تشهد مناطق سهل اشتوكة نشاطا فلاحيا كثيفا جعله يتبوّأ الصدارة وطنيا من حيث إنتاج بعض الأنواع من الخضر والحوامض، وأسالت الخصائص الطبيعية والمناخية لإقليم اشتوكة آيت باها لعاب شركات استثمارية فلاحية كبرى، فتحوّلت آلاف الهكتارات العارية إلى بيوت فلاحية مُغطّاة، جلبت يدا عاملة مهمة من مختلف مدن المغرب أفرزت ظواهر عمرانية واجتماعية غاية في التعقيد. كما كان لهذا النشاط أثره العميق على الفرشة المائية، وعلى الفلاحين الصّغار الذين تعوزهم الإمكانيات لمسايرة نظرائهم الكبار في الحصول على الموارد المائية والمالية الكفيلة بضمان استمرارية نشاطهم الزراعي. وكالة الحوض المائي سوس ماسة سبق أن شدّدت، ضمن ندوة وطنية في موضوع "أي مقاربة لتدبير الموارد المائية بالمغرب"، على أن مناطق بسوس عدة تعيش إكراهات كبيرة، تتعلق بتدبير الموارد المائية التي تعتمد على مصدرين أساسيين، هما الفرشة المائية والأمطار. وأكّدت أن شح التساقطات المطرية قد أثّر سلبا على حقينة السدود، التي تؤمن حصة الأسد من الاحتياط المائي للجهة، سواء الماء الموجه للشرب أو لأغراض فلاحية وزراعية. كما أبرزت الوكالة أن الجفاف والتلوث وتزايد المساحات المسقية سنة بعد أخرى عوامل جعلت الجهة تعرف إشكالية حقيقية تتمثل في استنزاف الثروة المائية. ويعتمد مالكو الضيعات الفلاحية الكبرى على عنصر الماء بشكل أساسي، مما يدفعهم إلى مواجهة الطلب على هذا العنصر بإنشاء أحواض مائية، عبارة عن خزانات تسع ملايين المترات المكعّبة، والانخراط في عمليات حفر الثقب الاستكشافية والآبار لتغذية تلك الأحواض، وهي الوضعية التي دفع ثمنها الخزان المائي الجوفي، بتعريضه باستمرار للضغط والاستغلال المفرطين، في مقابل تذبذب تجدد موارده المائية، نظرا إلى قلة التساقطات، مما يُهدّد تلك المناطق وسكانها بأزمة ندرة المياه، التي ستُفضي لا محالة إلى تزايد الطلب على الماء في مجال الفلاحة أو الماء الشروب، بفعل تنامي الكثافة السكانية وظاهرة تزايد الرقع الجغرافية للمدن وهوامشها، وبالتالي خلخلة النظام المائي المحلي. لحسن فتح الله، رئيس الجماعة الترابية إنشادن متهم بالشأن المحلي، قال ضمن تصريح لهسبريس: "إن سهل شتوكة آيت بها يُعدّ من المناطق المغربية التي تعرف انتشار الفلاحة العصرية التي تعتمد على أحدث التقنيات الفلاحية على المستوى الدولي، وكان الأصل هو اعتماد السقي بمياه سد يوسف ابن تاشفين، غير أن سوء استغلال مياه السد وتوالي سنوات الجفاف جعلا المستثمرين يلجؤون إلى حفر الآبار بشكل مرخص أحيانا، وبشكل غير مرخص وعشوائي أحيانا أخرى، فبدأ استنزاف المياه الجوفية بشكل غير منظم وخطير، أمام عجز السلطات المختصة على المراقبة والردع، وأحيانا المساهمة في هذا الاستغلال عن قصد أو بدون قصد". وأضاف فتح الله أنه من دون البحث عن طرق للحد من استغلال المياه الجوفية بشكل هستيري بدون رقيب ولا حسيب، خاصة مع توالي سنوات الجفاف، فإن "المياه الجوفية مهددة أكثر من أي وقت مضى بارتفاع الملوحة؛ إذ أصبحت نسبتها ترتفع شيئا فشيئا في العديد من المناطق، مما سيؤثر سلبا على مياه السقي ومياه الشرب على حد سواء، وهو ما يستدعي البحث عن حلول آنية للحد من هذه الخطورة، أو على الأقل التخفيف منها، وضمن الحلول، تحلية مياه البحر قصد استعمالها للسقي لتقوية الخزان المائي وللشرب كذلك، رغم ما لهذه العملية من سلبيات مصاحبة، ولكنه شر لا بد منه، أما المخرج الثاني فهو المراقبة الصارمة للاستغلال المفرط والعشوائي، وهي العملية التي لازالت ضعيفة". مشروع تحلية مياه البحر، المنتظر إنشاء محطة خاصة به في شاطئ "الدويرة" في نفوذ الجماعة الترابية لإنشادن، يرى الحسين أزوكاغ، النائب البرلماني عن دائرة اشتوكة آيت باها، أنه "لن يحل أزمة مياه السقي بالنسبة للفلاحين الصغار والمتوسطين"؛ وذلك لاعتبارات أولاها، وفقا للمتحدث، أنه "مشروع متوسط المدى، وستطول أشغال إنجازه. وثانيا لأن مساطر الانخراط في عملية الاستفادة وطبيعة ومبلغ المساهمة مازالت غير معلومة، ومدى قدرة المعنيين من الفلاحين المثقلين بأعباء الديون ومصاريف تسيير ضيعاتهم وغلاء المواد المستعملة في معالجة المنتوجات الفلاحية ومشاكل التسويق؛ حيث إن أغلبهم يعتمد على الوسائل التقليدية في الري، هذا فضلا عن كون جغرافيا المشروع مازالت طي الكتمان". ومن المخاوف الأخرى لأثر المشروع على الفلاحين الصغار والمتوسطين بسهل اشتوكة، تساءل أزوكاغ في تصريح لهسبريس، ما إذا كانت هذه المحطة "ستشمل المناطق غير المشمولة بالمدار السقوي، وتحديدا المجالات البورية غرب إنشادن وسيدي وساي وسيدي بيبي، بالإضافة إلى أننا أكدنا أن هذا المشروع سيكون ذا أهمية ناقصة وتكلفته باهظة إذا لم يدمج قطاع الماء الشروب لتزويد الإقليم ونواحيه بهذه المادة الحيوية، ضمانا لاستدامة مصادر المياه تحقيقا للعدالة المائية". وأضاف أزوكاغ أن "المصالح الحكومية الموكول لها تتبع هذا الملف لم تبادر إلى عقد لقاءات تشاورية وتحسيسية وتوضيحية حول المشروع ومكوناته وتكلفته المالية ودراسة جدواه، ومدى تأثيره على البيئة والتنوع البيولوجي بالمنطقة". من جهته، أورد مصطفى آيت بيهي، رئيس جمعية "إخوان الفلاح"، أن المصالح المسؤولة مدعوة إلى الالتفاتة إلى الفلاح الصغير، الذي يُعد الحلقة الأضعف في هذه المنظومة، ف"أمام الحالة الهيدرولوجية لسد يوسف ابن تاشفين، باعتباره المغذي الأول للقطاعات المسقية باشتوكة، وتهالك تجهيزات الضخ، ورغم وعود المركز الجهوي للاستثمار الفلاحي بضمان نحو 10 ملايين متر مكعب إلى غاية شهر شتنبر، بالإضافة إلى فرض كوطا في الاستفادة من مياه السقي، فإن ذلك يوثر على المحاصيل الزراعية وتروية الماشية". وأضاف أن "غياب تسهيلات في الأداء، وتعقيدات حفر الآبار، والانقطاعات المفاجئة لمياه السقي، لاسيما في هذه الفترة التي توجد فيها المحاصيل في درجة متقدمة من النضج، كلها عوامل تهدد الفلاح الصغير بالإفلاس ومراكمة الديون". ملاحقة الماء بسهل اشتوكة إذن أفرزت ظاهرة هجرة فلاحية مكثفة نحو هذه المناطق، التي لازالت فرشتها المائية تجود على النشاط الفلاحي، ولو نسبيا، غير أن الاستغلال المفرط، وتوسيع عمليات الضخ وتكثيفها في كل أجزاء السهل، تقتضي اتخاذ تدابير استعجالية من أجل حفظ التوازن بين الموارد المائية والحاجيات من هذه المادة الحيوية، في السقي والشرب، بالإضافة إلى ملحاحية مراقبة الممارسات الفلاحية، حتى لا تتحول مناطق عدة بسوس إلى بؤر منكوبة يتهدّد العطش ساكنتها، لاسيما في ظل التغيرات المناخية الحالية المتسمة بالشح المطري والتهديدات البيئية.