للكوميديا الأمازيغية تاريخ طويل من الإمتاع و المؤانسة. و هو فن عريق عرفه و مارسه الأمازيغ طيلة قرون في مختلف المناسبات و مارسه العديدون في الحلقة بمختلف ربوع المغرب في سوس و الأطلس بشكل خاص. و فن الكوميديا له فنانوه الذين تركوا بصماتهم عبر التدوين لا على مستوى الأشرطة السمعية منذ ستينيات القرن العشرين. و بعد ذلك عبر الأشرطة السمعية البصرية في أفلام الفيديو مما خلق منهم نجوما كبارا و بشكل خاص ذوي اللسان السوسي و نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الفنان عبد الرحمان أوتفنوت و الفنان العربي الهداج و الفنان محمد قيمرون و الفنان عبد الرحيم أﯕزوم و الفنان لحسن شاوشاو. و الجميل أنهم لا زالوا مستمرين في العطاء و أصبحوا وجوها سينمائية و تلفزيونية مشهورة بعد أن كانت شهرتهم تمر عبر الأشرطة أو الأقراص المضغوطة. و تشكل السخرية أو الفكاهة بمفهومها الواسع في الإنتاجات الفيلموغرافية الأمازيغية خاصية بارزة أو ظاهرة مهيمنة، إذ حتى عندما يراد لها أن تكون مجرد وسيلة أو أداة في التعبير أو النقد تتضخم وتمتد في علاقتها بالموضوع أو بالأحداث، وإذ أن التوجه العام في هذه الإنتاجات ينحاز نحو الأعمال الكوميدية التي تقوم على الهزل والرغبة في تسلية الجمهور بما يعني الإستهلاك. وتكفي نظرة سريعة إلى أفلام الفيديو والأفلام المنشورة على شبكة الأنتريت للوقوف على حجم هذه الظاهرة وشكلها. مما يعني أن فناني و منتجي هذا الفن لهم نظرة تسويقية للمنتوج لأن الإنتاج ذاتي و لا دعم له من الدولة بل هم من يؤدوا للدولة ممثلة في المركز السينمائي المغربي ضريبة على المداخيل تتحدد بعدد النسخ المطبوعة و الموزعة من كل عمل بحيث يجب على كل نسخة أن تحمل طابع مؤدى عنه. إلا أنه لابد من الإقرار بأن هذه الغلبة للتوجه الكوميدي ليس بالضرورة نقيصة أو عيبا، لأن الكوميديا في الفيلم هو فن قائم بذاته، شكل “أحد الفنون السينمائية الأولى، الكوميديا كانت أصلا تعني كل تمثيلية أو حكاية مشخصة أو أشكال ما قبل مسرحية، ثم أخذت تعني كل مسرحية لها حبكة شبه حقيقية تثير الضحك برسم عادات عصر ما وعيوب شخصية ما ونقائصها. وقد استولت السينما على هذا النوع الأوسع من أن يحدد إلا بالرغبة في تسلية الجمهور ، واشتغلت عليه لتكريس ثوابت غير مألوفة في السينما منها الخطاب المنتصر للمغلوبين، ثم الجماليات المؤسسة على المهمل في ما يخص الملابس والديكور وعناصر الفرجة، والقضايا والتشخيص إلخ… وغذتها لما تطورت أكثر ونفذت إلى مجالات الدراما كالأفلام التلفزية وأفلام الفيديو بالاعتماد على فنون أخرى وعلى جل التوجهات الفنية والجمالية، كما حدث مع أفلام الفيديو الأمازيغية التي بدأت في أواخر الثمانينات و أوائل التسعينات من القرن الماضي اعتمادا على تقنيات جديدة أدت إلى قلب أوضاع الفنون الفرجوية و الإستهلاكية الأمازيغية وإلى تفجير التصور التقليدي للفن، وهكذا نما فن فيديو قائم على تسجيل مباشر للصورة والأصوات. و التغلغل وسط الجمهور الواسع بالبيوت و المقاهي و غيرهما مع العلم أن الفيلم الأمازيغي بدوره قد تفرع عن المسرح الأمازيغي، فإن توجهه نحو الفيديو كان إكراها ماديا ضاغطا وليس اختيارا فنيا وجماليا، إكراها فرض عليه أن يبقى “أسيرا لممارسات معينة، كالتصاقه بالتسجيل بكاميرا فيديو القليلة الكلفة، فأثر ذلك على جميع عناصر بناء الفيلم: النص، الممثل، الديكور، الأدوات التقنية ، وجعله يحافظ على كثير من عناصر الفرجة المسرحية الشعبية الكوميدية ليغطي نواقصه واختلالاته فيحظى بالقبول لدى الجمهور، فاشتغل على اللغة المنطوقة في إنتاج السخرية أكثر من الصورة، وعلى المبالغة في الحركة والإيماءة في رسم الشخصية أكثر من المواقف الأفعال، وعلى الموتيفات الهزلية المستخدمة في المسرح الشعبي كالتنكيت واللعب بالألفاظ والمبالغة في التشخيص وسواها. ولكن، أليست هذه الملامح أو الآليات في الإضحاك من التعابير الشائعة في الفكاهة الأمازيغية التقليدية ؟ أليست من المفردات الفنية الأساسية في السجل الثقافي لدى المتلقي الأمازيغي ؟ أليست بعضا من ملامح الثقافة الأمازيغية الشفهية وقد تجلت في المسرح ثم في الفيلم الكوميدي الأمازيغي؟ في الواقع، إن هذه الوسائل الفنية هي مزيج من الأدوات الفرجوية التي زخرت بها الفنون الأمازيغية في الاحتفالات الزراعية والاجتماعية والصوفية وفي فرجة الحلقة انتقلت إلى المسرح، ومنه إلى الفيلم الكوميدي، لأن الثقافة الأمازيغية لم تتجاوز بعد مرحلة الشفهية والتقليدية، فهي لا تزال تنتج في إطارها ولا يزال المتلقي يتأثر بمثيراتها. وبذلك، فاستخدام الفيلم الأمازيغي الكوميدي لها وإن كان يشمل بعضا من السعي إلى التغطية عن ضعفه هو أيضا نوع من السعي إلى الانسجام مع السجل الثقافي والتجربة الفنية للمتلقي من أجل ضمان الانتشار والاستجابة. ومن خلال ذلك يعكس أجزاء كثيرة من ملامح ثقافتنا التقليدية. و من ملامح الثقافة الأمازيغية في كوميديا الفيلم الأمازيغي. و من الخصائص الثقافية الأمازيغية التي يطغى بروزها في الكوميديا بالفيلم الأمازيغي الارتكاز على فضاء البادية بالمناطق الناطقة بالأمازيغية وما تشمله من شخصيات وعادات وسلوكات، ومن أنساق القيم والعلاقات الاجتماعية. فتحضر بكثافة شخصيات من قبيل أمغار و”الطالب” والأمدياز، وموضوعات من قبيل السحر والشعوذة والإرث. إلا أن استحضار هذه العناصر باعتبارها مظاهر ثقافية أمازيغية ووضعها محل الهزء والإضحاك، يمكن النظر إليه من خلال ثلاثة مستويات: المستوى الأول: استعادة التمثلات: إن مثل هذا التوظيف الساخر لهذه العناصر يدخل في حيز المستنسخ الثقافي الهازىء “وإعادة إنتاج ما استقر في الذاكرة الاستقبالية من قوالب مسكوكة ونماذج جاهزة للمحاكاة وصور سلبية صالحة للتقليد رسختها الأفلام والدراما المغربية حول الإنسان الأمازيغي باعتباره بدويا مثيرا للضحك والسخرية. وبذلك يكون أخطر ما في هذا الأمر هو استبطانه لثقافة تلغيه واستضماره لتصور قبلي يفتك بالهوية التي يدعي الدفاع عنها، وذلك لأنه يقدم الصور النمطية ونماذج من مسكوكات المتخيل السلبي عن الأمازيغ. ومن ثمة، يكون الضحك الذي ينتجه ضحكا نمطيا، أي ذلك الضحك الذي يستند إلى الأفكار النمطية في إثارة السخرية أو خلقها. على خلفية الرغبة في استهداف المستهلك والربح المادي أساسا، لاسيما وأن القنوات الرسمية تشجع الدراما القائمة على الرغبة في الإضحاك المؤسس على هذا النوع من التصوير. ومن ثمة، يقدم العنصر الثقافي الأمازيغي في هذه الأفلام بملامح سلبية منتقصة تكرس نظرات الدونية والفلكلرة السطحية. المستوى الثاني: التحويل: مما لاشك فيه أن السخرية في الأفلام الأمازيغية أداة للنقد الاجتماعي والأخلاقي والسياسي، وغايتها الإصلاح والتقويم عبر فضح العيوب والانحرافات وتعريتها في واقعها الراهن. إلا أن عودتها إلى مفردات من التراث الثقافي الأمازيغي القديم، والبدوي منها خاصة، واستخدامها في ذلك يبدو أنه ينتج وضعا مفارقا يدعو إلى التفكير والتأمل. قد يكون الأمر تقنية من تقنيات النقل والتحويل الساخر عبر نقل الشخصيات بسلوكاتها وعيوبها وأفعالها من مستوى زمني إلى مستوى زمني آخر، فيتم نقل الشخصيات الحاضرة التي يراد انتقادها والنيل منها إلى شخصيات ماضية كالشيوخ وإمغارن وفقهاء البوادي وملاك الأراضي… إلا أن الفروقات الاجتماعية والأخلاقية بين الفئتين تنتج صورا مفارقاتية تدعو للضحك والسخرية، لأن نقل السلوكات والوقائع والمشاكل النفسية والاجتماعية من مظهرها الطبيعي المعيش والمنطقي إلى مظهر آخر فيه فاعلون مغايرون يولد المفارقة وينشئ الهزل. ويستند هذا النقل أو التحويل عموما إلى آليتين اثنتين أولهما تضخيم الأشياء المعيبة الصغيرة والحقيقية وجعلها تتفاعل مع الخيال العام للمتفرج من خلال الاتكاء على الثقافة المسيطرة في محيطه، و ثانيهما إعادة التمثلات الساخرة والمستقرة في الذاكرة الجمعية كما رسخها الغير وتحريكها من جديد. ولذلك، يمكن القول أن هذه التقنية لم تعمل إلا على استعادة ملامح منمذجة ومنمطة حول الثقافة الأمازيغية، ولم تنتج تفكيرا أو تأويلا جديدا لها يخدم حاضر هذه الثقافة ومستقبلها بوصفها وبتحليلها وتشريحها. المستوى الثالث: النوستالجيا الرومانسية: إن العودة إلى البادية في كل الفنون الأمازيغية ينطلق من كون البادية هي العالم الذي يحتضن الذكريات القديمة الجميلة التي ترتبط بالانطلاق والحرية والبراءة، وتحتضن كذلك عناصر الثقافة الأمازيغية الأصيلة من حكايات وأساطير وأشعار وأحداث تاريخية كبرى، وبذلك فهي تترجم نوعا من الحنين الحالم والشاعري إلى هذا العالم الذي بدأ يتلاشى ويضمحل، والرغبة في استعادته والحفاظ عليه. ومن ثمة حينما تتقدم نحوه الكوميديا، فهي أحيانا وفي العمق السحيق من نفسية أصحابها تعلن عن شوق كبير إلى استرجاع ذلك المرح الطفولي البريء الذي ضاع، وذلك الهزل الذي يعتقد أنه كان ينطلق في عالم ذي ملامح أسطورية تعلو به عن العالم المدني السطحي والمبتذل، كما أنه عالم غريب، فهو حينا يكون أرض الظلام المطبق، وأرض الرجال المطلق، ومجتمع الأقاويل والتشدد، ومجتمع الشعوذة والخرافات. وحينا آخر يكون مجتمع الخير والتعاون، وأرض الممارسة الديموقراطية، ومكان العيش الحميم والرحيم. وهذا العالم الغريب يوفر مساحة شاسعة من المتناقضات والمفارقات القابلة للاستثمار الكوميدي الساخر. وبهذا فإن توظيف المفردات التراثية الأمازيغية ومظاهر ثقافتها بفضاء البادية بهذا الشكل هو شكل من التعبير النوستالجي الحالم في الرجوع إلى الماضي المبستم والضاحك الذي انحدرت منه الحياة الجديدة المشحونة بالآلام والمكابدات. و من جهة أخرى تتميز طريقة الاشتغال الفني في الفيلم الكوميدي الأمازيغي بحشو القصة بالشخصيات النمطية المعروفة في المجتمع القروي الأمازيغي والتركيز على ظاهرها بإبراز إشاراتها وإيماءاتها وسلوكاتها التي تثير الضحك. وتختار منها في الغالب الشخصيات المهمشة اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، وتقدمها في مواقف متناقضة لبؤسها وعجزها، لاسيما حينما تريد أن تضيف إليها بعض مقومات الإبهار والغرابة فتجعلها تمر أو تنخرط في بعض مباهج الحياة القروية الأمازيغية كالرقص في أحواش أو الاستمتاع بفرجة الإنشادن أو الإيمديازن. كما أن أغلب القصص المقدمة في هذه الدراما الكوميدية قريبة جدا من الحكايات الساخرة في الثقافة الشعبية الأمازيغية في بنائها وموضوعاتها وشخوصها، وتكون مشحونة بأكبر قدر من الأمثال الضاحكة والنكات والنوادر التي يزخر بها التراث الأمازيغي. و في الواقع حاليا نجد أن للكوميديا الأمازيغية قد ربحت مهرجانات قائمة الذات و خصوصا في منطقة سوس حيث تنظم جمعية الآفاق الواعدة بأولاد برحيل إبتداء من سنة 2016 مهرجانا للكوميديا تحت شعار" الكوميديا الأمازيغية فن وثقافة"، وحل في دورته الأولى ضيفا عليه عدد من كبار نجوم الكوميديا الأمازيغية في طليعتهم الفنان الكوميدي الامازيغي عبد الرحيم أﯕزوم ومحمد قيمرون ولحسن شاوشاو، وغيرهم من كبار الساحة الكوميديا، كما تم تكريم رجل الاول في السينما الامازيغية محمد ابعمران الذي اعطى الصورة للسنيما الامازيغية في مجموعة من الاعمال الدرامية مثل بوتفوناست، و هذه السنة مطلع أبريل 2017 نظمت الدورة الأولى بمدينة أكادير من مهرجان تاضصا المخصص لاكتشاف المواهب الكوميدية الامازيغية و هو مهرجان يشرف عليه من خلال الجمعية التي يترأسها الفنان عبد الرحيم أﯕزوم.