الحليمي يطبخ أكبر أكذوبة في العقد الأخير ويخرج من الباب الخلفي لمندوبية التخطيط تاركا إعلان هول الكارثة لشكيب بنموسى كانه يقول له "منك لهم أنت ابن الداخلية". التاريخ سيحتفظ للحليمي بهذه الإساءة كما احتفظ بها لأسماء كثيرة أمعنت في توجيه الضربات للأمازيغية، ثم ترجلت عن قطار الحياة منهزمة وبقيت الأمازيغية حية ترزق. العبرة من حزب الاستقلال الذي كان يعتبر الامازيغية عدوا للمغاربة، وكم كان حاقدا عليها بل اجتهد قادته في الدفع نحو منعها في الحياة العامة بقوة القانون بلغ حدا المطالبة بتجربم استعمالها، والحال اليوم أن الحزب يحتفل معنا برأس السنة الأمازيغية، بعدما زين شعاره ولافتاته ومقره المركزي بحروف تيفناغ، والأمر نفسه ينطبق على حزب العدالة والتتمية الذي رفض رسمية الأمازيغية في دستور 2011 ووصف أمينه العام حروفها بالشينوية ذات لقاء عابر. نهاية الأسبوع الماضي صدر كتاب "الحقيقة الضائعة" للراحل مصطفى العلوي يتضمن مقالات رأي كتبها طيلة مسيرته المميزة طبعا قياسا بحجم الرجل ووزنه في الساحة، ومازلت أحتفظ بمقالاتي في جريدة الاسبوع الصحفي منذ 2004. مناسبة ذكر "العلوي" غفر الله له وسامحه، هي أنه كان شديد العداء للأمازيغية، وأتذكر يوم ضاعت حقيقته وكتب رأيا مطولا هاجم فيه الحركة الأمازيغية وعنونه ب "أيها الفينيقيون الجدد أتركوا الفتنة نائمة"، ومن سوء حظ "العلوي" أن اللغة التي اجتهد لمحاربتها أصبحت رسمية في الدستور، ومن الصدف كذلك أن سنة وفاته هي نفسها سنة إفراج حكومة سعد الدين العثماني عن القانون التنظيمي المتعلق بمراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، مات مصطفى ولم تمت تمازيغت. ويبدو أن الغيورين على "تمازيغت" وإن كانوا قبل شتنبر المنصرم لا ينتظرون من أحمد الحليمي صفعة بهكذا وقع، إلا أنهم كانوا ينتظرون ضربة يعتقدون أنها على الأقل لن تكون كنظيرتها في 2014، لذلك استبقوا الأمر بدعوة المغاربة للتفاعل مع مراقبي الإحصاء بلسانهم، لكن الذي حصل أن هاشتاغ "ساول سيلسنك" اصطدم بواقع آخر، الغلبة فيه لمن يملك فيه سلطة الحسم في الأرقام. الأرقام الصادرة اليوم من مندوبية التخطيط حقيقة ملزمة لعشر سنوات قادمة، وما علينا إلا أن نتقبلها كأرقام رسمية على الأقل بالرغم مما يمكن أن تجنيه علينا كمغاربة من اعوجاجات في سياسات عمومية معينة سنتحمل وزرها كما نتحمل أوزارا شتى. من له المصلحة إذن في اللعب بالأرقام وإظهار المملكة شبه منفصلة عن ذاتها وكينونتها؟ ثم من يريد أن يقول للمغاربة عكس خطب ملكية، أولها في أجدير وآخرها تلك التي أقر فيها عاهل البلاد بالتاريخ الأمازيغي الطويل للمملكة الشريفة صيف 2021 ؟ بحسب قراءتي المتواضعة، ما هو مطلوب اليوم أمام هذا الواقع الجديد القديم، هو تمكين المغاربة من فهم الدستور حتى يستوعب الجميع ما معنى رسمية اللغة الأمازيغية، ثم الضغط على "حكومة عزيز أخنوش" من أجل الوفاء بالتزامتها تجاه تعميم تدريس اللغة، عسانا نحقق جزء من الرهان في 2034.