"البوجادي" كلمة كنا نسمعها كما كنا نسمع كلمات أخر ارتبطت في أذهاننا بالإنسان البسيط، الساذج، غير المتحضر. الإنسان القادم من الهوامشن، غير المسلح بأدوات التعامل مع الحضارة ومستجداتها من قبيل "العروبي"، " الرعيان"، "إد باقفا"… وفي بداية العقد الأخير، مباشرة بعد الفوز المميز لحزب العدالة والتنمية بانتخابات 2011 وتوليه رئاسة الحكومة، ولأن الأحداث السياسية والاجتماعية غالبا ما تلعب دورا مهما في تغذية معاجم الشتائم السياسية، فقد قام خصوم الحزب باستدعاء مفردة "الباجدة" وهي جمع لكلمة "بوجادي" وإلحاقها بقاموس الشتائم السياسية الموجهة لتيار الإسلام السياسي الذي يضم مفردات أغلبها مستورد من البلدان المجاورة. الغاية من هذا الاستدعاء والتوظيف كان بالأساس تعيير أعضاء حزب البيجيدي وبرلمانييه ووزرائه وأعضائه الجماعيين القادمين من المغرب العميق وتصويرهم على أنهم خارج الحضارة والتحضر، غير مؤهلين لتمثيل الدولة والمجتمع، لأنهم لا يتقنون قواعد البروتوكول والإتيكيت التي تفرضها مناصب المسؤولية. غير أن هذا الاستدعاء لم يكن موفقا، لأن الثقافة السياسية للذين قاموا بهذا الاستدعاء تتميز في عمومها بالضحالة، من جهة، ومن جهة ثانية، لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن أصلول الكلمة وعن منشئها ودلالاتها. لأنهم لو أدركوا ذلك ما أقدموا على إقحامها في قاموس الشتائم الموجهة لحزب العدالة والتنمية وتوظيفها في قمع هذا التيار السياسي الصاعد. العديد من هؤلاء لا يعرفون أصل الكلمة، ولم يسمعوا قط بحزب اتحاد الدفاع عن تجار وحرفيي فرنسا ومستعمراتها أو حزب الباجدة (POUJADISME)، الذي أسسه في خمسينيات القرن الماضي المناضل الاجتماعي الفرنسي بيير بوجاد (PIERRE POUJAD)، هذا الحزب الذي ضم في صفوفه البسطاء من الناس والفلاحين والحرفيين وصغار التجار وأصحاب الدخل المحدود، أحدث سنة 1956 زلزالا سياسيا بعد فوزه ب 52 مقعدا في البرلمان، كان جميع الجالسين عليها من ذوي الثقافة المتواضعة، فلسفتهم كما لخصها أوسكار بروفييه: الصدق والحياة المعيشة وليست الكتب القديمة والنظريات الجاهزة. هذه، باختصار، هي قصة أو حكاية "الباجدة"، أما البيجيدي المغربي فسيظل في الوقت الراهن معبودا للعجز المزمن الذي تعيشه مختلف التيارات السياسية، الاشتراكية والليبرالية على السواء.