ما زالت انباء الفضيحة المالية والاخلاقية التي فجرها ضابط المخابرات الفلسطيني السابق من خلال قناة تلفزيونية اسرائيلية الاسبوع الماضي تسيطر على حديث المواطنين الفلسطينيين بحيث اذا ما جلست في مقهى او استقليت سيارة تكسي 'عمومي' او توجهت الى مناسبة اجتماعية الا وتجد المواطنين الفلسطينيين يتبادلون اطراف الحديث بينهم حول تلك القضية. وكانت القناة العاشرة الاسرائيلية بثت تقريرا الاسبوع الماضي يتعلق بقضايا فساد مالي واخلاقي في السلطة الفلسطينية استنادا لوثائق وشريط فيديو مصور ظهر فيه الدكتور رفيق الحسيني مدير مكتب الرئيس الفلسطيني محمود عباس عاريا حصلت عليه تلك القناة من فهمي شبانة ضابط المخابرات الفلسطينية السابق. ولمعرفة آراء المواطنين الفلسطينيين تجولت 'القدس العربي' في شوارع رام الله وسط الضفة الغربية الاربعاء واتصلت على هواتف خلوية فلسطينية بشكل عشوائي لمعرفة ردة فعل المواطنين على تلك القضية، حيث قال الشاب هيثم العلي الذي كان يتسوق برام الله بان تلك الفضيحة لم تفاجئه لانه يعتقد بان هناك قضايا فساد اكثر خطورة في السلطة الفلسطينية مما نشر على حد قوله. واضاف العلي 'المفاجأة كانت بالنسبة لي ان يتوجه مواطن فلسطيني الى وسائل الاعلام الاسرائيلية لكشف فضائح السلطة الفلسطينية'، مشددا على انه يرفض بشكل قاطع لجوء الفلسطينيين الى الاسرائيليين لمساعدتهم في التصدي لممارسات السلطة وقيادتها. وشكك العلي في حرص شبانة على المصلحة الوطنية، وقال 'الذي اعطى الشريط الى الاسرائيليين اشك بان هدفه المحافظة على مصالح الفلسطينيين ومحاربة الفساد'، مشيرا الى ان شبانة انتهت مصلحته مع السلطة التي كان يعمل بها فقرر فضحها بعد ان استغنت عن خدماته على حد قوله. وفيما عبر العلي عن قناعته بان الشريط الذي بثته القناة العاشرة الاسرائيلية حقيقي وغير مفبرك قال المواطن ابو راشد من قرية كوبر برام الله وفق تعريفه عن نفسه بان الشريط الذي ظهر فيه الحسيني عاريا 'شيء بسيط من ملفات الفساد' التي يعتقد بان السلطة والقيادة الفلسطينية متورطة بها. واضاف ابو راشد الذي يقارب الخمسين عاما من العمر 'المخفي اعظم يا ابني'، متابعا 'هذا ما جنته ايدينا عندما سلمنا رقابنا لمثل هؤلاء' في اشارة الى القيادة الفلسطينية. الا ان ان حديث ابو راشد لم يرق للمهندس ماهر الذي يعمل مهندسا معماريا حيث قال الاخير 'هذه القضايا تحدث في جميع الحكومات والدول ولا يجوز ان نعمم الخطأ على الجميع'، مشيدا بقرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس وقف الحسيني عن العمل واحالته الى لجنة التحقيق. واشار ماهر البالغ من العمر حوالي 35 عاما بان الخطأ الذي ارتكبه مدير مكتب عباس لا يجوز الوقوع فيه كونه يعمل في وظيفة 'هامة وحساسة'في مؤسسة الرئاسة الفلسطينية. ومن جهتها عبرت الحاجة أم احمد التي تبلغ من العمر اكثر من 50 عاما بانها تفاجأت، وقالت ل 'القدس العربي': 'والله كانت مفاجأة وفاجعة '، موضحة بانها شعرت بالفاجعة لسماعها بان 'مدير مكتب الرئيس بدل ما يساعد الناس ويحافظ على اعراضهم يعتدي على بناتهم' في اشارة الى الانباء التي تحدثت بان الحسيني تم تصويره نتيجة تحرشه بأمرأة تقدمت بطلب وظيفة في مؤسسة الرئاسة الفلسطينية. ومن جهتها قالت المدرسة اسمى علي 'ما جرى شيء مخز ويندى له الجبين الفلسطيني'، مشيرة الى انها عندما شاهدت ما بثه التلفاز الاسرائيلي اصيبت بحالة ندم على كل حجر قذفته في وجه قوات الاحتلال الاسرائيلي خلال الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت عام 1987 وأدت في نهايتها الى انشاء السلطة. واضافت بانها خلال مشاهدتها ما عرضه التلفزيون الاسرائيلي ونقلته محطات تلفزيونية اخرى شعرت بحسرة وألم على الشهداء والاسرى، مضيفة 'والله تحسرت على دماء الشهداء وعذاب الاسرى الذين ضحوا بحياتهم من اجلنا ونحن لم نحترم تضحيتهم' في اشارة الى ان المسؤولين الفلسطينيين لا يحترمون تضحيات الشهداء والاسرى من خلال ممارساتهم. واشارت علي الى انه لا يوجد انسان معصوم عن الخطأ 'ولكن الجريمة ان يقع في مثل هذا الخطأ مدير مكتب الرئيس'، مشددة على انها لم تفاجأ من الحديث عن فساد مالي وانما المفاجأة كانت لها 'وصول مسؤولينا الى هذا الحد من سوء الاخلاق'. ورأي المواطنة علي توافق مع ما قاله الشاب اسلام جابر الذي يعمل في مجال الكمبيوتر 'لم اتفاجأ مما قاله شبانة عن الفساد المالي وانما المفاجأة كانت تحرش رئيس ديوان الرئاسة بسيدة ومراودتها على نفسها'. واضاف اسلام 'انا اتوقع بان ملايين الدولارات تم اختلاسها من قبل المسؤولين الفلسطينيين الذين اذا نظرت الى اوضاعهم المعيشية وبيوتهم ستؤكد لك تلك النظرة صحة هذا الاعتقاد، ولكن لم اكن اتوقع بان احد احفاد عبد القادر الحسيني يتحرش بأمرأة تسعى للحصول على وظيفة في السلطة'. اما داليا حسين التي تعمل في احدى وزارات السلطة فترى بان قضية الفساد التي تم الكشف عنها حقيقية ولكنها استغلت من قبل اسرائيل لتشوية صورة كل الفلسطينيين على حد قولها، مطالبة جميع المسؤولين الفلسطينيين ان 'يأخذوا مما حصل مع الدكتور رفيق الحسيني درسا يستخلصون منه العبر'، معبرة عن رفضها استغلال الحسيني منصبه. ومن حهته قال ابو محمد الذي يعمل مدرسا للغة العربية في مدرسة بالقدس وفق تعريفه عن نفسه 'هذا ما جاءت به اوسلو وهذه الاعمال المشينة ليست غريبة عن سلطة قائمة على الفساد'، ومضيفا 'يا اخي نكبتنا في قيادتنا' في اشارة الى ان الاوضاع التي يعيشها الفلسطينيون هي نتيجة القيادة الفلسطينية التي فشلت في استثمار تضحيات الشعب الفلسطيني على حد قوله. واشار ابو محمد بان لجنة التحقيق التي أمر الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتشكيلها هي لامتصاص نقمة الشارع الفلسطيني على حد قوله، مشيرا الى ان 'هناك الكثير من اللجان تم تشكيلها ولم تقض او تحارب على الفساد المستشري في السلطة وقيادتها'. ومن جهته كان قد اكد الدكتور حسن خريشة، النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي أن لجان التحقيق التي شكلت لمتابعة قضايا الفساد على مستوى مؤسسات السلطة وصلت إلى نتائج ، لكنها' بقيت حبراً على ورق'. ومن جهته، قال المحلل السياسي هاني المصري في تصريحات صحافية إن المواطن الفلسطيني لم يعد يثق في لجان التحقيق 'لأنه لم يلمس أي نتائج لعملها'، مضيفا أن القناعة السائدة هي أن 'لجان التحقيق تهدف إلى امتصاص الغضب وتحويل الأنظار'. ولا بد من الذكر بان جميع الذين سألتهم 'القدس العربي' عما اثارته القناة الاسرائيلية من قضايا فساد تورط فيها مسؤولون فلسطينيون عبروا عن رفضهم القاطع للجوء فهمي شبانة ضابط المخابرات الفلسطينية الى تلك القناة من اجل الكشف عن قضايا فساد تورط فيها مسؤولون فلسطينيون. وشدد المواطنون على انه لا يجوز باي شكل من الاشكال 'الاستعانة بالعدو' على ابناء الشعب الفلسطيني، مشيرين الى ان اقوال شبانة بانه توجه لمحطات عربية ورفضت التعاون معه لا تبرر له التوجه للاعلام الاسرائيلي، وقالت احدى المواطنات 'لماذا لم يتوجه للفضائيات في اوروبا أو في امريكا أو في اي مكان بالعالم'، مضيفة 'ولكن ان يذهب لاسرائيل فهذا مرفوض'. من جهة اخرى ذكرت مصادر فلسطينية الاربعاء بان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قرر حل لجنة التحقيق التي شكلها من قيادات في حركة فتح للتحقيق في قضايا الفساد التي فجرها شبانة وتشكيل لجنة محايدة وذلك استجابة لطلب من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. وكانت المصادر الفلسطينية اكدت بان عباس امر بتشكيل لجنة تحقيق جديدة في قضية الحسيني بعد ان رفض امين سر حركة فتح ابو ماهر غنيم رئاسة اللجنة المكلفة بالتحقيق في اقوال الضابط في جهاز المخابرات العامة فهمي شبانة ضد السلطة الفلسطينية.