتكاب أخطاء يجهلون سلبياتها ، فاغلب الصحراويين ينخرطون في كل الاستحقاقات المغربية ويقودون حملات انتخابية لفائدة نخب فاسدة موالية للمغرب ، يستدرجونهم بالخطاب القبلي والقرابة العائلية والوعود الزائفة . مما يجعل مدن الصحراء تعرف نسبة مشاركة مرتفعة مقارنة مع المدن المغربية ، مشاركة يستغلها المغرب إعلاميا لترويج خطاباته المعتادة حول الصحراء ، بل أكثر من ذلك يعتبرها استفتاء تأكيديا لمغربية الصحراء . وبعض الصحراويين وخصوصا الشباب ينخرط في جمعيات استرزاقية وأحزاب فاسدة ونقابات خانعة ، عدوة للديمقراطية وحقوق الإنسان ، بغية الرقي الاجتماعي مما يفرض عليهم خدمة أجندات المغرب بالصحراء وترويج خطاباته والدفاع عنها . وتعيش غالبية الأسر الصحراوية أوضاعا مادية خانقة بسبب القروض الاستهلاكية الناتجة عن الإسراف والتبذير والتباهي في المناسبات والحفلات مما انعكس سلبا على مستوى رعاية الأبناء وتعليمهم وجعلهم عرضة للانحراف والانقطاع المبكر عن الدراسة ، ناهيك عن ارتفاع نسبة العزوف عن الزواج وتفشي ظاهرة العنوسة في صفوف النساء . كما أن الصحراويين يمتنعون عن القيام بمهن وحرف لا ترقى في نظرهم إلى مستواهم الاجتماعي أو أنها ستضعهم محط سخرية ونظرات دونية ، الأمر الذي جعل المنطقة تستقطب يد عاملة من هذا النوع وهو ما يراهن عليه المغرب إضافة إلى استقطاب مواطنين من داخل المغرب في إطار مخيمات الوحدة ، واستقطاب آخرين بفضل الامتيازات الاستثنائية بالمنطقة كالإعفاء الضريبي وتخفيض ثمن المحروقات والتامين والمواد المدعمة والتعويضات الخاصة بالمناطق الصحراوية ، لتغيير البنية الاجتماعية للمنطقة . والبعض الأخر اختار الضفة الشمالية ليعيش حياة أفضل ، بل منهم من استغل القضية للحصول على وثائق الإقامة تاركا الوطن ومتناسيا ما عاناه الآلاف من اللاجئين بمخيمات تندوف من قساوة المناخ وما قدموه من تضحيات جسام من اجل بناء التنظيم والكيان الصحراوي ، وما يعانيه الآلاف بالصحراء من قمع و اهانة ومس بالكرامة وحصار من اجله ومن اجل تحقيق مطلبه . وتبقى سلبية النخب الصحراوية المثقفة النزيهة خطأ جسيما ، ترتب عنه تدني مستوى الوعي بالمجتمع الصحراوي ، وتفشي الأمية ، وانحراف الفعل النضالي ، فاغلب هذه النخب اختارت الصمت عوض الانخراط الايجابي في المجتمع من خلال تنظيم و تأطير الأنشطة الإشعاعية كالندوات والأنشطة الثقافية والأندية الفنية والرياضية ، ... ،الكفيلة برفع مستوى الوعي لدى الساكنة وتربية الأجيال الصاعدة ، لعلها تنقذ ما يمكن إنقاذه خدمة للإنسانية قبل أي شيء آخر .