جاء في قصص قدماء العرب أن الوباء قدم يوما إلى قرية فوقف له على بابها شيخا حكيما وقال له : أما لك أن تترك أهل هذه القرية وحالهم ، فهم لم يرتكبوا ذنبا ولم يعصوا الله في مشيئته ولم يعتدوا على أحد ، فقال الوباء للشيخ المسن : لا تقلق، فأنا لن أقيم طويلا في هذه القرية ولن ينال الداء أكثر من شخص , وبعد شهر التقى الوباء بالشيخ وهو خارج من القرية فبادره الشيخ : ألا يكفي أنك جئت بالأذى بل وتزيد على أذاك بالكذب ، لقد قتلت عشرة أشخاص من أبناء القرية، فأجاب الوباء : لا تظلمني أيها الحكيم ، فأنا لم أتعرض لأكثر من شخص واحد ، أما الآخرين فقد قتلهم الخوف والفزع ( فلا تخافوا سيعلم السيد العامل يوما من يناور ضده وإن لم يعلم فالله سيتولى أمره، آمين) , ورحم الله اللغوي الذي قال : يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروع منك كما يروع الثعلب واختر قرينك واصطفيه تفاخرا إن القرين عند المقارن ينسب ( والمقصود بالقرين الرجل الذي يحب الخير للبشرية, وليس الرجل ذو الوجهين الذي يناور في الخفاء ). إن فكرهم يا زيدوح يستمد وجوده من الحقد والكراهية والعنف وفكرك يستمد وجوده من الحياة والحب والعاطفة , يستمدون فكرهم من الكذب والنفاق وفكرك يستمد وجوده من الصدق والصراحة , فلا أظن أن هناك أرضية مشتركة بين فكر يدعو للحياة والحب والصدق والصراحة واحترام الآخر وبين فكر آخر يدعو للحقد والكراهية والكذب والنفاق والتكفير والتحريض والترهيب من الآخر , وهو فكر أقرب ما يكون مطابقا للفكر التخريبي, فعندما قرأنا ما قيل في حقك تأسفنا وعلمنا أن المعطيات المغلوطة كان من وراءها من هو أقرب إليك لأننا عاشرناك وعاشرناهم وتأكد لنا أن الشيطان يتقمص كل من يؤمن بهذا الفكر فالإنسان العادي مهما بلغ مقدار الكراهية والحقد في قلبه لن يكذب ويفتري بكل هذه الافتراءات التي ذكرتني بافتراءات كفار قريش على رسول الله بالرغم من معرفتهم بصدقه وأمانته. فلا تقلق يا زيدوح فإن من قرأ كتاب الخلفاء الراشدين سيرى ما قيل في حق عمرو بن العاص الذي فتحت الإسكندرية على يده وما قيل في حقه للفاروق عمر بن الخطاب حيث أتهمه الروم بالفساد والإعفاء عن الجزية وخيانة بيت المسلمين ورغم ذلك لم يضل الطريق حيث قاوم ودافع بالسيف على حرمات المسلمين، ولكن لم يكن يفشي أسراره وسريرته لأحد، لأنه كان يحذر من هو قريب منه.