ردا على محكمة العدل.. هنغاريا تتشبث بالشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب    الحسيمة.. تخليد الذكرى 69 لانطلاق العمليات الأولى لجيش التحرير بالشمال    قرار محكمة العدل الأوروبية.. نواب أوروبيون يعبرون عن امتعاضهم من قرار "يمس بالمصالح الاقتصادية الأوروبية"    بلجيكا تجدد تمسكها بعلاقات الصداقة والشراكة الاستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب    قرار العدل الأوروبية لا يعكس موقف مجلس أوروبا والمفوضية الأوروبية والدول الأعضاء    محكمة التحكيم الرياضي تخفف عقوبة توقيف بوغبا        المحكمة تأمر بإفراغ بركة زوج المنصوري بالقوة من منازل قرب ضريح مولاي عبد السلام    كيوسك السبت | مثقفون ورجال قانون وأجانب قاطعوا الإحصاء العام للسكان والسكنى    "ميتا" تعلن عن إنشاء نموذج ذكاء اصطناعي جديد    طقس السبت ممطر في بعض المناطق    مهنيون يرممون نقص الثروات السمكية    مدرسة التكنولوجيا تستقبل طلبة بنصالح    جماعة طنجة تصادق على ميزانية 2025 بقيمة تفوق 1،16 مليار درهم    المغرب يعتبر نفسه غير معني بقرار محكمة العدل الأوروبية بخصوص اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري        إقليم تطوان .. حجز واتلاف أزيد من 1470 كلغ من المواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك خلال 4 أشهر    منتدى الصحراء للحوار والثقافات يشارك في الدورة الثانية من مناظرة الصناعات الثقافية والإبداعية    خطاب خامنئي.. مزايدات فارغة وتجاهل للواقع في مواجهة إسرائيل    التعادل ينصف مباراة المحمدية والسوالم    هكذا تفاعلت الحكومة الإسبانية مع قرار محكمة العدل الأوروبية    مصدرو الخضر والفواكه جنوب المملكة يعتزمون قصْدَ سوقي روسيا وبريطانيا    مغاربة يحيون ذكرى "طوفان الأقصى"    قرار محكمة العدل الأوروبية: فرنسا تجدد التأكيد على تشبثها الراسخ بشراكتها الاستثنائية مع المغرب    إعطاء انطلاقة خدمات مصالح حيوية بالمركز الاستشفائي الجامعي الحسن الثاني ودخول 30 مركزا صحيا حضريا وقرويا حيز الخدمة بجهة فاس مكناس    ثلاثة مستشفيات في لبنان تعلن تعليق خدماتها جراء الغارات الإسرائيلية    ريدوان: رفضت التمثيل في هوليوود.. وفيلم "البطل" تجربة مليئة بالإيجابية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    امزورن.. سيارة ترسل تلميذاً إلى قسم المستعجلات    مرصد الشمال لحقوق الإنسان يجمد أنشطته بعد رفض السلطات تمكينه من الوصولات القانونية    صرف معاشات ما يناهز 7000 من المتقاعدين الجدد في قطاع التربية والتعليم    تسجيل حالة إصابة جديدة ب"كوفيد-19″    بوريس جونسون: اكتشفنا جهاز تنصت بحمامي بعد استخدامه من قبل نتنياهو        باريس تفتتح أشغال "قمة الفرانكفونية" بحضور رئيس الحكومة عزيز أخنوش    إيقاعات ناس الغيوان والشاب خالد تلهب جمهور مهرجان "الفن" في الدار البيضاء    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    النادي المكناسي يستنكر حرمانه من جماهيره في مباريات البطولة الإحترافية    الاتحاد العام لمقاولات المغرب جهة الجديدة - سيدي بنور CGEM يخلق الحدث بمعرض الفرس    ارتفاع أسعار الدواجن يجر وزير الفلاحة للمساءلة البرلمانية    التصعيد الإيراني الإسرائيلي: هل تتجه المنطقة نحو حرب إقليمية مفتوحة؟    الفيفا تعلن تاريخ تنظيم كأس العالم للسيدات لأقل من 17 سنة بالمغرب    الفيفا يقترح فترة انتقالات ثالثة قبل مونديال الأندية    اختبار صعب للنادي القنيطري أمام الاتحاد الإسلامي الوجدي    الدوري الأوروبي.. تألق الكعبي ونجاة مان يونايتد وانتفاضة توتنهام وتصدر لاتسيو    وزارة الصحة تكشف حقيقة ما يتم تداوله حول مياه "عين أطلس"    عزيز غالي.. "بَلَحَة" المشهد الإعلامي المغربي    محنة النازحين في عاصمة لبنان واحدة    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب 2024    بسبب الحروب .. هل نشهد "سنة بيضاء" في تاريخ جوائز نوبل 2024؟    إطلاق مركز للعلاج الجيني في المملكة المتحدة برئاسة أستاذ من الناظور    الذكاء الاصطناعي والحركات السياسية .. قضايا حيوية بفعاليات موسم أصيلة    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدستور المقبل والرسالة التركية والدور التحكيمي للملكية
نشر في تيزبريس يوم 16 - 06 - 2011

جاء الانتصار الديموقراطي التركي كرسالة ثقيلة إن لم نقل مزلزلة للنخب المغربية المعنية بمستقبل الديموقراطية في بلادنا، والباحثة عن نموذج ناجح ورائد يؤكد أن المصالحة بين المرجعية الإسلامية للمجتمع والنظام الديموقراطي الحديث هو المدخل لحداثة حقيقية تحقق التنمية...
والتقدم والاستقرار، وليس حداثة مشوهة ومغشوشة همها الأول والأخير استهداف القيم الدينية في المجتمع مثل ما نشهده باستمرار مع اللائكية الفرنسية المتطرفة.
واجبنا اليوم هو أن نستثمر الفرصة التاريخية ونتقدم إلى بناء نموذج مغربي مواز ومتفاعل مع النموذج التركي الحالي كما حصل قبل قرون حيث كانت كل من الدولتين قطبين للعالم الإسلامي في علاقته مع العالم قبل هجمة الاستعمار في القرن التاسع عشر، أي أننا مطالبون بالاستيقاظ من عقدة الاستنساخ التدريجي للنموذج الفرنسي كما استيقظت تركيا من وهم استنساخه بعد أن أضاعت ما يناهز الثمانين سنة في ذلك، وحققت تقدمها بالدمج الإيجابي بين الهوية والديموقراطية لفائدة دولة مدنية حديثة بمرجعية إسلامية.
للأسف، كانت المفاجأة ثقيلة وكشفت فشلا ذريعا في تحقيق هذا الدمج، بل والسير في عكس حركة التاريخ وضدا على إرادة الشعوب، بتقديم مشروع حمل تناقضات صارخة في هذا المجال، وشوش على قوة المقترحات الديموقراطية الجيدة.
هل سيتم استدراك أعطاب مشروع اللجنة الاستشارية قبل تقديم مسودة الدستور إلى الآلية السياسية ؟ أم سيترك لاجتماع الآلية أن يغرق في جدالات هامشية من أجل تصحيح التراجعات التي تمت ليس فقط على الدستور الحالي بل والخطاب الملكي ل9 مارس حول الهوية والمرجعية؟
الجواب واضح، وهي أن مصلحة البلاد وقوة مؤسساتها تقتضي أن يتم العمل بالخيار الأول، وأن لا يقدم مشروع خلافي يضرب أسس الشرعية الدينية للدولة وينتقص من المرجعية الإسلامية للمجتمع في الجمل الأولى من ديباجة الدستور و التي تحدد هوية المغرب وانتمائه الحضاري والجغرافي فضلا عن المقتضيات الأخرى التي تفرغ إسلامية الدولة من مدلوله العملي.
لا نريد لبلدنا أن يسقط في هذه الثنائية المضللة أو الاستقطاب الوهمي بين الهوية والديموقراطية، واستدراج بلادنا لمسلسل الصدام الهوياتي، لأننا بكل بساطة نريد مغربا ديموقراطيا لا يتم شله بتوتر هوياتي يزرع في وثيقته الدستورية. والحل بسيط يرتكز على تحمل المسؤولية وإلغاء كل المواد المشوشة واعتماد الصيغ الموجودة في الدستور الحالي، وذلك كحد أدنى.
ونعتقد أن من يرغب في نجاح مشروع المراجعة مطالب بتجاوز متاهات إغراق الآلية في قضايا محسومة تاريخيا ومجتمعيا وتمكين الآلية من مشروع يعكس إرادة بناء التوافق وإنجاح المسلسل السياسي الذي انطلق مع الخطاب الملكي 9 مارس، وهو ما نتوقعه، وذلك في الوقت الذي نحن مدعون للاستعداد لمقتضيات البناء الدستوري الجديد، والانخراط في مسلسل تعبئة وطنية لإرساء المؤسسات المنتخبة الجديدة.
الدور التحكيمي للملكية والنقاش الدستوري
قد يكون من نتائج التفاعلات الأخيرة حول مضامين مشروع الدستور المعدل ما يلاحظ من استعادة المبادرة في النقاش العمومي لفائدة القضايا الخلافية ذات العلاقة بالهوية المغربية والمرجعية الإسلامية في الموضوع الدستوري، وذلك بعد سنوات جرى فيها تهميش مثل هذا النقاش والخوف من طرحه رغم أهميته في تحديد المستقبل السياسي للمغرب.
إلا أن النتيجة الأهم تتمثل في تأكيدها لمركزية الدور التحكيمي للمؤسسة الملكية المستند على شرعيتها الدينية والقائم على عدم التدخل في قضايا التدبير الذاتي للشؤون المحلية للمجتمع، و شكل ذلك وظيفة تاريخية مكنت من ضمان وحدة المجتمع المغربي واستقراره العام رغم التنوع الكبير لمكوناته والنزوع الانقسامي الصراعي الموجود عند هذه المكونات في تدبير العلاقات بينها، وهو ما أدى إلى اكتساب الملكية شرعية واقعية تتجسد في أن وجودها استجابة لحاجة موضوعية وضرورة بنيوية للمجتمع والدولة، ونتج عن ذلك ضمان استمراريتها رغم الهزات التي شهدها المغرب في تاريخه.
واللافت للنظر أن الاستعمار في سعيه للهيمنة على المغرب وجه أجهزته البحثية والمعرفية في إطار علم الاجتماع الكولونيالي إلى التجاهل العلمي والتهوين التاريخي من قوة هذا الدور وتبخيسه والتضخيم في مقابل ذلك من الدور التحكمي وليس التحكيمي أي الدور المحيل على القمع والعنف، في إطار بناء معرفة علمية مساندة ومبررة للتدخل الاستعماري في المغرب، وتكفي العودة هنا لأبحاث المؤرخ المغربي جرمان عياش حول دفاعه عن الوظيفة التحكيمية للمخزن التاريخي وردوده على الأبحاث الاستعمارية المحرفة لتطور المغرب من أجل الوقوف على تفاصيل دقيقة ومعبرة عن ذلك.
اليوم نحن أمام نموذج جديد لهذا الدور، وذلك في مرحلة يتقدم فيها المغرب نحو بناء الدولة الحديثة الديموقراطية المستندة على المرجعية الإسلامية، ويتطلع فيها لإنجاز هذا البناء دون أن يشله أو يشوهه أو يضعفه بألغام التشظي الهوياتي والانفصام المرجعي، أو يدفعه في تجاه معارض لحركة الشعوب في ديموقراطية متصالحة مع هوياتها وذلك في مرحلة استعادتها لحقها في تحديد مصيرها، ورفض القبول بتوافقات مغشوشة لا تعكس إرادتها أو تفرض عليها المساومة على مرجعيتها.
ثمة اتفاق خارجي وداخلي على أن المؤسسة الملكية في المغرب استطاعت أن تتفاعل إيجابا مع حركة الشعوب وأن تؤكد قدرتها على التعاطي الاستباقي مع تطلعات الإصلاح النابعة من الشعوب وليس المفروضة عليها من قبل توجهات فوقية، وهي قدرة تمثل اليوم ضمانة للتطلع لتصحيح عميق للاختلالات التي جرى تداولها في مشروع الدستور المعدل، سواء عبر آلية اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور أو عبر الآلية السياسية، مما سيتيح للمغرب بلورة إطار دستوري جديد لإقلاعه المنشود.
من أجل إنقاذ الإقلاع الدستوري؟
مع تسلم الأحزاب والنقابات مسودة مشروع الدستور المعدل انطلقت بذلك مرحلة جديدة في النقاش السياسي تسبق الإعلان عن المشروع النهائي والرسمي والذي سيعرض للاستفتاء، وهي بالتالي مرحلة مفصلية، حيث أن الأحزاب والنقابات والهيئات مدعوة لتقديم مقترحات التعديل وإبداء الرأي في المسودة، بما يحقق أعلى شروط التوافق وتأسيس دعم واسع للمشروع الدستوري القادم.
لقد أفرز النقاش الدستوري هذا الأسبوع تبلور توجهين متناقضين في التعاطي مع قضايا الهوية المغربية والمرجعية الإسلامية يذكر من الناحية الشكلية بالتقاطب الذي تشكل أثناء نقاش مشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، إلا أن الجديد في هذا النقاش مقارنة مع ما حصل في بداية العشرية الماضية، هو أن موضوع المرجعية والهوية لم يعد قضية حزب سياسي بعينه، وخاصة بعد الموقف الأخيرة القوية والواضحة لحزب الاستقلال سواء في برنامج حوار على لسان قيادي الحزب امحمد خليفة أو في يومية العلم في المقالة المهمة للقيادي حسن السوسي، كما لم تستطع الآراء المناهضة أن تستقطب قوى المشهد الحزبي لمصلحة الانقلاب الهوياتي والمرجعي الذي ورد في مشروع اللجنة الاستشارية الأول.
حصل ذلك رغم سعي هذه الآراء إلى تغليف مواقفها بالدفاع عن الحداثة، واستعمالها ورقة لتبرير مجموع المقتضيات الجديدة ذات العلاقة بالإسلام في الدستور أو بالعلاقة مع العالم العربي والإسلامي أو باللغة العربية، مما أوقعها في خدمة سياسات الخلط بين الحداثة ومعاداة الدين، ومن الجلي أنها لعبة خطرة على أصحابها الذين سقطوا في توظيف هذه الورقة، رغم أن الحداثة هي حداثات والمواقف في إطارها من الدين متعددة ومتصارعة، وأدت إلى ظهور حداثة متدينة في مقابل أخرى غير متدينة، والخيار الوحيد للمغرب من أجل التقدم هو أن لا يوضع المجتمع والدولة أمام خيار التحديث في مقابل تهميش هويته ومرجعيته، بل إن التحدي هو إبداع نموذج يجمع بينهما لا أن يفرق وينتج الصدام والتوتر، وللأسف أخفقت اللجنة في كسب هذا التحدي.
ثمة ملاحظتين، من الواجب التأكيد عليهما ونحن بصدد الانخراط في مناقشة مسودة الدستور.
الأولى، أن من دفع المغرب لهذا الصدام وذلك في مرحلة حرجة لها ما بعدها من استحقاقات انتخابية وحكومية لم يكن منتبها إلى أنه يقدم هدية غير متوقعة لتيار المشاركة السياسية المؤسساتية عند الحركة الإسلامية، تكرس عند الرأي العام موقعه كمدافع مركزي، مما يحمل انعكاسات سلبية على مجموع ميزان القوى، ولهذا ثمة حاجة إلى أن تتحمل الأطراف السياسية مسؤوليتها في تحديد مواقف واضحة مما يجري وتنطلق في ذلك من الوثيقة الرسمية للمسودة، بعد أن كان البعض يتعلل أو يتهرب من كون المسودة لم تخرج بعد رسميا.
الثانية، وهي أن الدخول إلى مرحلة الحملة الاستفتائية في وضعية انقسام وتتوتر في الخطاب أمام رأي عام متخوف على هويته ومرجعيته، سيؤدي إلى إفراغ اللحظة الاستفتائية من بعدها الديموقراطي وسيؤسس لمسار سياسي لا مصلحة لأحد في تحققه، ولهذا علينا الدخول إلى مرحلة الحملة الاستفتائية وقد تم حل المشكلات العالقة، بما يمكن من جعل الحملة لحظة إقلاع دستوري تاريخي لبلادنا.
مصطفى الخلفي
افتتاحيات التجديد 14-15-16 يونيو2011


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.