اطلعت باهتمام خاص على بلاغ وزارة العدل والحريات المؤرخ في 14 فبراير 2017 في موضوع الاستيلاء على عقارات الغير. وقد جاء هذا البلاغ في إطار التفاعل مع الرأي العام وكتتويج لعمل لجنة إدارية تتكون من القطاعات الحكومية والمهن القضائية المعنية تعمل تحت إشراف وزير العدل والحريات، في أفق تنفيذ التعليمات الملكية السامية الواردة في الرسالة الملكية الموجهة لوزير العدل والحريات بتاريخ 30 دجنبر 2016 في الموضوع . غير أن هذا البلاغ على أهميته الواقعية يثير جملة من الملاحظات نلخصها في ما يلي : أولا : من حيث تكوين اللجنة : تتكون هذه اللجنة من ممثلين إثنين عن وزارة العدل وممثل فريد عن كل من وزارة الداخلية ، الشؤون الخارجية والتعاون ، الأمانة العامة للحكومة ، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، ثم الوكيل العام لدى محكمة النقض ، والمدير العام للوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية ، والمحافظ العام على الأملاك العقارية ، وممثل عن المديرية العامة للضرائب ، الوكيل القضائي للملكة ، رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب ، رئيس المجلس الوطني للموثقين ، ورئيس الهيئة الوطنية للعدول. في الوقت الذي تم اقصاء مجموعة من القطاعات الحكومية التي تدبر العقار "العمومي" ، نذكر على الخصوص مديرية أملاك الدولة بوزارة الاقتصاد والمالية ومديرية الشؤون القروية بوزارة الداخلية والمندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر ، ناهيك عن المديرية العامة للجماعات الترابية التابعة إداريا لوزارة الداخلية ، وهؤلاء هم المؤهلون قانونا لتدبير أملاك الدولة الخاصة والسلالية والجماعية . ومما يثير الانتباه في هذه التشكيلة هو أنه تم استبعاد القاضي المكلف بالتوثيق وهو الذي يراقب عمليا عمل العدول ، كما حضرت المحافظة العقارية بمديرها العام والمحافظ العام علما ان هذا الأخير يعتبر مرؤوسا للأول ، في الوقت التي لم يعين المدير العام للضرائب وإنما يكفي أن يكون من يمثله. وكيف للجنة إدارية أن تعمل تحت إشراف وزارة العدل والحريات وهي لها استقلال تنظيمي في تدبير املاكها والحفاظ عليها والدفاع عنها امام القضاء . ففضلا عن الاختصاص الممنوح لها بمقتضى نصوص تنظيمية ، فإن المشرع خصها بنص خاص في الفصل 515 من قانون المسطرة المدنية الذي نص على انه: ترفع الدعوى ضد: 1 – الدولة، في شخص رئيس الحكومة وله أن يكلف بتمثيله الوزير المختص عند الاقتضاء؛ 2 – الخزينة، في شخص الخازن العام للملكة ؛ 3 – الجماعات الترابية ، في شخص العامل بالنسبة للعمالات والأقاليم، وفي شخص رئيس المجلس الجماعي بالنسبة للجماعات؛ 4 – المؤسسات العمومية، في شخص ممثلها القانوني؛ 5- المديرية العامة للضرائب، في شخص المدير العام للضرائب فيما يخص النزاعات المتعلقة بالقضايا الجبائية التي تدخل ضمن اختصاصها؛ 6- مديرية أملاك الدولة، في شخص مدير أملاك الدولة فيما يخص النزاعات التي تهم الملك الخاص للدولة. وهذا يعني أن هؤلاء هم الذين لهم الحق في الدفاع إداريا وقضائيا على الممتلكات التي يسيرونها ، وبالتالي لا يمكن لأي جهة إدارية أن تقوم مقامهم . ثانيا : من حيث الموضوع : لا تتطلب الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى وزير العدل والحريات أي تأويل لأنها بكل بساطة كانت واضحة وترمي إلى تطبيق القانون المتمثل في زجر الاستيلاء على عقارات الغير. والزجر هنا يتطلب اعمال النصوص القانونية المعمول بها ولا سيما مقتضيات القانون الجنائي بكل صرامة ومنه على الخصوص مقتضيات الفصل 570 والمتعلق بمعاقبة انتزاع عقار من حيازة الغير، سواء كان مقترف هذا الفعل من الأشخاص الذاتيين أو المعنويين، على اعتبار أن الأشخاص العامة تنتزع الحيازة من الغير تحت ستار الاعتداء المادي الذي يكلف الميزانية العامة والجماعية وغيرها أموالا طائلة . غير أنه بالنسبة للآفة التي تطرقت إليها الرسالة الملكية السامية، تتجاوز انتزاع الحيازة إلى فقدان حق الملكية ، التي تعتبر من الحقوق الكونية والدينية . فالجاني يتجاوز انتزاع الحيازة إلى استعمال النصب كما هو منصوص عليه في الفصل 540 من القانون الجنائي من أجل ادعاء التملك . وهذا ما يجب ان يدخل في مجال الإرهاب، لان الجاني يسعى إلى زعزعة الاستقرار ويقوض دعائم الائتمان المصرفي واقتصاد البلاد ، بل ويروع المواطنين ، خاصة إذا تعلق الامر بعصابة إجرامية . ثانيا : من حيث الاقتراحات: بالفعل عملت اللجنة العاملة تحت إشراف وزارة العدل والحريات على اقتراح جملة من الحلول نرى انها غير كافية ، وبالتالي يتعين التفكير بجدية في ما يلي : إلغاء الفقرة الثانية من المادة 2 من مدونة الحقوق العينية لأنها هي أسباب المشاكل العقارية ومضمنها "أن ما يقع على التقييدات من ابطال أو تغيير أو تشطيب من الرسم العقاري لا يمكن التمسك به في مواجهة الغير المقيد عن حسن نية ، كما لا يمكن أن يلحق به أي ضرر ، إلا إذا كان صاحب الحق قد تضرر بسبب تدليس أو زور او استعماله شريطة أن يرفع الدعوى للمطالبة بحقه داخل أجل 4 سنوات من تاريخ التقييد المطلوب ابطاله او تغييره أو التشطيب عليه. هذه الفقرة الخطيرة التي قد تؤدي إلى المسؤولية المدنية للمشرع لم تأت من فراغ ، ولكن لتجاوز ما سار عليه العمل القضائي من عمل راق والذي لم يكن ليقر أي آثار للعمل غير المشروع إلا استرداد ما دفع بغير حق. وفي هذا الإطار أذكر على سبيل المثال القرار رقم 200 الصادر عن الغرفة العقارية بمحكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 4 نونبر 2010 في الملف عدد 274/2009/ 1402الذي قضى بأنه " إذا كانت إرادة المالك الحقيقي للعقار منعدمة في انشاء عقد بيع توثيقي منجز بناء على وثائق ثبتت زوريتها بمقتضى قرار جنائي ، فإن هذا التصرف لا يرتب أي آثار قانونية بنقل الملكية إلى المشتري ولو كان حسن النية ، ويلزم الطرف المشتري برد الشيء موضوع العقد إلى المالك الحقيقي ، وحسن نبيته لا تفيده إلا في تملك الثمار إلى غاية تاريخ رفع الدعوى عليه .( قرار منشور بمجلة قضاء محكمة الاستئناف بالرباط عدد 3 السنة 2013 ص 120). وقد أيدت هذا القرار محكمة النقض عندما قضت بأن " ثبوت زورية عقد البيع تجعله منعدما وغير منتج لأي أثر وإن كان مسجلا بالرسم العقاري وكان المشتري حسن النية ."(القرار رقم 2691 بتاريخ 29 ماي 2012 عن الغرفة المدنية القسم الثاني الملف عدد 919/1/2م2011). والملاحظ أن قرار محكمة النقض صدر بتاريخ 29 ماي 2012 في حين أن القانون رقم 39.08 يتعلق بمدونة الحقوق العينية المتضمن للمادة 2 أعلاه ، تم نشره بالجريدة الرسمية يوم 24 نونبر 2011 وأصبح ساري المفعول يوم 25 ماي 2012، وهذا يعني أن قضاة النقض طبقوا القانون التطبيق العادل كما جاء نبه على ذلك اسمى قانون وهو الدستور ، ولم يلتفتوا للمادة 2 أعلاه ، نظرا لأنها غير عادلة ولم تأخذ بالقاعدة الفقهية ما بني على باطل فهو باطل. ولذلك محكمة النقض اعتبرت أنه لما " كان عنصر حسن النية من عدمه لا تأثير له على وجه الحكم لتعلق جوهر النزاع بالبطلان للتزوير. فالمحكمة لم تكن في حاجة للبحث في حسن النية سواء عن طريق الخبرة أو غيرها من وسائل تحقيق الدعوى." وهذا اتجاه نؤيده لسلامته، ونلح على ضرورة إلغاء الفقرة الثانية من المادة 2 من مدونة الحقوق العينية لأنها المدخل الواسع للاستيلاء على ملك الغير . * ضرورة تعديل الفصل 62 من قانون التحفيظ العقاري الذي ينص على أن الرسم العقاري نهائي ولا يقبل الطعن ، وذلك انسجاما مع الدستور الذي جعل جميع القرارات الإدارية أي كان مصدرها قابلة للمراقبة القضائية ، لا سيما وأن بعض الرسوم العقارية يتم انشاؤها على أساس مزورة . وفي هذا الإطار أذكر بأن القانون العربي الموحد للتسجيل العقاري اعتبر في المادة 49 منه أنه " يقبل تثبيت الملكية الطعن امام محكمة الاستئناف خلال 30 يوما تبدأ من اليوم التالي للتبليغ". ومؤدى هذه المادة ان قرا تثبيت الملكية يتم من طرف لجنة التي يترأسها قاضي وعضوية موظف من إدارة التسجيل العقاري ومهندس مساح . ومعنى هذا أن قرارات التحفيظ يجب أن تكون نابعة من لجنة وليس من فرد. وهذا مدعى للأخذ به على اعتبار أن المحافظ يعتبر "قاضي" من الناحية الموضوعية وبالتالي ، يجب ان يدخل في إطار السياسة العامة للدولة التي تنحو نحو القضاء الجماعي . وبالتالي لم يعد مقبولا في القرن 21 أن يبث موظف بمفرده في مصير ممتلكات المواطنين وتكون قراراته مبرمة ، وسلطاته في هذا الشأن تفوق سلطات رئيس الحكومة. * التمييز بالنسبة للوكالات المبرمة في الخارج ، بين التي يحررها الموثقون والتي يشهدون على صحة التوقيع ، ذلك أنه في بعض الاحيان لا تخضع للصيغة التنفيذية بعض الوكالات المحررة في الخارج بدعوى أن هناك اتفاقيات قضائية بذلك ، والحال أن هذه الاتفاقيات إنما تتعلق بالوثائق المحررة من طرف الموثقين الأجانب المستفيدين من الاتفاقيات القضائية دون أن تمتد هذه الاستفادة إلى تلك التي يتم تحريرها خارج مكتب الموثق ويشهد فقط على صحة التوقيع عليها. *تعديل الفصل 101 من قانون التحفيظ العقاري ، وذلك بجعل الجهة المؤهلة قانونا لمنح نظير جديد للرسم العقاري في حالة ضياعه أو سرقته أو اتلافه من اختصاص القضاء العادي الحامي الطبيعي للملكية ، وليس المحافظ على الأملاك العقارية ، نظرا لخطورة الوثيقة وما قد ينجم عنها من ضياع لحقوق المالكين الحقيقيين . * تعليق التشطيب على كل ما ضمن بالرسم العقاري من تقييد أو بيان على استصدار أمر قضائي بذلك تلافيا للتشطيبات غير القانونية . وفي هذا الاطار يلاحظ أن المشرع في الفصل 96 من قانون التحفيظ ألزم المحافظ في الحالة التي يرفض تقييد حق عيني أو التشطيب عليه تعليل قراره وتبليغه للمعني بالأمر، وجعل هذا القرار قابلا للطعن القضائي ، في حين سكت عن الحالة التي يشطب على ذلك الحق ، كما جعل مسؤوليته عن الضرر الناتج عن ذلك مسؤولية شخصية فقط، أي مؤداها التعويض النقدي الذي قد يتحمله عند الاعسار صندوق التأمين الذي نجهل كيفية تدبيره ومراقبته وكم فعلا أدى من تعويضات للمتضررين خاصة وأن سقفه قد يصل مائة مليون( 100.000.000 ) درهم . *العمل على تتبع العمليات العقارية التي ينجزها الأجانب خارج المناطق الحضرية ، تلافيا للعقود الصورية التي تقفز على النظام العام. *وفي الأخير ما الجدوى من تأسيس بمقتضى مرسوم بتاريخ 24 ماي 2016 للجنة الوزارية الدائمة للسياسة العقارية تعمل تحت الإشراف المباشر لرئيس الحكومة ، ويتم تهميشها من أجل انشاء لجنة أخرى تحت إشراف وزير في الحكومة. وهذا ما يدفعنا إلى القول يتعين فض الغبار عن اللجنة الوزارية الدائمة للسياسة العقارية مع تنقيها بأطر فاعلة وأساتذة جامعيين متخصصين في العقار والتعمير مع منحها اختصاصات مهمة من ضمنها تتبع سلوك الأشخاص الذاتيين والمعنويين بشأن التصرفات العقارية الناقلة للمكية أو تلك التي تثقلها بتحملات عقارية كالرهون الرسمية أو الحيازية مقابل الحصول على قروض بنكية باهظة. هذه غيض من فيض ، نرجو أن تأخذها وزارة العدل والحريات بعين الاعتبار، مع الالحاح على أولوية تنفيذ التوصيات المنبثقة عن المناظرة الوطنية للسياسة العقارية للدولة التي نظمتها مؤسسة رئاسة الحكومة خلال نهاية سنة 2015، والتي على ما يبدو دخلت في النسيان.