في المقهى لما جاء يسألني قلت له: - يا صديقي، ما عدت أطيق المشي على أرصفة للملإ تشهرني عاريا بلا كرامة: حذاء لكم توسلت إليه مزابل المدينة كي يشرف مهملاتها بالركن القصي، لكنه تعالى و عتا في الأرض مشيا، واستكبر، و التصق بقدمي، إكراما لأصول العشرة الطويلة، التي جمعتني (وحذائي الوفي) ردحا من سباقي للمسافات الطويلة، وتحطيمي لكل أرقامها القياسية و"الكينيزية"،أما سروالي فلن أخبرك عن حاله، لأنه سر من أسرار عورتي، وأعجوبة لن تنضاف بحال من الأحوال لعجائب دنيا الشبع، أما قميص وجهي الوحيد، فقد قده الزمان من قبل ودبر، وأعاد قده من... و من... حتى عافه مشجبي. موجز أنا للزمان بلا سرج يركبني، و يتلهى بي: بصولجان سحره يحول جمر ناري إلى خمر ويسقيني البكاء، يبني لي قصورا من الهواء، ثم يصيرني أشلاء. أفي الأخير كالعجين بين يديه يعركني رغيفا لمآدب اللئام؟. أنا كرسي المقهى الرخيص أجلسني، لا شيء معي عدا جرائدها التي صامت عن إعلانات التشغيل. توجهت ذاك الصباح –ولا تسلني أي صباح كان- نحو مراكب الشط الأخير أستجديها الرحيل، في وجهي تقيأ البحر -أخا لي في الحذاء- بعد أن عافت أمواجه إصراره على العبور، ولفضته لحموضته الزائدة، و لمذاق جلده الذي كان بمرارة الجوع. أردت أن أمني النفس، وليت وجهي شطر ظل الخيال، بسرعة شفطني و بزقني في اتجاه الشط الآخر: رذاذا قد تحمله رياح الغربة على نقالة، أو على مثن سيارة، لا يحلم بركوبها كبار الموظفين في الأرض، سلبتني غفوة لكن الموج سحب من تحت رأسي الوسادة و استشاط، أرغى وأزبد، أفرغ عجلات أوهامي من ريحها، وأدار مقودي نحو أصولي العربية، ذات التاريخ العريق والأنفة والشهامة الواهية، والعطالة، و محاربة الاختلاف و التناقض...عبثا كان البحر يحاول إنعاش ذاكرة غشاها البياض، جزر إلى الوراء بكل أمواجع و قال لي: زمان العز بالأندلس...! – وا... وليكن، لا حاجة لي في مده أو جزره، لا حاجة لي بغربة تجر وراءها غربة،في اتجاه غربة جديدة، وأنا العزيز المبجل المكرم بكل أشكال الغربة -في دياري-، أنعم براحتي "الشيزوفرينية" كل يوم، وكذا بنصيبي مما فاض عن البلاد. ما دام نومي يسبق عشائي، ولا غذاء بعد فطوري، ولا...لن أتعب فكري ومعدتي بهضم ما لم يهضمه البحر بجلالة موجه؟ كل شيء مضمون في وطني "يا بلاش": الأكل والملبس و الانتعاش. من طرف من يكدون ويحاربون بالسلاح في الليالي الملاح، يجاهدون في الدين والحسان، كي نبيت في أمن وأمان. على الشاشة سئل أحدهم: - ما مصير المشروع "الفلاني"؟ سوى ربطة عنقه، كي يفسح مجالا لحركة حنجرته، سعل ثمالته وتقيأ كلاما -أو قد يكون الكلام هو من...- (لست أدري): -المشروع مشرع على كل الاحتمالات، قد ينجز، وأحيانا كثيرة لا... ها أنا ذا أعود لكرسي راحتي أجلسني، وأتصفح وأعيد تصفح جرائد صامت عني وعن إعلانات التشغيل. يا صديقي...