يتوالى مسلسل إعدام المعالم والمكونات التي تشكل صورة وهوية كل مدينة على حدا، كما أن توالي هذا الإعدام يجعل من هذه المدينة كائنا بدون روح. والناظور واحدة من هذه المدن التي تعيش هذه الحالة التي أصبحت تعطي وتقدم صورة نمطية وأحادية على مدينتنا. وعلى قلة العناصر التي تشكل روح هذا الكائن الذي كان من الممكن ألا يكون على ما هو عليه الآن. الكائن الذي لا يحمل من مواصفات المدينة إلا الاسم. مدينة تعطي الانطباع أنها وجدت لأشياء أخرى، غير ما تريده الساكنة والأهالي والغيورون من أن يتوفر في الناظور. قبل سنوات قليلة أعدمت آخر الفضاءات السينمائية بعد أن هدمت قاعة سينما الريف ولم يتبقى منها إلا الجزء الذي ارتبط بذاكرة ووجدان روادها وسنوات مضت كانت تتوفر فيه المدينة على قاعات سينمائية تحولت إلى بنايات شاهقة أو مساحات أرضية تنتظر موسم إنبات كائنات "ياجورية" قد لا توحي إلا بالجشع الذي يزحف على المدينة. لكن هل مع إعدام القاعات السينمائية بالناظور أعدم الإبداع السينمائي بالمدينة؟ الإجابة تحملها بالتأكيد مؤشرات "الثورة" السينمائية التي بدأت تظهر بالمنطقة وكذا إنتاج أفلام سينمائية وأيضا تنظيم مهرجانات وأنشطة تحتفي وتعيد شيء من الاعتبار للزمن السينمائي بالناظور. ولأن السينما في روحها أقرب إلى الرياضة، فما يمكن أن يقال عن الأولى هو نفسه ما يمكن أن يقال عن الثانية. فالناظور مدينة لا تتوفر على ملعب لكرة القدم يليق بها، حتى أن الملعب البلدي الكل أصبح يعرف أنه لا يصلح حتى لأن يكون مزرعة لتربية للأبقار. وعلى قلة الفضاءات الرياضية التي تتوفر عليها مدينة الناظور، مقارنة مثلا بعدد المقاهي والأسواق، تبزغ من حين لآخر بعض المواهب والانجازات كإشارة على أن الفعل الرياضي بالمدينة مازال حيا، لكنها حياة محدودة الأيام ما لم تتوفر لها شروط العيش. إنها شروط الدعم والاهتمام من الجهات المسؤولة على القطاع الرياضي إقليميا وجهويا ووطنيا. الجهات التي من المفروض أن لا تجعل من شباب المدينة يحول الشوارع والأزقة إلى ملاعب رياضية. جهات يجب أن ترعى الرياضة بكل مكوناتها وأنواعها وترعى التظاهرات الرياضية وتوفر فضاءات لذلك، حتى لا يهجر الناس هذا الجانب إلى غير رجعة وعودة وتعدم بذلك هذه الرياضة التي تعطي شيئا من الروح لهذه المدينة. ومن نماذج عدم اهتمام هذه الجهات بالشأن الرياضي، نموذج فريق الفتح الذي لم يعد فاتحا، والهلال الذي يكاد يغيب في كل مرة، واثري الذي لم يعد النجم الذي يضيء سماء الناظور. وما ذنب الشأن الثقافي والفني؟ لا شيء بمدينة الناظور يحيل على الجانب الثقافي والفني، ما عدا بناية المركب الثقافي ومقر المندوبية الإقليمية لوزارة الثقافة. كان من الممكن أن تكون هذه المدينة قطب ثقافي وفني لو توفرت إمكانيات ووسائل واهتمام أكبر. الناظور مدينة لا تتوفر على قاعة مسرح ولا على معهد موسيقي ولا مهرجان ثقافي وفني قار يستجيب لتطلعات أبناء الإقليم ونخبتها ومثقفيها وإعلامييها وطاقاتها. ومع ذلك فالمجتمع المدني نشيط والسوق الثقافية تعرف رواجا وحركية وإبداع ثقافي وفني... وهو ما يعبر عن نوع من إعادة الاعتبار لهذه المدينة المكلومة والمعدومة والتي لا يراد لها أن تكون قبلة وفضاء ثقافي وفني بشكل يعطي روحا جديدة لمدينة "النور". وماذا عن الجانب التاريخي؟؟؟ انه هو الآخر ضحية الإهمال والهدم والإعدام. وآخر فصول هذا المسلسل ما عرفته بعض المآثر التاريخية التي كان بالإمكان أن تتحول إلى معالم تاريخية ناطقة ومعبرة عن فترة تاريخية من حياة هذه المدينة. أما بعض الآثار المتبقية فهي بقيت صامدة وتقاوم هذا الإهمال والخراب الذي تتعرض له وتتحدى النسيان والطمس. الناظور مدينة المقاومة والمثافقة والموقع المتوسطي والتراث والإبداع الفني لكنها لا تتوفر على متحف تاريخي يحفظ ذاكرتها التاريخية والثقافية، رغم مقولة جبر الضرر الجماعي وحفظ الذاكرة. أما ما يمكن أن يقال عن الأماكن والمآثر هو نفسه ما ينطبق عن الأعلام. فقط مبادرات تقوم بها فعاليات وجمعيات تكريسا لمبدأ الوفاء للذاكرة والرموز التاريخية، كما هو الحال مع أسماء قاضي قدور، محمد الخضير الحموتي... هناك أشياء أخرى لا يتسع المجال للحديث عنها بتفصيل. أشياء وفضاءات تغيب عن هذه المدينة عكس المدن الأخرى. في البدء كان ما كان الناظور مدينة بعنوان وحيد وبوجه وحيد. الضجيج والغبار والعبور... هل هذا هو قدرها؟ العنوان الوحيد والصورة النمطية وحدها لا تحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. والتهافت وراء امتلاك الثروة والعقار والعمارات وثقافة الاستهلاك المفرط والمظاهر المادية لا تصنع الإنسان الذي ينبغي أن يبدع وينتج ويعي محيطه وما حوله. الناظور ليست سوقا كبيرا كما قال ذات مرة ذ مرزوق الورياشي. الناظور مدينة من الممكن أن تكون على أحسن ما هي عليه، لو كان من يتحكم في زمام أمورها هو الآخر أحسن مما هو عليه الآن