دائما ما يردد "الزعيم النقابي " عبارات الشجب والانتقاد للبيروقراطية وأخواتها ،بل يتعدى ذلك لتقييم التدبير الحكومي و التنديد بغطرسة الامبريالية ، وغالبا ما يتغنى بالتنظيم الشعبي الديمقراطي الجماهيري التقدمي الممانع والمكافح ، خطاب لفظي تحبه الجماهير المتعطشة للكرامة ،الحرية والعدالة الاجتماعية ،لكن الخطاب مهما علت نبرة المتلفظ به يحتاج إلى تصديق،ودليل الصدق هو التطبيق. فهل مناضلنا يا ترى صادق فيما يقول،أم فقط يدغدغ مشاعر القطيع تطبيقا للبند الأول من بنود الاستغلال: الإيناس قبل الإبساس؟ أنا ومن بعدي الطوفان خلال تدرجه في مناصب النقابة وتحمله للمسؤولية يترقى النقابي في مراتب متعددة ويعرف تحولات مهمة : المبدئية ثم التذوق وصولا إلى المسخ النقابي/الإداري وفي هذه المرحلة بالذات تتضخم الأنا عند المسخ فلا يرى أصلح منه للزعامة، ويصبح الكرسي حلمه الدائم ،وشغله الشاغل،يحارب من أجل تملكه، ويخوض المعارك ذات اليمين وذات الشمال لدفع هذا والإيقاع بذاك خوفا من فقدان كرسيه المقدس. وخلال معركة الدفاع عن الكرسي ،يقوم بتدمير التنظيم بل وينخرط في مسلسل العمالة الإدارية الرخيصة لتثبيت أركان امبراطوريته الوهمية ،وتعزيز مكانته السلطوية تطبيقا للمقولة الشهيرة :أنا ومن بعدي الطوفان ،ومتمثلا للنيرونية في أبهى صورها. يصبح النقابي مهووسا بتملك النقابة ،يعتبرها إقطاعا خاصا لا يمكن تشاركه مع الأغيار، ويرى في المنخرطين أقنانا لا يصلحون سوى للسخرة في الإقطاع ، وما داموا يرددون العبارة الخالدة عاش الزعيم ،يحيا الزعيم فهو يجود عليهم بالفتات. التمرد على القوانين التنظيمية انتقاد البيروقراطية، والتغني بالديمقراطية لازمة يكررها الزعيم في كل المنتديات، لكن الهوس بالكرسي وما يضمنه الكرسي للمسوخ النقابية/ الادارية من امتيازات يجعلها في غالب الأحيان تستميت في الدفاع عنه ولو بسحق القوانين التنظيمية ،ولعل مصطلح شيوخ النقابات يؤكد هذا القول،فكثيرا ما تجد "الزعيم النقابي" متقاعدا بل مقعدا ،لكنه لا يزال يمثل الجماهير وينوب عن الأصحاء. وعلى نهج القيادة ،يقتدي أصحاب الكراسي الصغار بالزعماء الخالدين ،فلا تحبسهم قوانين تنظيمية عن الظفر بالكرسي للمرة الثالثة والرابعة و....،في تناقض صريح مع الخطاب الديمقراطي الذي يدندنون به وفي معاكسة للقوانين التنظيمية للإطار،وفي تكريس واضح للبيروقراطية المتعفنة والاستبداد التنظيمي المتكلس،ولذلك تتقزم النقابة وتتحول إلى دكان خدماتي محدود الزبناء ،دكان يحمل اسم الزعيم ويسعى لضمان مصالحه وتحقيق طموحه الشخصي. إن آفة سحق القوانين التنظيمية لا تقتصر فقط على عدم الالتزام بفترة تحمل المسؤولية المحددة في الغالب في ولايتين اثنتين،بل يتجلى ذلك أيضا في احتكار كل المسؤوليات ،وهو سلوك تمنعه القوانين التنظيمية للنقابات،لكن "الزعيم" الذي أسكرته نشوة السلطة تجده كاتب فرع محلي وفي نفس الآن كاتبا إقليميا وجهويا بل ومسؤولا عن الاتحاد النقابي والحزبي والحقوقي والجمعوي و....... الفرز النقابي كشاف بعد تجميع كل السلط ،وخرق كل ضوابط الديمقراطية الداخلية، وتأسيس الدكان النقابي يجتهد "الزعيم" في تهدئة الأتباع ،موهما إياهم بأن الوضع تحت السيطرة ،وأن قضاء الأغراض لا يحتاج إلى نضال ميداني تقليدي ،بل يحتاج فقط إلى خبرة في التواصل ويزدهر بربط علاقة جيدة مع المسؤولين الإداريين ، وهنا تنبري فصاحة النقابي فينطلق لسانه بتسويق صورة لامعة عن المسؤول الإداري مؤكدا أنه مناضل نقابي سابق ، له من الدراية و الخبرة وحسن الإنصات ما لا يخطر على بال،اجتمعت فيه ما تفرقت في عشرات المسؤولين من طيب الخصال وجميل الخلال، مع حنكة في التسيير ،وخبرة في التدبير. عجبا! أيريد تحويل السواد بياضا؟ وما إن تطفو مظلمة على السطح ويكون بطلها هذا المسؤول الإداري إلا ويجد نفسه في وضع صعب ، خصوصا في مواجهة المتابعين ،المنافسين والأتباع . كيف السبيل لتبرير سقطة المسؤول ؟ وما الطريقة المثلى لتعليل التقاعس والخمول؟ مهما تحايل "الزعيم" في تحريف الحقائق ،وتنميق صورة ولي النعمة ، وتحويل المظلمة إلى صرامة قانونية وتأديب للمارقين، فإن الفرز النقابي كشاف ،والحق يعلو ولا يعلى عليه ،والاصطفاف مع الظالم ضد المظلوم يكشف عورة الزعيم ، ويحدد قيمته الصافية، التي لا تتجاوز كونه : فقاعة صوتية نشاز، وحالة نفسية ميؤوس منها ،مقبل على المرحلة الأخيرة من مراحل التحول والمسخ ،مرحلة الانتكاسة والإفلاس والعبرة بالخواتيم. اللهم أحسن خاتمتنا في الأمور كلها، آمين