اجتمع صبيحة اليوم (الثلاثاء)، “وفد” سوسي مع السيد رئيس الحكومة “سعد الدين العثماني” لتدارس آليات التصدي لمظاهر “الاعتداء على الممتلكات والأشجار والمزروعات والمياه من طرف الرعاة وقطعان الماشية التي يتم توجيهها قصدا نحو ممتلكات القبائل والعائلات والخواص…” –وفق ما جاء في بيان “الوقفة الاحتجاجية ضد الرعي الجائر أمام البرلمان”، يوم 26 أكتوبر 2018 الذي تلاه الأستاذ “أحمد عصيد” أمام جموع المحتجين. وعلى وجه السرعة آثرت تناول هذا اللقاء وفق خمسة مداخل أساسية لفهم هذه الخطوة السوسية في نطاقها الصحيح: أولا: من الناحية السوسيولوجية، يعد السوسي ذات طبيعية مسالمة حد التنازل عن الحق الواضح والصريح، تبعا لأعراف متجذرة، وتربية ممتدة عبر الأجيال تمتح من الدّين والتاريخ والعادة “أغاراس الهنا أور إسوتل” / “أونشكلي حراتنيت إوايدي إتين تيتيتن كيي نييت”… إن حب الحياة والإنسان ورفض كل أشكال العبث والفوضى لهي سمات سوسية بامتياز، لا يكاد السوسي يحملها بين جنبيه كرصيد رمزي لا ينضب أينما حل وارتحل، والأمثلة في ذلك متعددة بدءا بما ذهبت إليه الدراسات الاجتماعية الكولونيالية وانتهاء بالتجارب اليومية المعاشة. لكن، أن يخرج هذا السوسي العفوي للاحتجاج أمام المؤسسة التشريعية فأمر يُعدّ سابقة تنمّ عن حجم الضرر الذي تعرض له، والإمعان في التبخيس الذي يكابده، وتقابل به مختلف المبادرات التي يتبناها لاقتسام حقوقه الأصيلة مع غيره ضمانا للهناء والرخاء والاستقرار وضدّا على غوائل الطبيعة القاسية وقرارات البشرية المنافحة. ثانيا: أن يجتمع السوسيون على قضية ما كقضية الأرض/أكال، وما يرافقها من أزمات متتابعة في الآونة الأخيرة، فمعناه أن الإرث التاريخي للأرض ما زال حاضرا لدى الأجيال السابقة وتتلقفه اللاحقة – وإن بشكل أقل حدة- والتي تغرق في بحر غبش الرؤية وضبابية العلاقة الناظمة بين الإنسان-الأرض. وهو ما يمكن ملاحظته للوهلة الأولى في الوجوه المدنية والسياسية التي تترافع في هذا الاتجاه رغم اختلاف التوجهات والرؤى في مجالات أخرى. ثالثا: إن اللقاء الذي عُقد صبيحة اليوم لدى رئاسة الحكومة بحضور بعض الوجوه “المنتدبة” من المعنيين بالقضية حمل تدخلات عدة، بعضها انصب في إطار البيان المقروء من طرف الأستاذ “أحمد عصيد” أمام البرلمان، والذي يظهر للوهلة الأولى أنه عد سلفا واختيرت بعض بنوده لتكون متوافقة وتوجهات الأطراف التي تتبنى (مشروع المراعي)، فيما ذهب بعضها إلى مساءلة المرجعية القانونية المنظمة للأرض ومختلف الإشكالات المرتبطة به. وهنا يبرز موقفان متضادان: أحدهما يدعو إلى توطين الرحل عبر محميات رعوية في أراضي الساكنة المحلية تحت مسمى: (أملاك غابوية/أراضي الجموع/…)، وتنظيم ذلك وفق القانون الذي علقت عليه آمال كثيرة (قانون الترحال الرعوي 13.113)، وما يرافق ذلك من تنظير فلسفي بعيد عن الواقع المعاش الذي يفند صعوبة التقيد بمضامين ما ورد فيه من طرف المعنيين (الرعاة الرحل/الساكنة المحلية/السلطات المختصة) بغياب المراسيم التنظيمية. في حين، تذهب غالبية الآراء –وفي مقدمتها بطبيعة الحال- ما تبناه الفاعل المدني المعروف “الحاج ابراهيم أفوعار” لمساءلة النظم القانونية المنظمة لمشاكل الأرض (تحديد الملك الغابوي- الترحال الرعوي-…)، وهو ما ظهر لي أنه يلقى دعما كبيرا من المحيطين به، لاضطلاعه بمختلف المشاكل التي تعيش على وقعه منطقته (تنالت –آيت صواب)، وبحكم قربه من جهابذة التشريع، وحضوره بمختلف المحطات الترافعية الميدانية منذ زمن. رابعا: ثمة فجوة واضحة بين الفاعلين الحزبيين وبين الفاعلين المدنيين حول هذه المسألة. فالفاعل الحزبي ذو الرأي المسموع في هذا الموضوع يتبنى خيار إقامة مراعي تبعا للقانون المنظم، وأشرف على الجمعيات المنضوية تحته لتنظيم “مهرجانات” تدخل في زاوية التحسيس بأهمية المراعي بمقدرات مالية هائلة، وهو ما لاقى استهجانا لدى المواطن البسيط، ومختلف الفاعلين المدنيين الذين يدركون ماهية هذا الأمر بعيدا عن البروباغندا الرائجة يومها. ويظهر من هذا، أن التحسيس لو تم عبر استدعاء هذا المواطن المغلوب على أمره وإشراكه في تدبير مجاله، فإن رأيه سيكون مخالفا تماما لما يذهب إليه مناصرو “المراعي”. خامسا: مع ابتسامته المعهودة، يحاول رئيس الحكومة –بحكم تخصصه السيكولوجي رمي الكرة في ملعب الآخرين تارة، والاستهانة بالقضية أخرى: فحول قانون “المراعي” يقول: “إسنيح نكي إسيكا المصلحة نون !! “. “غاسكاساد أوريلا الموشكيل أشكو إلا أونزار ح الصحراء”. وعند عرض حالات الاعتداء على الساكنة وتهديد أمنها واستقرارها، حمّل المسؤولية للمحامين: “واه، أوريلاّ المحامي؟!”. سادسا: غياب وزير الفلاحة والمياه والغابات والصيد البحري عن الاجتماع شكل ضربة موجعة لمخرجاته مهما تكن المبررات، ذلك أن السيد “عزيز أخنوش” له ثقل كبير في التدبير الحكومي، والقطاع الذي يشرف عليه هو المعني بالدرجة الأولى بالسؤال، ولا يمكن البحث عن حلول دونه، فبقي الاجتماع مع السيد “سعد الدين العثماني” فاقدا للملح والبهارات التي تضفي عليه لذة الخروج بحلّ يُساعد السّوسيين على فهم ما يدور حولهم من “قضايا وجودية” –بتعبير أحد المتدخلين في ذات الاجتماع الصباحي. قد تكون الخطوات المتخذة اليوم تطورا ملحوظا في قضية حساسة تتعلق بأرض سوس، وقد تكون مجرد اجترار لخطوات سابقة ينتظرها ذات المآل، ومن يدري؟ لعلها تكون فاتحة خير بنخبة سوسية تفهم في مسقط رأسها أكثر من غيرها، لكنّ المؤكّد عندي، أنّ أهلنا المترافعين عن هذا الملف يلزمهم تذكر مقولة “عمرو بن عمرو” لزوجه السابقة: “الصيف ضيّعتِ اللّبن!!”.