ككل صيف تبدأ ساكنة مجموعة من المناطق بإقليمتيزنيت (تبدأ) معاناتها المتكررة والمستمرة مع قلة وندرة المياه، وخاصة في دواوير جماعات دائرتي أنزي وتافراوت وأخرى بدائرة تيزنيت حيث تقل الموارد الجوفية وتندثر المشاريع المائية في غياب حلول ناجعة لوقف “أزمة العطش” أو “محنة الماء” التي تهدد الساكنة كلما حل فصل الصيف وانحبس المطر حيث يكثُر الطلب على هذه المادة الحيوية سواء للشرب أو الأغراض المنزلية. ولا يقف الاستعمال عند هذا الحد، بل يتعدى الحديث عن ذلك إلى استعمالاتها في الأنشطة السياحية والصناعية وفي النشاط الفلاحي كما هو الشأن بالنسبة لسد يوسف بن تاشفين الذي يستفيد منه قطاع الفلاحة بعموم ضيعات اشتوكة أيت باها، وهو ما يفرض ضغطا كبير على الموارد المائية التي يرتفع استهلاكها يوما بعد يوم بفعل ارتفاع عدد السكان وتزايد الحاجة على المادة التي جعل الله منها كل شيء حيا. وفي مناطق أدرار، يكاد الجفاف المتواصل يأتي على ما تبقى من موارد مائية وجوفية باطنية (فرشة مائية وآبار جوفية) إذ يمكن أن يؤدي الاستهلاك المتواصل للماء إلى جفاف هذه الموارد في ظرف سنتين أو ثلاث على الأكثر بالنظر إلى أنها تشكل الأساس الذي تعتمد عليه الساكنة في الشرب والأغراض المنزلية والفلاحية وتربية المواشي. فقر مائي مُدقع ومن غير الخافي أن إقليمتيزنيت يعرف محدودية في ما يخص الموارد المائية إذ يعتبر سد يوسف بن تاشفين المزود الرئيسي للإقليم بالماء الشروب التي تصل صنابير المياه بعد معالجة مياه السد بواسطة محطة المعالجة. وتفيد المعطيات المتوفّرة أن الموارد الجوفية بإقليمتيزنيت تعد على رؤوس الأصابع (12 بئر و8 حفر مائية) حيث توجد بمركز تافراوت 7 آبار (طاقة إنتاج إجمالية تبلغ 12.5 لتر/الثانية) وفي مركز تيغمي توجد 4 حفر مائية وبئر واحد (طاقة إنتاج إجمالية تصل إلى 6 لتر/الثانية) أما بمركز أنزي فتتوزّع حفرتان مائيتان وبئران إثنان (طاقة إنتاج إجمالية لا تتعدى 2.30 لتر/الثانية) فيما يوجد بمركز سيدي أحمد أوموسى بئران (طاقة إنتاج إجمالية تبلغ 6 لتر/الثانية) وفي مركز تيزوغران توجد حفرتان مائيتان (طاقة إنتاج إجمالية لا تتعدى 5 لتر/الثانية). وأعادت وضعية سد يوسف بن تاشفين والانقطاعات المتكررة التي طالت توزيع الماء الشروب في عدد من المناطقن ذات الطبيعة الجبلية بإقليمتيزنيت، (أعادت) محنة الماء إلى واجهة الاهتمام الإعلامي حيث تصدّرت تفاعلات نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك). فالسد، الذي أسس سنة 1972 كمحطة هيدروليجية لتنظيم وتقنين سيرورة وادي ماسة، يزوّد أزيد من 19200 هكتار من الأرايض الفلاحية في حوض اشتوكة وماسة فضلا على تزويد إقليميتيزنيت وسيدي إفني بالماء الصالح للشرب (حوالي 180 ألف نسمة) وهو استهلاك يبين حجم الضغط التي تتعرض له هذه المنشأة المائية بدءََ من روافدها التي تغذّيها (على سبيل المثال وادي أسكان وادي ألغاس وعين بوتبوقالت بأربعاء أيت أحمد) والتي ستؤدي تعبئة مياهها من خلال مشاريع خاصة إلى تعميق “محنة الماء”. وضع غير سارّ التفاعل الإداري مع ما يعرف إعلاميا ب”أزمة العطش” أو “محنة الماء” طرح على مدار السنوات الماضية إشكالية التدبير الأمثل فتراكمت المشاكل وتنوعّت ثم ازدادت تفاقما في ظل تقارير تؤكّد “الفقر المائي” الذي يهدد، ليس تيزنيت فقط، بل المغرب بأكمله. ويبقى الاعتماد لسد حاجيات الإقليم من الماء على المياه السطحية (الوديان) والأمطار أمرُُ غاية في الفشل بفعل التذبذب الذي تعرفه الكميات السنوية للتساقطات المطرية واستنزاف احتياطي المياه الجوفية غير المتجددة ناهيك عن الاستعمال المفرط وغير المعقلن للمياه في الأنشطة الفلاحية بدل الاعنماد على التقنيات الحديثة المستعملة في الري والزراعة لخفض كمية الاستهلاك، ويبقى مشروع تحلية مياه البحر، انطلاقا من ساحل أكلو، أملََا على المدى المتوسط للحد من “الفقر المائي” الذي ينتصب شبحا واقفا ومخيِّماََ. وعلى مستوى المشاريع المائية المبرمجة في إطار تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية بإقليمتيزنيت (2017-2023) فقد بلغ عدد المشاريع 30 مشروعا بكلفة إجمالية ناهزت 26.770.000 درهم (موزّعة بين INDH ومجلس جهة سوس ماسة) تهمُّ إنجاز 19 منظومة مائية وإصلاح 3 منظومات مائية مع اقتناء شاحنة مصهرجة وإنجاز 30 ثقب استكشافي. ويسير تنفيذ هذه المشاريع ببطء شديد إذ لم يتعدّ عدد المشاريع المنجزة خلال سنوات 2017 و2018 و2019 (لم يتعدّ) 6 مشاريع فيما يوجد مشارعان إثنان (2) في طور الإنجاز. سنتان ويحلّ العطش في يناير من العام الماضي (9 يناير 2018) وبمناسبة انعقاد أشغال الجلسة الأولى من الدورة العادية شهر يناير 2018 للمجلس الإقليميلتيزنيت قال عامل إقليمتيزنيت سابقاََ حينها بأن “18 في المائة (نسبة ملء سد يوسف بن تاشفين) لا تعادل ولا تكاد تفوق سنتين من الاستهلاك” وذلك خلال مناقشة ودراسة وضعية التزود بالماء الصالح للشرب بإقليمتيزنيت. وفي 19 يوليوز المنصرم من السنة الجارية (2019) عادت حقينة سد يوسف بن تاشفين لتسجّل تراجعا مهولا بعدما تراجعت نسبة ملء حقينة السد إلى 17.3 في المئة (أي ما يعادل 51.6 مليون متر مكعب) وهو ما أثار تخوفات من أزمة عطش تهدّد إقليمتيزنيت. واليوم 26 غشت الجاري (2019)، أي بعد نحو شهر تقريبا، تراجعت الحقينة لتسجّل نسبة ملء بلغت 16 في المائة (47.8 مليون متر مكعب من أصل 299 مليون متر مكعب). وسجّلت حقينة السد في الفترة ذاتها من السنة الماضية (26 يوليوز 2018) نسبة ملء بلغت 20.1 في المئة (أي ما يعادل 60 مليون متر مكعب). وتعود الأزمة في جانب منها، محليا أو وطنيا، إلى مشكل الحكامة في التدبير، إذ أن كميات هائلة من المياه تُهدر بسبب التسربات التي تعرفها قنوات وشبكات نقل وتوزيع المياه. ويرى الخبراء في قطاع الماء أن الهدر الذي تعرفه المياه الصالحة للشرب والمياه المستعملة في الري أو في الأنشطة السياحية، يعمّق الأزمة والنقص الناتجين عن الجفاف، وتراجع التساقطات. كما يطرح الضغط على الموارد المائية إشكالية تفعيل هيآت الحكامة، لحل المشاكل التي تواجه تدبير القطاع، وتجاوز منطق العمل المناسباتي، وهو ما اقتضى وضع مخطط وطني للماء يشكّل المرجع الأساس للسياسة الوطنية المائية، التي تهدف إلى ضمان الأمن المائي في أفق 2030، من خلال تنويع مصادر التزود بالماء، واللجوء إلى مصادر غير اعتيادية، مثل تحلية مياه البحر وتثمين المياه المعالجة، والاقتصاد في استعمال الماء. تقرير دولي يضع المغرب في مواجهة أزمة العطش وضع تقرير لمعهد الموارد العالمية المغرب ضمن البلدان السبعة والعشرين المهددة بأزمة في المياه، خلال السنوات المقبلة. واحتل المغرب الرتبة 22 من بين 164 بلدا، تواجه أزمة الجفاف وارتفاع الحرارة، والنقص في المياه، من بينها بلدان منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط. ووضع التقرير خريطة تبين حجم النقص في الموارد المائية، إذ ورد المغرب ضمن الدول السبع والعشرين التي تواجه نقصا مرتفعا في المياه، ضمنة منطقة «مينا» التي تعرف تزايد الجفاف وضعف التزود بالمياه، ناهيك عن آثار التقلبات المناخية التي تعمق هذا النقص. المغرب، صنفه التقرير ضمن المجموعة الثانية، التي تعرف ما أسماه ضغطا كبيرا قدر باستغلال أربعين في المائة من المياه، في الأنشطة الفلاحية والصناعية والاستهلاك المنزلي. ووضع التصنيف المغرب إلى جانب بلدان الشيلي واليمن وبلجيكا والمكسيك واليونان وتونس والجزائر وإسبانياّ، وتركيا والبرتغال ومصر وإيطاليا، والنيجر وبوركينا فاصو والعراق. وقدرت معطيات رسمية حجم الموارد المائية الجوفية القابلة للاستغلال بطريقة مستدامة بالمغرب بحوالي 4 ملايير متر مكعب في السنة، أي ما يعادل 20% من الحجم الإجمالي للمياه الطبيعية المتاحة.