ودعت الساحة الفكرية والثقافية المفكر المغربي والعربي الكبير د. محمد عابد الجابري ، وهو صاحب سلسلة فكرية شهيرة عنونها ب"نقد العقل العربي" حلل من خلالها المكونات والبنى الثقافية واللغوية التي صاحبت هذا العقل منذ عصر التدوين ثم انتقل إلى دراسة العقل السياسي ثم الأخلاقي. توفى الراحل في مدينة الدارالبيضاء أمس الأثنين عن عمر يناهز الخامسة والسبعون عاماً ، ويعرف بأن المفكر الراحل هو مبتكر مصطلح "العقل المستقيل" داعيا العرب لإعادة الإبتكار. ولد محمد عابد الجابري في فكيك شرق المملكة المغربية عام 1935 وتلقى فيها تعليمه ثم انتقل إلى الدارالبيضاء، حيث نال دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة عام 1967، ثم دكتوراه الدولة في الفلسفة عام 1970 من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط التي عمل بها أستاذا للفلسفة والفكر العربي الإسلامي. عرف كناشط في خلايا العمل الوطني ضد الاستعمار الفرنسي للمغرب في بداية خمسينيات القرن الماضي، كما كان قيادياً بارزاً في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي شغل لفترة طويلة عضوية مكتبه السياسي قبل اعتزاله العمل السياسي وتفرغه للشئون الأكاديمية والفكرية. كتب الجابري عن نقد العقل العربي وقضايا التراث والديمقراطية والدولة الوطنية والهوية، وصدرت له مؤلفات هامة والتي يأتي في مقدمتها "نقد العقل العربي" في ثلاثة أجزاء هي: "تكوين العقل العربي" و"بنية العقل العربي" و"العقل السياسي العربي". ونذكر من مؤلفاته الأخرى "قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي" و"مدخل إلى فلسفة العلوم" و"معرفة القرآن الكريم والتفسير الواضح لأسباب النزول"، "إشكاليات الفكر العربي المعاصر" و"الديمقراطية وحقوق الإنسان" و"مسألة الهوية: العروبة والإسلام والغرب" و"المثقفون في الحضارة العربية: محنة ابن حنبل ونكبة ابن رشد" و"الدين والدولة وتطبيق الشريعة" و"المشروع النهضوي العربي: مراجعة نقدية" وغيرها. كما أصدر مجلة شهرية بعنوان "نقد وفكر"، وحاز على العديد من الجوائز المحلية والدولية منها جائزة بغداد للثقافة العربية من اليونسكو عام 1988، والجائزة المغربية للثقافة في تونس عام 1999. جدير بالذكر أن الجابري تعرض للنقد والهجوم العنيف، وصدرت ضده فتاوى وكتابات كثيرة، تشكك في شخصه وفي دينه، بسبب مقاله الذي نشره بعنوان "ما قيل أنه من القرآن" والذي ذكر فيه أن القرآن وقع به يعض التحريف، وورد هذا المقال في كتابه "في التعريف بالقرآن" والذي يعد الجزء الأول من مشروعه "مدخل إلى القرآن الكريم" وأعادت نشر المقال عدد من الصحف العربية .