يحتفظ سكان مدينة وإقليم تيزنيت، بعادة رمضانية قديمة تسمى "تقسريت" ، وهي العادة التي تعمد فيها الأسر المحلية إلى اقتناء الدجاج بكميات وفيرة، لطهيه في ليلة القدر التي تتزامن مع اليوم السابع والعشرين من كل رمضان، وتقديمه في أطباق الكسكس أو الطاجين، للأسر والأهل والأحباب. "تقسريت" عادة محلية لازالت أسر تيزنيت تحافظ عليها، وهي منتشرة أيضا ببعض أقاليم جهة سوس ماسة درعة، حيث تجد الفتاة المتزوجة تجتهد في سبيل إعداد طبق من الدجاج بمنزل زوجها، ونقله بعد الإفطار لمنزل والديها بهدف تقاسم مذاقه وحلاوته مع بقية أفراد الأسرة، وهي العادة التي تحرص جميع البنات المتزوجات بالأسرة على الوفاء بها، تقديرا لما قضينه من سنوات عمرهن بمنزل الوالدين. "تقسريت" تذكرني بالأيام الخوالي، حيث كانت الجدة من جهة الوالد رحمها الله تعالى، قبلة مقصدا للبنات ليلة السابع والعشرين من كل رمضان، ونفس الطقس يعرفه منزل الجدة من جهة الوالدة، تغمدها الله بواسع رحمته، حيث تأبى الفتيات إلا إشراكنا جميعا ونحن صغار بعد صلاة التراويح في وجبة شهية قوامها الدجاج البلدي، وعمودها الألفة والسكينة والمحبة وكل معاني الوفاء والإخلاص. "تقسريت" مناسبة لاجتماع الأهل والأحباب، وتبادل أطراف الحديث فيما بينهم، كما أنها مناسبة لصلة الرحم، وإحياء تراث قديم بدأ في الأفول، ولم تعد تحرص عليه إلا الأسر العريقة بالمدينة القديمة، وهي طقس لا يشكل فيه الأكل وتناول وجبات الدجاج، إلا شيئا رمزيا لا تعيره الأسر اهتماما بالغا، بقدر ما تبذل جهدا في الوفاء لهذا اللقاء الأسري، وما يضفيه على المكان من دفء وطمأنينة. ولعل جولة عابرة بالأسواق المحلية بسوس، عشية ليلة القدر، تجعلك تقترب أكثر من مظاهر الوفاء لهذا الطقس الرمضاني، فشارع سيدي عبد الرحمان على سبيل المثال بمدينة تيزنيت، يظل أهم شارع يقصده سكان المدينة بكثرة لاقتناء "الدجاج البلدي" من يد الفلاحين الذين يعرضونه بوفرة في قارعة الطريق، فلا تكاد تسمع إلا صياح الديك وهمهمة البائع والمشتري، ونقاشهم حول الأثمنة المقترحة للبيع، فالبائع يحرص على مدح الدجاج وتعداد مميزاته، فيما يحرص المشتري على الجودة بغية ضمان وجبة شهية تستجيب للمواصفات والمعايير المطلوبة من قبل أفراد العائلة. إن المحافظة على مثل هذا التقليد العريق لدى أسر تيزنيت، يظل واحدا من التقاليد العريقة التي ينبغي أن يتوارثها الأجيال، تشجيعا لهم على إذكاء روح الإخاء بين أفراد الأسرة.