تجري الآن في مصايد الرخويات جنوب المملكة عملية إبادة جماعية لصغار الرخويات كالأخطبوط و الحبار، و قد اتصل بنا مجموعة من الربابنة لوصف الوضع الكارثي الذي تعيشه هذه المصايد لإيجاد حلول عاجلة لوقف هذا الإستنزاف المفرط الذي تتعرض له مصايد الأخطبوط و الحبار. فما بين خطي العرض 24 درجة و 25 درجة تكون الحصيلة اليومية للصيد لباخرة واحدة حوالي 4 أطنان من الأخطبوط يتم انتقاء طن و نصف و يتم إلقاء الباقي ميتا في البحر بحكم صغر حجمه حيث يمنع من التداول تجاريا، و صيده يعتبر غير قانوني، الشيء الذي يشكل استنزافا مفرطا لمخزون الأخطبوط ، و نفس الشيء بالنسبة للحبار (calamar) في الدرجة 21 من خط العرض. إننا أمام تدمير للمصايد ترعاه وزارة الفلاحة و الصيد البحري، فقد سبق أن طالبت الجمعية المغربية لربابنة صيد الرخويات بتمديد فترة الراحة البيولوجية لشهرين على إثر الندوة التواصلية التي نظمتها الجمعية و التي عرفت حضور أكثر من 50 ربانا، حيث أجمعوا كلهم على ضرورة تمديد فترة الراحة البيولوجية بعدما أكدوا عدم ظهور صغار الأخطبوط في رحلة الصيد الأخيرة. إن الوزارة بإقصائها للربابنة المتعاملين المباشرين مع المصايد عبر إقصاء ممثليهم تساهم في هذه الكارثة البيئية الخطيرة التي تهدد مستقبل صيد الرخويات ببلادنا، و قد نبهنا لذلك مرات عدة و لكن مع الأسف يتم تغليب مصلحة الشركات و العاملين في القطاع على المصلحة العليا للبلاد و التي تمثل استدامة ثرواتنا البحرية أحد أعمدتها. إن المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري و هو المسؤول المباشر عن حماية المخزون السمكي لم يضطلع بدوره كاملا، فقد بلغنا أنه أكد وجود صغار الأخطبوط قبل خروج بواخر الصيد نهاية الشهر الماضي و لكنه مع الأسف لا يملك أن يمنع خروج بواخر الصيد، فهو تابع على كل حال لوزارة الفلاحة و الصيد البحري الوصية عليه و الرقيب عليه، و الوزارة هذه لا تراعي غير التوازنات بين مختلف المتدخلين في القطاع، و تتعرض لضغوطات من طرف المهنيين أرباب المراكب، و تحاول الحفاظ على التوازنات و لو أدى ذلك إلى التأثير المباشر على المخزون السمكي. إن إخراج المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري من وصاية وزارة الفلاحة و الصيد البحري و استقلاليته عن الإدارة بات ضرورة ملحة و واقعية تمليها طبيعة البحث العلمي الذي لا بد أن يكون محايدا و غير تابع إلا لنتائج المختبرات و الأبحاث، و بعيدا عن منطق الحفاظ على التوازنات إلى الحفاظ على الثروات البحرية. و من وجهة نظرنا فإنه يجب أن يكون تحت الوصاية المباشرة لرئاسة الحكومة حتى يتحمل مسؤولياته كاملة بعيدا عن أي تأثيرات خارجية من شأنها أن تؤثر على مواقفه و قراراته و أن ينشئ شراكة فاعلة مع الهيئات الممثلة لرجال البحر الممارسين في الميدان، و لئن كان المعهد يفتقر إلى الموارد المادية و التجهيزات اللازمة من أجل بحث علمي فعال، فإن ربابنة بواخر الصيد المغاربة مستعدون لإمداده بالمعطيات اللازمة و الإحصائيات المتوفرة لديهم على طول المصايد من بوجدور حتى الحدود الجنوبية للمملكة. لقد بات ملحا منع الصيد بصفة مؤقتة في هذه البؤر الحمراء التي يباد فيها الأخطبوط و الحبار و اتخاذ قرارات حازمة لا تراعي غير حماية المخزون السمكي و لا تحابي أيا كان من المتدخلين في القطاع. إننا نتأسف لكون الوزارة لا تريد فتح قنوات التواصل مع ممثلي البحارة الذين يملكون من التجارب و الحلول الشيء الكثير، و لا تتعامل إلا بمنطق أحادي يغلب مصالح المتنفذين داخل قطاع الصيد البحري و يعتبرهم محاورا وحيدا لا بد من الإستجابة لمطالبه في أغلب الأحوال. إن وزارة الفلاحة و الصيد البحري مطالبة الآن أكثر من أي وقت مضى بإعادة النظر في أولوياتها تجاه قطاع الصيد البحري و إعادة النظر في مخطط تهيئة المصايد السابق و فتح شراكة فعالة مع جميع المهنين و رجال البحر من الصيادين، و ذلك من أجل إخراج هذا القطاع من الأزمة الخانقة التي تعيشها مختلف فئات الصيد بما فيها الصيد التقليدي و الساحلي و أعالي البحار، فكل منهم يخبئ وراءه ما لا حصر له من المشاكل و الإختلالات، و لا زالت الوزارة مع الأسف تتغاضى عن هذه المشاكل التي لا يمكن أن نحيط بها في مقال أو مقالين، مشاكل بنيوية عميقة تتعلق بثرواتنا السمكية من حيث الإستنزاف المفرط الذي تتعرض له حاليا مصايد الأخطبوط و مصايد السمك السطحي، مرورا بالفساد المستشري داخل أروقة بعض المكاتب الوطنية للصيد و التغافل عن صيد الأخطبوط أثناء فترة الراحة البيولوجية، و ما يتعلق بالصيد الخطأ و ما أدراك ما الصيد الخطأ و لوبيات التهريب المتحكمة فيه، و مثل ذلك يذكر في بعض مندوبيات الصيد البحري التي توزع رخص الإبحار على بواخر لا تستحق أن تبحر على الإطلاق لعدم احترامها لقواعد السلامة المتعارف عليها في القوانين الدولية التي صادق عليها المغرب، إضافة إلى بعض الصفقات المشبوهة التي عقدتها الوزارة مع شركات لم يكن همها سوى نهب المال العام ، و لقد كنا نحن السباقين للفت أنظار المهنيين إلى قضية مراقبة البواخر عبر الأقمار الصناعية VMS و مشاكلها المتعددة، و قمنابطرح مقارنة بسيطة بينه و بين نظام التعريف الآلي AIS ذو الإمكانيات الهائلة و المنافع المتعددة و تكاليفه الرخيصة إضافة إلى المصداقية الموثوق بها و المعتمد حاليا من قبل وزارة التجهيز و النقل. و بدون أن ننسى التلاعب في المال العام بما تغدقه الوزارة بسخاء و كرم على المهنيين أرباب الشركات و على غرف الصيد البحري و يقابله التنكر المطلق لبحار الصيد المغربي الذي لا يكاد يجد لقمة يسد بها رمقه، و توزع المساعدات المخصصة له من قبل الإتحاد الأوروبي على من لا يستحقها مع كل أسف. فإلى متى سيبقى البحار المغربي على الهامش و قد يئس من الحماية الإجتماعية و القانونية التي من المفترض أن توفرها له الوزارة الوصية؟ إلى متى ستبقى الوزارة حامية للكبار فقط ضاربة عرض الحائط قضايا هذه الثروة البشرية المهمة من البحارة التي تشكل أساس تطور قطاع الصيد البحري. إن وزارة الصيد البحري أشبه بقصر عاجي في مكان عال معزول لا يريد أن يتحمل قاطنوه عناء النزول إلى الواقع المرير الذي يعيشه قطاع الصيد البحري بمختلف موانئ المملكة، و حالات التسيب و الإضطراب في أغلب القرارات، و كذا غلق الأبواب في وجه المواطنين الصادقين الذين يريدون خدمة بلدهم و المساهمة في تعرية أوكار الفساد الموغل في هذا القطاع و مساهمة منهم في الإصلاح و الرقي بالبلاد. إننا لا نحتاج إلى القوانين بقدر احتياجنا لأناس أكفاء أمناء لا ينصاعون لأوامر لوبيات الفساد و لا يبيعون و يشترون في الصفقات العمومية و لا ينفقون أموالا طائلة لشراء الذمم، و لا يساهمون في تبذير المال العام و لا يوزعون الغنائم فيما بينهم، و لا يفرطون في المصلحة العليا للبلاد و التي تعتبر ثرواتنا السمكية التي تزخر بها مياهنا من بين روافدها المتينة. و نحن نطالب رئيس الحكومة بالإضطلاع بدوره و كذا ممثلي الأمة من برلمانيين و خصوصا أعضاء لجنة القطاعات الإنتاجية و إيفاد لجان لتقصي الحقائق لتنظر في مختلف الإختلالات العميقة التي كرسها الأوصياء على قطاع الصيد البحري وتجاوزا للجان الإستطلاع التي تجمع المعطيات و تخرج بتوصيات لا نعلم مآلها فيما بعد ، و نحن ننبه الوزارة و نطالبها بالجلوس مع مختلف التمثيليات المهنية و عدم استثناء ممثلي البحارة تفاديا لأي احتقان في القطاع بدأت بوادره تلوح في الأفق الآن، و حفاظا على المخزون السمكي و خلق شراكة اجتماعية حقيقية للنهوض بالقطاع و ما يتطلبه ذلك من تظافر جهود كل المخلصين من أبناء الوطن الحبيب للتغلب على العجز الواضح الذي يعيشه اقتصادنا الوطني، و لضمان استمرارية هذه الموارد الزاخرة لأجيال المستقبل. الخليفي محمد نائب الكاتب العام للجامعة الوطنية لضباط و بحارة الصيد بأعالي البحار