عندما قرأ سعيد في الجرائد والمجلات أن بلده سيطبق نظام الرمز السكاني الكمبيوتري الذي يجعل لكل مواطن رقم خاص به يحمل جميع بياناته ويسهل الإجراءات في الدوائر الرسمية التي ترهق الإنسان بالأوراق المطلوبة منه في كل مراجعة حكومية طار فرحا واستبشر خيرا بانه بلده اصبح مثل الدول المتقدمة في هذا المجال على الاقل . وجاء اليوم الموعود وإستلم سعيد البطاقة التي تحمل رقمه السكاني الخاص به وفرح لأنه بحاجة إلى مراجعة البنك كي يفتتح حساباً مصرفياً دخل سعيد إلى البنك وسلّم بطاقته السكانية بكل إعتزاز وفخر إلى الموظف الذي أدخل الرقم في جهاز الكمبيوتر ولكن التعابير التي إرتسمت على وجهه بعد ذلك لم تكن تبشر بالخير، رفع الموظف سماعة الهاتف وطلب من رئيسه أن يحضر إلى مكتبه وأخذ الإثنان يتباحثان ويتشاوران حتى قال الموظف أخيراً لسعيد الذي كان يحترق لهفة وقلقا ًليعرف ما يجري: - سيد سعيد أنا آسف رمزك السكاني يشير إلى أنك متوفي!!! - ماذا؟ متوفي؟ - نعم أنت متوفي منذ شهرين تقريباً. - ولكن لم أستلم الرمز السكاني إلا أمس فكيف أكون ميتاً منذ شهرين. - والله هذا الموضوع ليس بيدنا يمكنك مراجعة الجهة التي أصدرت الرمز السكاني. - والعمل ألن أتمكن من فتح الحساب؟ - بالتاكيد لا فبنكنا يتعامل فقط مع الزبائن الأحياء وليس الأموات !!. - ولكني حي أرزق أمامك. - هذا ليس ما تقوله بياناتك وبالنسبة لنا أنت ميت حتى تثبت العكس !!. خرج سعيد وهو لا يصدق هذه المصيبة التي حلت به وذهب إلى الجهة التي تصدر الرمز السكاني كي يصحح هذا الخطأ فطلبوا منه عشرات الشهادات والأوراق والشهود كي يثبت أنه حي بالإضافة إلى إعلان في الجرائد يفيد بأنه حي كي يتقدم كل من لديه إعتراض على كونه حيا بشكواه في المدة المحدودة وهي 6 أشهر قبل أن يعلن حياً من جديد. ذهب سعيد إلى بيته وهو يلعن اليوم الذي صدر فيه رمزه السكاني وروى لزوجته ما حصل معه وقال لها: - يعني صرتي أرملة يا حبيبتي وأنا على قيد الحياة. - لاتقول هذا يا حبيبي إن شاء الله زوجة الذي إرتكب الخطأ الشنيع تصبح أرملة قريباً!!! وبينما هما جالسان إذا بجرس الباب يرن وعلى الباب زوج إبنتهم الكبرى ومعه رجل غريب سلّم النسيب ودخل ومعه الرجل سأله سعيد متعجباً: - من الأستاذ؟ وما هذه الأوراق التي يحملها؟ - والله يا عمي بدون زعل هذه إجراءات روتينية. - أي إجراءات؟ - حيث أن الدولة أعلنتك ميتاً فقد إستلمنا إخطاراً بحصر التركة وهذا محضر المحكمة لتقييد تركتك حتى إعلان حصر الوراثة وتوزيع التركة. - هل جننت؟ ألا تراني حياً أمامك؟ تريد أن ترثني بالحياء يا قليل الأصل؟ - أرجوك يا عمي بدون تجريح القانون يقول أنك ميت ومن أنا كي أخالف القانون؟ أنجز محضر المحكمة تدوين وتسجيل كل موجودات بيت سعيد وخرج هو والنسيب وسط ذهول سعيد وزوجته. مارس سعيد حياته كالمعتاد وذهب الى عمله كل يوم وفي آخر الشهر ذهب كي يستلم راتبه ففوجيء بالمبلغ يقل بالنصف عن راتبه المعتاد سأل المحاسب عن السبب فأجابه: - والله يا أستاذ سعيد أنت تعرف قانوناً أنك ميت وبالتالي فنحن نصرف لك معاشك التقاعدي والذي لو أردت الحقيقة يجب أن نسلمه إلى الورثة وليس لك!!! - لماذا أعمل إذاً؟ - والله أنت حر يمكنك أ البقاء في البيت فهذا لن يغير شيئاً. خرج سعيد مغموماً وركب سيارته فإذا بسائق مستهتر يضرب سيارته من الخلف وهشّم نصفها وصلت الشرطة وعملت محضراً وذهب الإثنان إلى مقر الشرطة وبعد لحظات شاهد سعيد الرجل يخرج ويلقي عليه تحية مستهزئه: - باي يا مرحوم. سأل سعيد الشرطي عن سبب إخلاء سبيل الشاب المستهتر فأجابه: - والله رخصة سياقتك تثبت من الرقم السكاني أنك ميت وبالتالي لا يمكن محاسبة شخص على الإصطدام بميت!!! جنّ جنون سعيد وخرج مباشرة إلى الوزارة المعنية بإصدار الرمز السكاني وصعد مباشرة إلى مكتب الوزير وطلب مقابلته ولما رفض السكرتير الطلب فقد سعيد أعصابه وأخذ يشتم الوزير والحكومة فهجم عليه حراس امن مكتب الوزير وإقتادوه خارجاً إبتسم سعيد وقال: - لن تستطيعون أن تفعلوا أي شيء معي فأنا قانوناً ميت!! أجابه أحد الحرس وهو يقتاده: - لا حبيبي لما تشتم الحكومة كونك ميت هذه سهلة, وحتى لو كنت سيدنا عزرائيل شخصياً سوف تذهب إلى مكان تتمنى فيه لو أنك كنت ميتاً بالفعل وليس على الورق فقط . وكل رمز سكاني وأنتم بخير. [email protected]