تصلني بطاقات تهنئة كثيرة بمناسبة عيد الأضحى المبارك في مواقع التواصل الاجتماعي، تحمل في العادة عبارات تهنئة تختلف من حيث الأسلوب والدلالة، لكن غالبيتها إن لم أقل كلها تشترك في صورة كبش أملح أقرن كرمز أصيل لا يخلو من بطائق التهنئة هذه. قد تكون لأول وهلة مجرد صورة بسيطة مألوفة في مخيالنا الجمعي ونحن نعيش عصر التكنولوجيا العابرة للقارات، لكنها ليست كذلك في ميدان "سيميائية الصورة" التي تنشط فيها حروب طاحنة للسيطرة على العقول وتوجيهها، ذلك أنّ للصّورة أبعادا ودلالات لا يمكن إغفالها عند كلّ تحليل. فصورة الكبش هذه ترجمة حرفية لما آلت إليه أوضاع شعيرة دينية مقدسة على مستوى الواقع، ولها رمزية كبيرة في التّباهي خلال هذه المناسبة بمنطق "إسلام السّوق" -بتعبير "باتريك هايني"-، وفرض أبجديات مجتمعية جديدة موغلة في الجهالة والسّيولة على شكل كرنفال احتفالي يحيط رقبة الفقراء ويذكرهم بالهوة السحيقة بينهم وبين من سواهم في تماه واضح مع قيم الرأسمالية المتوحشة، وتكرس تقديس المادّة وتغليب الجسد والانغماس في السّوق الاستهلاكية الحديثة دون ضوابط تذكر. ففي أحياء المُدن الصّناعية الهامشية تُستقبل الأكباش بالزّغاريد والصّياح عند قدومها من الأسواق، وتتلصص الأعين الغادي والرّائح منها وراء النّوافذ والأبواب، ويجري الأطفال وراء "التريبورتور" أو "الهوندا" لاكتشاف الضّيف الجديد وتبين ملامحه. وبعد الذبح، يوضع الرأس في موضع مكشوف لتقيس الأعين طول وحجم قرنيه، مع ما يُصاحب ذلك من تسوق فاحش، وتكلّف لا أصل له، كأنّ السّلع المعروضة آنذاك لن تُعرض مرّة أخرى…، وهي جميعها مظاهر تمتح من عمق السّوق الاستهلاكية التي حولت كل شيء إلى مادّة قابلة للبيع والشراء، بما في ذلك القيم والرّموز والشعائر الدّينية، حتّى كدنا نسمع "عيد الكبش" بدلا من "عيد الأضحى". إنّ المُتأمّل لمصطلح "الأضحية" يجب أن يلمس في هذه الأيّام المُباركة ما يفيد التضحية تقربا لله تعالى في شعيرة ربانية تعبدية روحانية تذبح فيها بهيمة الأنعام وفق ضوابط دقيقة سطرها الفقهاء في مدوناتهم دون رياء أو سمعة وأسسوا لها حكم السنة المؤكدة وفق نصوص صحيحة وصريحة تواترت في ذلك حتّى لا تصير إلى ما صارت إليه اليوم، يمتدّ سندها إلى أصل مكين هو سيدنا إبراهيم عليه السّلام: (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108))-الصّافّات-.