لم يكن يخطر ببال أحد أن تتحول مدينة طنجة إلى ساحة كبيرة للسجال السياسي بين مختلف الأحزاب والقوى السياسية ، ولكنها أصبحت كذلك مباشرة بعدما تم نحر الديموقراطية على مذبح مجلس مدينة طنجة يوم انتخاب عمدتها الحالي . وكان أن قدر لنا أن نرى عددا من السجالات السياسية تحت قبة البرلمان أو بين قيادات الأحزاب المركزية إمعانا في التنكر لمبدأ الجهوية الحزبية كما يقول المفكر المغربي "العربي المساري" . وكان أن تم أيضا تنصيب مجلس مدينة طنجة وعمدتها خارج معايير الأغلبية، واحترام الإرادة التي عبرت عنها ساكنة عروس شمال فيما يصطلح عليه أستاذنا الحبيب الشوباني بالطبخة الطنجاوية . هاته الطبخة التي فاحت ريحها لتزكم أنوف كل الغيورين على مستقبل مدينة طنجة الجميلة ، هذا المستقبل الذي يبدو كئيبا في ظل غيابات متكررة لرئيس مجلس المدينة عن رئاسة دورات المجلس ، و تأخره في إسناد التفويضات لنوابه ، مما خلق توقفا وجمودا مميتا في حركة منح الرخص ، وبصفة تبعية عدد من مصالح المواطنين . وعلى خلاف حالة الاستقرار الذي ظلت تعرفها طنجة منذ زمن قصير ، فقد أحدث التحالف الذي انضم إليه حزب العدالة والتنمية بطنجة عقب انتخابات 12 يونيو من أول المفاجآت التي لم تألفها الساكنة المحلية ، وانتشر القيل والقال وكثرة السؤال ، من دون أن يلتفت الكثيرون إلى هاته الحركة السياسية المتميزة التي أقدم عليه الحزب رفقة أحزاب أخرى ، سعت من خلالها إلى تأليف أغلبية عددية قائمة على جملة من التوافقات . لم نألف منطق التحالفات في تاريخنا السياسي المحلي ، وربما راهن الكثيرون في طنجة على قيادة منفردة للعدالة والتنمية في مدينة بحجم طنجة الكبرى ، والحال أن المنطق السياسي قد أثبت صعوبة هذا الأمر بل واستحالته ، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار جملة من المعطيات الوطنية والمحلية الأخرى . هذا التحالف الذي ما فتئ أن انقسم ظهره في أول اختبار قوي تجلى في انتخاب رئيس مجلس المدينة ، وضاع التحالف ، ليترك المجال لظهور تحالفات أخرى مدعومة من السلطة . و مافتئ تحالف المعارضة أن استعاد عافيته في اليوم الموالي لانتخاب العمدة ، واستطاع الظفر بتسيير مقاطعة طنجة المدينة ، ولاحقا مقاطعة الشرف مغوغة . وإذا كان قد قدر التحالف العمدة الفاقد للأغلبية أن فاز برئاسة المجلس ، فإنه إنما قد اعتلى منصبا للمسؤولية يؤهله لتسيير المدينة ومصالح المواطنين ، بشكل لا يجعله بعيدا عن رقابة القانون والمواطنين ، ورقابة الإعلام . إن حجم حدث اغتصاب الأقلية وسطوها على حلم المواطنين الطنجاويين ، هي ما جعلت المواطن عبد الله أفتات يعيد صياغة واقع طنجة البئيس في حلم جميل آخر تمثل في استقالة عمدة طنجة. لكن حلم زميلنا عبد الله أفتات الذي ظهر على موقع شبكة طنجة الإخبارية ،لم يسلم من الانتقاد وكان حلمه وبالا عليه وعلينا نحن من قمنا بنشره وتعميمه على عدد كبير من العناوين الإلكترونية. وإذا كان الحجر الذي طال مجلس المدينة قد امتد إلى الحجر على أحلام ساكنتها أو سرقة أحلامهم . فإنه يشعرنا بحقيقة هشاشة الديموقراطية المحلية على الأقل . إن من يسطو على أحلام كل الطنجاويين يستحق أن يسمع بكابوس مثل الحلم الكابوس الذي ظهر فجأة على مقالة أفتات . لكن مفاجآت رئيس مجلس مدينة طنجة لم تتوقف عند هذا الحد، لتظهر بعد فترة قصيرة رسالة إلكترونية بالعنوان الإنكليزي " WANTED " لتمرر عبر قالب له من الدلالات ما تعنيه ، حاملة رسالة مفادها غياب الرئيس عن دورات مجلس المدينة. لكن حجم الزلزال السياسي الذي خلقته هذه الرسالة جعلني أتلقى ردود فعل متفاوتة فيما بينها وعنيفة أحيانا ، عبرت في مجملها عن هشاشة الفعل الديموقراطي في بلدنا وفي مدينتنا طنجة ، وقد زاد حجم ردود الأفعال ولا يزال من كثرة تداول هاته الرسالة وطنيا ومحليا، وعلى بريد العديد من المسؤولين . وهذا ما يجعلني مضطرا للتوضيح بأن سياق تلك الرسالة ، إنما ينسجم مع منطق السجال السياسي الدائر بطنجة منذ انتخاب العمدة وصولا إلى حدث كبير يهم مستقبل المدينة متمثل في رفض الميزانية و في غياب تام لحضور رئيس المجلس . تلك الرسالة التي ينبغي التوضيح أنني وقعت صورتها باسمي الشخصي المثبت على عنوان بريدي الإلكتروني، ومن دون نسبتها بالطبع للجنة الإعلامية للحزب تفاديا للحساسية المفرطة التي يمكن أن يثيرها وقد فعل بالنسبة لحزب العدالة والتنمية بطنجة في علاقته مع باقي الفرقاء السياسيين . وبذلك أعيد التأكيد أنه لا علاقة لتلك الرسالة باللجنة الإعلامية للحزب وأنها تضمنت توقيعا شخصيا فقط ، وأن الالتباس الحاصل في نسبتها لهاته اللجنة ناشئ عن استعمال بريد اللجنة كحامل لها فقط . إن الخلاصات التي يمكن أن نتعلمها من هذا الحدث المحلي الجميل ، هو أن سياق بث صورة العمدة قد جاء من قبيل الصدفة ضمن أسبوع ساخن تطورت فيه عدد من الحركات المعارضة على صفحات الإنترنيت ( الفايس بوك ، المواقع الإلكترونية ، أو البريد الإلكتروني ) . وهكذا تمكنت مجموعة من "الفايسبوكيين" من تقرير وتنظيم شكل احتجاجي جديد أمام البرلمان ، ضد سياسة احتكار المناصب التي يقودها "آل الفاسي الفهري" ، كان قد تطور بشكل افتراضي على الشبكة العنكبوتية . وهو نفس المسار الذي قطعته إحدى المنظمات النقابية الطلابية في تقريرها لوقفة احتجاجية أمام المحكمة الابتدائية بطنجة خلال نفس هذا الأسبوع . والأكيد أن كل هذا قد تزامن مع بث حلم استقالة الرئيس من طرف أحد المدونيين وكتاب الرأي ، وبثنا لخبر نشر ما يمكن أن نسميه من باب الدعابة السياسية والإعلامية لا أقل ولا أكثر ، مذكرة بحث حول العمدة . كل هذا الحراك السياسي القوي الذي برز فجأة خلال هذا الأسبوع، يذكرنا بحراك آخر عرفه المجتمع المصري ، الذي تم الإجهاز على اختياراته وتكريس استمرار سيطرة الحزب الحاكم "الحزب الوطني " وتكبيله لحركة باقي الأحزاب المعارضة . وهكذا شهدنا حدثا مفاجئا وربما كان حينذاك استثناء عالميا ، حينما تم إقرار إضراب عام وطني على الشبكة العنكبوتية مدعوم من حركة "كفاية" وعدد من القوى المعارضة في 6 أبريل 2008 م، وتم تنظيمه فعلا وإن لم يحقق النجاح المطلوب . إن حقيقة هذه الحركة السياسية التي بدأت تتطور افتراضيا على الشبكة العنكبوتية ، والتي بإمكانها الاحتجاج بعيدا عن جملة من القيود المكانية والأمنية . تنبهنا إلى حقيقة وجود تيارات سياسية كبرى بل وحتى أدبية وإعلامية لا تمثل بالضرورة وجهات نظر القوى الحزبية الحالية، ومن شأنها طرح تحد جديد صعب المراس على طاولة اهتمامات السلطة والأحزاب وكل الفاعلين في الشأن السياسي والمحلي ، وكذلك الفاعلين في مجال الإعلام الرسمي الوطني ، الذين ظلوا يعتقدون إلى اليوم بإمكان التحكم في العقل السياسي للمشاهد عبر جرعات يومية مدروسة و متحكم فيها . إن طبيعة النقاش الأخلاقي الذي رافق تشكيل التحالف الذي ضم حزب العدالة والتنمية قبيل انتخاب العمدة ، ونفس النقاش الذي لسرعان ما عاد للتطور عقب نشر ما اصطلحنا عليه تجوزا بمذكرة البحث ، يجرنا للتساؤل حول صحة ما يقوم به البعض من سحب الأخلاقي إلى مجال السياسة ، وهل فعلا يمكن مقاربة ذلك التحالف مقاربة أخلاقية؟ صحيح أن مقاربتنا السياسية في حزب العدالة والتنمية كما لا يفتأ يذكر به أستاذنا عبد الإله بنكيران ، تنطلق من مبدأ تخليق العمل السياسي ، لكنه لا ينبغي الاعتقاد أبدا بأن السياسة هي الأخلاق ، حيث أن الأولى لا تتطلب بالضرورة استقرارا لنفس قواعد التعامل العادية ، ومن ذلك الكثير من الأمثلة التي يمكن أن نفيد منها في حرب السياسة، على غرار جواز التبختر في اللباس ،الذي نجدها في فكرنا الإسلامي ، وهي أمور مما لا تجوز في عالم الأخلاق ومجال المعاملة العادية. وفي نفس السياق يتم سحب المقدس إلى معترك السياسة ، فتختلط العلاقات الطيبة التي تجمع مختلف الأطراف السياسية بعلاقات السياسة التي هي أعم وأشمل ، وموقع متابعة ومساءلة من الرأي العام الوطني والمحلي ، وتختلط بذلك الألوان السياسية و يحدث التداخل ما بين الأغلبية و الأقلية ، لنحصل في الأخير على خلطة لا يمكن تسميتها إلا بالطبخة الطنجاوية ، التي تحتكر فيه المعارضة السيطرة على رئاسة لجان مجلس المدينة . إن سحب المقدس بضم الميم إلى معترك السياسة أمر خطير لا ينسجم مع حقيقة الممارسة الديموقراطية، وفي هذا يقول السيد "نويل مامير" عمدة مدينة "بيكل" بجهة بوردو بفرنسا في ندوة له بكلية الحقوق بطنجة الجمعة الماضي ، أن منطق التقديس غير موجود في علاقة المسؤولين أو السياسيين بساركوزي ، وهذا ما أجده يقول السيد "مامير" بكل أسف في المغرب . هذا الرأي قد يكون مفيدا للغاية في موضوعنا ، ليس فقط في جانب الإثارة التي تضمنها بث صورة العمدة ، ولكن في الرجة التي أحدثها لدى الرأي العام المحلي والوطني ، والذي لسرعان ما أحاط الموضوع بكثير من ألفاظ القداسة والأخلاق والتي يمكن أن نختصرها في لفظة "حشومة " . والحال أن إدراج صورة العمدة لم يكن سوى ردة فعل بسيطة على حدث كبير هو العبث بموضوع تدبير الشأن المحلي بطنجة ، والذي يرصد مصير ومستقبل مدينة وأجيال بأكملها . وقد يكون غياب رئيس مجلس المدينة إشارة إلى غياب القيادة ، التي لم يكن ليعوض عنها نوابه الذين تم إسناد هاته المناصب إليهم في إطار توافقات التصويت على الرئاسة ، وليس وفق مؤهلات القيادة . إن الرهان على الجهوية السياسية في المغرب ، هو في حقيقته رهان على نخب وحياة سياسية محلية فاعلة ، ولا ينبغي بأية حال أن يكرس نفس الرهان القديم على دور قوي للسلطات المحلية في تدبير الشأن العام المحلي، ونخب سياسية كركوزية عاجزة . وتحقيق ذلك الرهان لا ينبغي أن يتم بأية حال عبر كبت كل حركات الفعل السياسي الهادف . وإنما عبر تطوير عقلنا السياسي ليألف هزات السياسة من هنا وهناك، وصولا إلى اختمار التجربة واستقرار الأرضية الديموقراطية والسياسية الفتية حاليا. وأخيرا فإنني إذ أذكر مرة أخرى بشخصية المنشور ونسبته إلي ، فإن ذلك لا ينقص من علاقاتي الطيبة مع إخوة أعزاء من أعضاء مجلس مدينة طنجة أقلية ومعارضة، عدد منهم من أصدقاء الدراسة والعمل أو السياسة ، والخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية . ملاحظة: يبث هذا التوضيح حصريا على موقع شبكة طنجة الإخبارية اعترافا لها بحقوق الملكية الفكرية على مقال "استقالة العمدة " للزميل عبد الله أفتات [email protected]