أجمع مشاركون في ندوة سياسية بالرباط على أن انتخابات 7 شتنبر 2007 شكلت تراجعا في مسيرة العملية الديمقراطية في المغرب بعد عشر سنوات من تجربة التناوب التوافقي، التي لم تنجح في تمهيد الطريق أمام انتقال ديمقراطي حقيقي. القرار السياسي وقال امحمد الخليفة، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، في ندوة بعنوان: «الأحزاب المغربية: استقلالية القرار السياسي وأساليب تدبير الاختلاف» نظمتها جريدة «الأسبوعية» ومجلة «لم لا؟» التي ستصدر قريبا، إن الأحزاب السياسية المغربية استطاعت خلال مرحلة الاستعمار وإلى فترة الاستقلال أن تملك قرارها السياسي وتعبر عن طموحات الشعب المغربي، كما تمكنت بعد الاستقلال من لعب دور كبير في الرقي بالفكر الديمقراطي ودعم الإصلاحات الدستورية، إلى مرحلة التناوب التوافقي عام 1998. واستدل الخليفة على القوة الاقتراحية للأحزاب المغربية بحصول تعديلين دستوريين في عشرية واحدة هي التسعينيات، عامي 1992 و1996. وانتقد الخليفة الرأي القائل بأن التناوب التوافقي كان رغبة ملكية فقط وتحقق بقرار ملكي، واعتبر أنه يضعف موقف الأحزاب السياسية، وقال إن هذه الأخيرة انخرطت فيه بقوة وفتحت أوراشا كبيرة خلال تلك المرحلة، لكن حصل تآمر على تلك التجربة وظهرت جيوب المقاومة، مستشهدا بما حصل في ملف إصلاح قطاع الإعلام. ووجه الخليفة انتقادا قويا إلى الصحف المغربية، معتبرا أنها «تكتب من حبر واحد»، وتعمل على تبخيس دور الأحزاب السياسية، ووصف انتخابات 7 شتنبر بأنها كانت تراجعا داخل هذه السيرورة السياسية التي انطلقت من مرحلة التناوب التوافقي، وقال إن تلك الانتخابات شهدت استعمالا مكثفا للمال و»حيادا تآمريا» للدولة، وتساءل عن سبب تفجير فضيحة استعمال المال في انتخابات تجديد ثلث مجلس المستشارين في شتنبر 2006 والسكوت عن استعمال المال في انتخابات شتنبر 2007، رغم أن هذه الأخيرة استعمل فيها المال بشكل أكبر وأكثر وضوحا. مشكلة الأحزاب أما نبيل بنعبد الله، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ووزير الاتصال الناطق باسم الحكومة في حكومة إدريس جطو، فأكد في مداخلته أن الأحزاب المغربية كانت قوية وفاعلة» عندما كانت تعد على رؤوس الأصابع»، واعتبر أن محاولات التقليل من دور الأحزاب وتشويه العمل السياسي تعود إلى عقد السبعينيات من القرن الماضي. وبخصوص تجربة التناوب، قال بنعبد الله إنها دشنت مرحلة فاصلة في تاريخ المغرب، وكانت عنوانا على التحول الكبير الذي حصل في المغرب، لكن جهات محافظة حاولت إفشالها حتى لا يسير المغرب في طريق الديمقراطية ودولة الحق والقانون. واستطرد بنعبد الله قائلا إن هناك اختلافا في تقييم تجربة التناوب، لكنه اعتبر أنها، من وجهة نظر حزبه، كانت صائبة، مضيفا أن مشكلة الأحزاب هي أنها لم تستطع تدبير تلك المرحلة أحسن تدبير، لأنها لم تستطع الاستمرار في تأطير المواطنين كما كانت تصنع طيلة ثلاثة عقود. وقال بنعبد الله إن حزب التقدم والاشتراكية يعتقد أن التوافق الذي حصل «لا يعني نهاية للصراع»، داعيا في نفس الوقت إلى توافق جديد خلال المرحلة الراهنة، محذرا من الفراغ الذي قد تستغله قوى أخرى. هشاشة تجربة وأعلن امحند العنصر، الأمين العام للحركة الشعبية، تأييده للدعوة إلى توافق جديد، لكنه أكد على ضرورة أن يكون هذا التعاقد الجديد بين الأحزاب السياسية نفسها وليس بين الأحزاب والمؤسسة الملكية «لأن الملك ليس طرفا والعمل هو عمل الأحزاب السياسية قبل كل شيء». ورأى العنصر أن التناوب الذي حصل عام 1998 كان نوعا من التطبيع للعمل السياسي، لكنه قال إن الانتقال الديمقراطي في المغرب طال أكثر من اللازم، وإنه لا يوجد أي بلد أوربي عاش تجربة الانتقال الديمقراطي دامت فيه تلك التجربة 15 سنة، وهذا يعني هشاشة تجربة التناوب التوافقي الذي حصل عام 1998، وأرجع هشاشة تلك التجربة إلى عدة أسباب أضعفت الجهاز الحكومي مثل تعيين مدراء بعض المؤسسات بعيدا أحيانا حتى عن علم الوزراء الذين يشرفون على تلك القطاعات، وتحول بعض المجالس الاستشارية، مثل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، إلى هيئات تصدر قرارات إصلاحية يفترض أن تبادر إليها السلطة التنفيذية. دور الدولة أما إدريس لشكر، عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فقد اعتبر أن الحديث عن استقلالية القرار السياسي داخل الأحزاب المغربية وقضية تدبير الاختلاف هو حديث عن طابو، وقال إنه لا يمكن الحديث عن استقلالية القرار الحزبي دون الحديث عن دور الدولة في محاربة تلك الاستقلالية، حيث لجأت بعد الاستقلال إلى محاربة استقلالية الأحزاب من خلال السجن والاعتقال والاختطاف، وبعد مرحلة السبعينيات لجأت إلى التمييع لكي تقضي على دور الأحزاب. وبخصوص تقييم تجربة التناوب التوافقي، قال لشكر إنه كان حصيلة تلاقي إرادتين، إرادة الأحزاب السياسية المعارضة آنذاك وإرادة المؤسسة الملكية، لكن انتخابات 2007 طرحت السؤال من جديد حول مسار العملية الديمقراطية، إذ كان الجميع يعتقد أن تجربة التناوب سوف ترسي أسس الإصلاح السياسي وأن انتخابات 7 شتنبر ستكون قفزة نوعية، لكن العكس هو الذي حصل. وأضاف لشكر أن المغرب اليوم يوجد في مفترق طرق، بين التقدم نحو الأمام أو النكوص إلى الخلف، داعيا إلى إصلاح الحقل الحزبي لأنه لا يمكن الحديث عن استقلالية القرار السياسي في بيئة سياسية غير مناسبة. سحب الطعن وتحدث مصطفى الرميد، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، عن تجربة الحزب مع الدولة لانتزاع استقلالية قراره السياسي، من خلال سابقة تدخل وزارة الداخلية للاعتراض على انتخاب الرميد نفسه رئيسا للفريق البرلماني للحزب، والدور الذي لعبه عبد الكريم الخطيب، الرئيس المؤسس للعدالة والتنمية، في الوقوف أمام أشكال التدخل تلك. وأضاف الرميد أن تلك المحاولات للمس باستقلالية القرار داخل الحزب تكررت مرة ثانية، عندما تقدم بطعن أمام المجلس الدستوري في الانتخابات ما قبل الأخيرة، حيث تم الاتصال به من جهات معينة في السلطة لإقناعه بسحب ذلك الطعن، وأثار الرميد موجة من الضحك داخل القاعة عندما قال: «وقد قيل لي وقتها، وهذا قد يكون صحيحا وقد لا يكون، إن المعارضة السابقة عندما تقدمت بملتمس الرقابة لم تفعل ذلك إلا بعد أن تلقت إشارة بذلك». وأضاف الرميد أن حزب العدالة والتنمية تعرض لحملة قوية بعد تفجيرات الدارالبيضاء عام 2003 لدفعه إلى التراجع إلى الوراء، ودعا الأحزاب السياسية إلى أن تنتفض كلما وقع تدخل في شؤونها الداخلية لضمان استقلالية قرارها. حالة أزمة أما محمد الساسي، الذي استقال بعد انتخابات 7 شتنبر من منصب نائب الأمين العام للحزب الاشتراكي الموحد، فأكد في مداخلته أن جميع الأطراف السياسية في المغرب، سواء منها الأحزاب أو المؤسسة الملكية أو النخبة، تعيش حالة أزمة. وقارن بين ما حصل في بداية التسعينيات من القرن الماضي عندما عرض الحسن الثاني على امحمد بوستة، الأمين العام السابق لحزب الاستقلال، الوزارة الأولى ورفض «لأنه لم يكن يريد أن يختم حياته السياسية بالمشاركة في حكومة يوجد فيها إدريس البصري، رغم أنه حزب محافظ»، وبين المرحلة الحالية، وعلق قائلا إن السنوات التي مضت على تلك الفترة تكشف عن تراجع كبير في العملية السياسية. وقال الساسي إن رهان المرحلة الحالية في المغرب هو توسيع الهامش الديمقراطي «لأننا لا نعيش في نظام ديمقراطي كما أننا لا نعيش في نظام دكتاتوري»، وانتقد الأحزاب السياسية وموقف محمد اليازغي من المشاركة في حكومة عباس الفاسي، وقال إن الديمقراطية لها ثمن، لكن الزعامات الحزبية لا تريد دفع أي ثمن، وتريد الحفاظ على الزعامة الحزبية، وفي نفس الوقت على الديمقراطية مما يشكل تناقضا. وكان منتظرا أن يشارك في الندوة محمد أوجار عن التجمع الوطني للأحرار، ونور الدين عيوش رئيس جمعية «2007 دابا»، لكنهما تغيبا، بينما شارك محمد حفيظ، مدير جريدة «الحياة الجديدة»، متحدثا عن تجربته الشخصية داخل الشبيبة الاتحادية منذ 1983، وموقف الشبيبة من التعديل الدستوري عام 1996، وقال إن النظر بعين فاحصة إلى التجارب الماضية ضروري، إذا كانت هناك رغبة في التغيير.