مع اقتراب انتشار أنفلونزا AH1N1 أو الأنفلونزا الوبائية في النصف الشمالي من الكرة الأرضية مع حلول الفصل البارد، تتكاثر التخوفات والتساؤلات حول المرض وطرق الوقاية والتلقيح والعلاج منه. هناك الآلاف من الخبراء حول العالم والأطباء والإعلاميين والأطر المختلفة التخصصات التي تعمل بلا توقف في متابعة المرض وتطوره، ومواجهته وإيجاد اللقاحات اللازمة للوقاية منه، وتنظيم استراتيجيات للتخفيف من آثاره وتنظيم الخدمات الطبية اللازمة لمعالجة المصابين الحاليين والمحتملين بالمرض. ولحد الساعة، هناك الكثير من الأخبار الجيدة التي تتوارد حول الفيروس وطرق محاربته. أخبار جيدة مقارنة مع السيناريوهات التي كانت مطروحة مع انطلاق الوباء من المكسيك شهر أبريل الماضي. في ذلك الحين، وضع الخبراء عدة سيناريوهات لتطور الوباء سيناريو خفيف، ومتوسط وآخر أسوأ. اليوم، لازال السيناريو الخفيف هوالأكثر احتمالا، وربما أفضل منه إذا لم يطرأ على الفيروس أي تغيير وسارت المجهودات المتخذة بنفس الحزم. تعالوا نستعرض بعضا من الأخبار الجيدة. أولا. أكبر خطر كان يتخوف منه الأطباء والخبراء هو أن يعرف فيروس AH1N1 تحولا في تركيبته، وبالتالي يزداد خطورة وفتكا بحياة الإنسان. ففيروس AH1N1 معروف عنه أنه معد جدا ولكنه ليس خطيرا، أي مثله مثل باقي فيروسات الأنفلونزا الموسمية التي تحدث كل سنة، إذا لم يتحول. لحد الساعة، هذا الفيروس لم يتحول بعد، والمنظمة العالمية للصحة أكدت ذلك في آخر تصريح لها من يومين فقط، وهي التي تنسق عملية متابعة هذه الفيروسات بانتظام عبر العالم. بل إن هناك دراسات مخبرية أجريت على هذا الفيروس تؤكد أنه لن يتغير. هذه الدراسات أجريت، لكن لا يجب أخذ نتائجها كحقيقة مطلقة بل احتمال التحول لن يتم استبعاده. مع ذلك، فالأيام تؤكد فعلا أنه لحد الساعة لم يقع أي تحول في الفيروس. وبالتالي، فالأنفلونزا الوبائية لازالت لحد الساعة بنفس حجم خطورة الأنفلونزا الموسمية. وهذا معناه أن هذه الأنفلونزا- قد- لا تقتل إلا بنفس نسبة ما تقتله الأنفلونزا الموسمية. مع أخذ فرق مهم هو أن الأنفلونزا الوبائية ستصيب أعدادا أكبر مما تصيبه الأنفلونزا الموسمية وهو ما معناه أن عدد الوفيات بسبب الانفلونزا الوبائية سيكون أكثر عددا من الأنفلونزا الموسمية. الخبر الجيد الثاني. استنتجت العديد من الابحاث ان الافرد المولودين قبل 1957 لهم بعض المناعة ضد AH1N1 . اد أن هدا الفيروس كان إلى حدود تلك السنة منتشرا قبل أن يختفي ويعود اليوم بصيغة معدلة. وأكدت والأبحاث الأولية أن الأشخاص الدين لهم أزيد من 65 سنة لهم مناعة جيدة نسبيا ضد المرض وبالتالي أكثر حماية من من هم أقل سنا. على عكس الأنفلونزا الموسمية التي تأتي على فئة 65 سنة فما فوق بشكل اكبر. الخبر الجيد الثالث، وهذا كان متوقعا، هو أن اللقاحات أصبحت موجودة، وقد بدأ بالفعل العمل بها منذ ثلاثة أيام بالولايات المتحدةالأمريكية. وبعد أيام بأوروبا، وأسابيع بباقي دول العالم. طبعا، الكميات التي يمكن إنتاجها لن تكفي الجميع في البداية، وسيتم توزيعها أولا بأول. لكن بالمقابل هناك خطط مرسومة لإعطائها حسب الأولوية، للعاملين في قطاع الصحة حتى لا تنهار الأنظمة الصحية، للحوامل والمحيطين بالأطفال أقل من 6 أشهر، ثم أصحاب الأمراض المزمنة وهكذا... والإجراءات التي اتخذت منذ أبريل ساعدت في الحد من انتشار المرض لحد الساعة. أي أنها مكنتنا من ربح الوقت حتى إنتاج اللقاحات. واليوم مع وصول التلقيح، ستكون المواجهة مع الوباء بسلاح مهم، ولن نخوضها مغلولي الأيادي. الخبر الجيد الرابع.عادة حين يتحول الفيروس كما حصل مع AH1N1، تكون المناعة ضده منعدمة لأنه جديد بالمشهد ولم تسبق الإصابة به. وهكذا يحتاج التلقيح إلى أخذ جرعتين بينهما ثلاثة أسابيع. في الوقت الذي لا نحتاج إلا لحقنة واحدة ضد الأنفلونزا الموسمية. الدراسات من مختلف دول العالم تتجه كلها اليوم إلى تأكيد أن حقنة واحدة قد تكون كافية تماما لإعطاء مناعة كافية ضد المرض. معنى ذلك؟ معناه أن عدد الجرعات التي كانت ستكفي لمليون شخص مثلا اليوم قد تكون كافية- إذا تأكد الأمر تماما في نهاية هذا الشهر- لتمنيع مليوني شخص. وهذه خطوات كبرى في السباق ضد المرض. بل ان الدول المتقدمة التي قدمت طلبيات شراء كبيرة لتمنيع سكانها بمعدل حقنتين لكل مواطن قد تتبرع اليوم بنصف مشترياتها للدول النامية التي لم تتقدم الا بطلبيات صغيرة. الخبر الجيد الخامس. مع ما اتخذ من إجراءات وقائية ومع وصول التلقيحات، وإن بشكل غير كاف، فإن عدد المصابين المحتملين بالمرض قد يكون أقل حتى من أحسن سيناريو تم تصوره من قبل. قد لا تصل الإصابات إلى 20% من الساكنة عوضا من 30 إلى 70% . هناك أخبار جيدة أخرى لا مجال للحديث عنها، لأنها لم تأخذ بعد طابعا متقدما في البحث العلمي، نتركها لاحقا. هذا التواتر في الأخبار الجيدة لا يجب أن ينسينا ضرورة الحيطة والحذر وأخذ الاحتياطات اللازمة ضد المرض. غسل الأيادي باستمرار والبقاء في البيت عند ظهور الأعراض، تجنب الاحتكاك خلال فترة الوباء والاستفادة من التلقيح كلما توفر ذلك حسب الأولويات. في الجهة الأخرى من العلم والبحث العلمي والمجهودات الصادقة لتجنيب الإنسانية كارثة صحية، هناك صنفان من الافراد الدين يتحولون مع كل جديد الى"طوائف" بمعنى Sectes. أناس يزرخون الريبة والشك ومنطق المؤامرة في كل شيء. والتشكيك حق مشروع، بل ضروري، وهو أول خصلة للباحثين. لكن نتحدث عن المشككين بسوء نية، والذين يرون في كل خطوة علمية خطرا على البشرية. وهؤلاء يرفضون مثلا التلقيح جملة وتفصيلا، لايهمهم كم انقدت التلقيحات من ملايين البشر ضد العديد من الامراض الفتاكة. رفضوا المضادات الحيوية عند ظهورها. رفضوا "الدجاج والبيض الرومي" لأنه سيقتل البشرية، رفضوا الطبخ في "الكوكوت" لانه مؤامرة ضد البشرية، والطبخ على الغاز، والميكروأوند. رفضوا عمليات نقل الدم وزراعة الأعضاء وقالوا إن ذلك سيقضي على الجنس البشري. هناك طائفة أخرى ترى في كل شيء مؤامرة: بالنسبة لها "الفيروس" اخترع في المختبرات، واللقاح سيكون محشوا بمواد قاتلة لنقص أعداد البشرية... عندما ظهر الراديو ترانزستور قالوا إنه قاتل بسبب الموجات، وقالوا عن الكهرباء إنه أسوأ اختراع... هؤلاء كانوا دائما موجودين. لا علاقة لخزعبلاتهم بالأسئلة والتخوفات المشروعة التي يطرحها العقلاء انطلاقا من الحقائق. هؤلاء كانوا دائما موجودين لكن ما لم يكن موجودا هي قنوات تلفزية تستدعيهم يكذبون على الناس كذبا وبهتانا دون الرجوع إلى الخبراء لتفنيد خزعبلاتهم بسهولة تامة، فقط ضمانا لنسب مشاهدة مربحة لهم وقاتلة للبسطاء من الناس.