احتضن فندق المنزه بطنجة ليلة الخميس 4 مارس 2010 ندوة متبوعة بنقاش ، من تنظيم معهد الدراسات العليا في التدبير HEM / فرع طنجة، شارك فيها عن حزب الحمامة محمد أوجار عضو مكتبه السياسي ، وزير سابق لحقوق الانسان ، نبيل بنعبد الله عضو الديوان السياسي لحزب الكتاب، وزير الاتصال الناطق الرسمي الأسبق للحكومة، محمد الساسي الأستاذ الجامعي و الكاتب الوطني السابق للاتحاد الاشتراكي الموحد و عضو مجلسه الوطني حاليا، و علي بوعبيد نجل الزعيم الاتحادي عبد الرحيم بوعبيد و عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وأدار الندوة وسير مناقشتها الصحفي المعرنس إدريس كسيكس، و موضوعها : تجديد الاحزاب السياسية. استهل كسيكس تقديم الندوة بتساؤل حول تشكيك المواطنين في مفهوم الحزب السياسي و القرار السياسي و ضبابية الأفق الديموقراطي، أكد أوجار أن واقع الحال لا يحتاج إلى تعليق و الدليل هو نسبة المشاركة و نسبة الغياب اللذان يعبران عن عطب في مسارنا الديموقراطي ، و بالتالي الحاجة الماسة إلى تصالح الأحزاب السياسية مع المجتمع بسبب تدهور صورة السياسي، و هو أمر في غير صالح الديموقراطية و بالتالي فالبلاد بحاجة إلى إصلاحات و تدقيقات في عدة مجالات قبل انتخابات 2012. بوعبيد أكد بدوره مأزقية المغرب منذ انتخابات 2007 و أنه لا يسير في الطريق الديموقراطي و لسنا في مسلسل ديموقراطي و لا انتقال ديموقراطي بل هناك تراجع يحتاج إلى إصلاح دستوري. أما بنعبد الله يرى أن الأحزاب اصبحت أحزاب أعيان في وضع سياسي غير سليم ، خاصة في السنتين الأخيرتين في إشارة إلى الوافد الجديد، وهو يقول أنه لا يستعمل عبارة الانتقال الديموقراطي بل يسميه مسلسلا ديموقراطيا يراكم على طريق الديموقراطية ، كما يرى أن الأحزاب ابتعدت عن تاطير المواطنين ونضالات الجماهير و ابتعدت عن الواقع الاجتماعي.. و يرى أيضا أن الدولة هي المسؤولة عن غياب ديموقراطية حقيقية مقابل شعاراتها لتبخيس العمل السياسي ، مسؤولة على المستوى المؤسساتي و السياسي حيث الحاجة إلى جيل جديد من الاصلاحات الدستورية و السياسية لتجاوز الوضع القائم و إلا - في نظره- "اللي حرث الجمل دكو". بأس السياسة. الساسي يرى أن سلوك الدولة - في تشخيص الوضع- سلوك واضح في توجهها العام : بناء دولة على فكرة أحزاب و انتخابات و دستور دون المساس بمركز القرار و دون فصل السلطات ، أحزاب اصطناعية في مواجهة الأحزاب الحقيقية، بعد أن فرطت هذه الأخيرة في الديموقراطية الداخلية و دخلت في تسويات غير محسوبة و بدون ضمانات .. أوجار و بنعبد الله لا يؤمنان بأية ضمانات في السياسة ، بينما الضمانات في نظر الساسي هي محاسبة الناخب للنخب ، أما بوعبيد فيرى أن الأحزاب تلعب دورا مهما في تبخيسها حيث غياب القناعات و حضور خطاب المال و الأخلاق من جهة و عدم القدرة على ترك المسافة الضرورية بين الأحزاب والدولة لتحافظ على استقلال قرارها من جهة ثانية، بل تحولت الأحزاب إلى أشخاص ونخب ومقاولات بما فيها الاتحاد الاشتراكي .. بأس السياسة وبؤسها. بنعبد الله يرى أنه في ظل هذا الواقع ، و في غياب المؤسسات و فصل السلط و صلاحيات واضحة للحكومة مع ضرورة التحالفات القبلية و الحاجة إلى نخب مجتمعية إلى جانب النخب السياسية، "لا نساوي بصلة".
و يتساءل الساسي : من المسؤول؟ النخب أم الناخبين ؟ لماذا خذلت النخب؟ و يجيب أن أحزاب اليسار لها عاهات ، فإلى جانب غياب الأخلاق و المرجع القيمي و الصراعات و الانشقاقات و تماثل الخطابات السياسية بين الأحزاب، فإنها أصبحت مدخلا للإثراء و تحقيق المصالح الخاصة. بينما أوجار يؤمن بالانتقال الديموقراطي و يرى أن الحكومة هيات البلاد لهكذا انتقال، وأن غياب النخب بدأ بعد تعيين حكومة إدريس جطو حيث فشلنا في تعبئة الناس . ويتساءل لماذا الناس تجمعهم ريال مدريد ولا تجمعهم الديموقراطية ؟ لماذا يخرج الناس للتظاهر لصالح فلسطين و العراق ولم يفعلوا ذلك عندما توقف المسلسل الديموقراطي؟ بينما في موريتانيا خرجت الجماهير الشعبية للاحتجاج على اغتيال الديموقراطية. و أكد على ضرورة استرجاع المسلسل الديموقراطي و البحث في كيفية تقريب المواطن من الشان العام، و يرد الساسي بالقول ان هشاشة الاحزاب نتيجتها عدم اهتمام المواطنين ،لأنهم مواطنون غير مؤطرين. وإذا كانت الكرة في مرمى المواطنين/ الناخبين بالنسبة لأوجار و بنعبد الله، فهي في ملعب الأحزاب السياسية بالنسبة للساسي و بوعبيد، بينما الجمهور من الحاضرين طالب بتنحي "النخب الفاشلة" و فسح المجال لنخب جديدة في إطار التداول النضالي ، عوض البحث عن معاودة اللعب ضمن فريق أيقن و تيقن من عدم قدرته على تحقيق الانتقال أو المسلسل الديموقراطي، و بدا متخبطا في ظل تشكل أقطاب جديدة عازمة على سحب البساط من تحت أرجل المتحزبين/ المقاولين لصالح فئة من "المناضلين الحداثيين الجدد "، وحضور وازن لطرف سياسي له مرجعيته القيمية والأخلاقية في ظل قطبية جديدة قد لا تبقي و لا تذر .
هل نحن مستعدون لقضاء 50 سنة أخرى في غرفة الانتظار الديموقراطي؟ سؤال طرحه الجميع، والجواب عليه يكمن في أن نغير من سلوكنا قبل أن نطالب الآخرين بتغيير سلوكهم . فالمغرب بحاجة إلى مناضلين لا إلى سياسيين محترفين، حرفتهم الوحيدة هي البحث عن كراسي الحكم و اللعب ضمن الفريق الحكومي ضدا على تراكم الاخفاقات التي يتم تعليقها على مشجب المخزن. يجب أن يتحمل الفاعل السياسي مسؤولية اللعب أو يفسح المجال لمن يحسن اللعبة و يتحمل المسؤولية كاملة في حالة الفشل و الهزيمة، وأيضا الجواب على سؤال الديمقراطية الداخلية. فماذا عسا المدرب الرياضي أو الوزير الأول في الفريق الحكومي أن يفعلا إذا كان أفراد الفريق يعانون من الكساح؟ إشارة أخيرة: مبادرة مستحبة و حميدة هاته التي قام بها معهد الدراسات العليا للتدبير في اختيار موضوع الندوة، والتي شارك فيها تقدميون و يساريون و ليبراليون ، و كان الأجدى أن تشرك الجهة المنظمة الاسلاميين حتى تكتمل صورة تشخيص الأعطاب و تتنوع لقطات استشراف المستقبل.. لكنها لم تفعل، قد يكون في الأمر عدم السماح لهم بالتأثير على الحاضرين من فئة "الانتلجنسيا " المفترضة و الطلبة، أو جزء من النخبة التدبيرية المنتظرة، خاصة أن الندوة في أحيان كثيرة تحولت إلى حملة انتخابية سابقة لأوانها من طرف البعض بالنظر إلى طبيعة القاموس اللغوي و حدة الصوت والوعد بالأفضل وبثمرات الديموقراطية في حالة الوقوف مع الأحزاب التي حكمت بالأمس و لا تزال تحكم اليوم - و هي المهددة بالتنحي في المستقبل المنظور- والوعيد بالتلويح بمخاطر اغتيال الديموقراطية حيث أنهم هم حماتها ومناضلوها، و ذلك أكبر عطب للديموقراطية التي يجب أن تحترم الراي الآخر و ألا تقع في شراك أن الحقيقة هي تلك التي تملكها الأحزاب العتيدة و الديموقراطية و التقدمية في مقابل تبخيس واتهام ما سواها .
كما أن اختيار مكان الندوة -الذي غاب فيه صوت طلبة المعهد في النقاش- ربما كان له تأثير إلى حد ما على درجة حرارتها، و كان سيكون ساخنا أكثر في حالة تنظيمها في رحاب الجامعة بما تعرفه من حراك سياسي و إيديولوجي. [email protected]