أصبح كل زائر يمر بالبولفار الذي يعد من أرقى الشوارع بطنجة يجزم أن المغرب أصبح يقاس بمستوى الدول المتقدمة اقتصاديا وفكريا وحضاريا, خاصة هذه المدينة الساحرة. إن البولفار أو كما يسميه البعض بشارع "شوفوني" هو جوهرة طنجة, وقلبها النابض خاصة عندما يحل المساء حيث يتحول إلى زخرفة من الأضواء. يبدأ من سور المعجازين الذي يطل على مياه البحر الزرقاء ويتبدى من الجهة العليا كلوحة فنية تأسر القلوب جمالا وروعة, ويؤِدي (البولفار) إلى مشارف البحر . هناك تصطف مقاهي أنيقة على جانبي الشارع ,وتضع اخر اللمسات عليه, و محلات تجارية رفيعة تِؤِثث بأرفع الملابس والعطور والأحذية والديكورات المنزلية العصرية والتقليدية واللوحات التشكيلية...هلم جرا وفيما يخص المقاهي فإنها تظم مشاهير رجال طنجة, يتسكعون على أرضفة الشارع , واولائك الذين يضعون اخر اللمسات على ربطات أعناقهم في النتوءات ,أساتذة جامعيين,صحافيين وفنانين... هلم جرا. هؤلاء الرجال يجلسون وهم في كامل أناقتهم واعتزازهم بأنفسهم, أغلبهم ينظرون إلى النساء اللوتي يتبخترن ويتفنن في مشيتهن وهن في كامل الأناقة والنشاط.حيث يتكلفن في اقتناء أجود الملابس من أجل المرور بهذا الشارع, وفي تقصيص الشعر وصباغته, وغمر الوجه بطبقات الماكياج الطرية. والأكثر من هذا وذاك هو حينما تسمع مغاربة يتحدثون إلى أبنائهم باللغة الأجنبية وهم مارين بالشارع . إذن , أليس من الممكن أن يحكم الزائر الشرقي أو الغربي على ان المغرب قد وصل إلى الرشادة في الاقتصاد والتعلم والصحة والإدارة كسائر الدول المتقدمة؟ أليست الأناقة والتناسق في الألوان من طرف المواطنيين تعكس نضج الشعب فكريا وحضاريا وثقافيا؟ إن كل زائر منخدع بهذه المظاهر الخارجية , تمحى من رأسه فكرة الرشادة , وتتبدى له الحقيقة كلما ابتعد عن البولفار ونواحيه, وتجول في أحياء طنجة الفقيرة المهملة من طرف مدبري شؤون طنجة. فكلما ابتعدت عن البولفار يتجلى لك أن طنجة مازالت عالقة في دائرة التخلف على مختلف المستويات : الأمن, الصحة, التعليم السكن, القدرة الشرائية, وتفشي ظاهرة أو حرفة التسول . بالنسبة للأمن هناك تفشي ظاهرة الجريمة التي تتمثل في قطاع الطرق المنتشرين في كل الأماكن والأزقة. حيث أصبح كل مواطن أراد الخروج من بيته في أي وقت من الأوقات عليه أن يكثر من الدعاء وقراءة اية الكرسي من أجل أن يفلت من هؤلاء القطاع ويحفظ الله هاتفه وساعته اليدوية وكل ما يمتلكه من مال. أما على مستوى التعليم فهناك تصاعد مهول في نسبة الهدر المدرسي, وتفشي ظاهرة الغش في الإمتحانات وانتقال أفواج من التلاميذ بدون استحقاق , ثم مشكل الإكتضاض. وتأتي الصحة التي تحكمها خروقات وفوضى عارمة داخل المستشفيات , على رأسها الرشوة التي أصبحت عرفا أما على مستوى السكن ومستوى العيش, فإن مدبري شؤون طنجة فشلوا في إيقاف سرعة زحف البناء العشوائي حتى تشوهت صورة المدينة , وبرزت إلى الوجود أحياء فقيرة, أظافتها الإدارة إلى لائحة الاحياء غير النافعة, التي فرخت متسولين من مختلف الأعمار وتفتقر لأدنى شروط العيش الكريم :من الماء الصالح للشرب,مد قنوات الصرف الصحي, تبليط الأزقة. والمشكل الأكبر الذي يفقد طنجة عزها هو ذلك الحي القصديري الذي مازال قائما رغم الإجراءات الروتينية. إنه الحي الذي شهد على قاطنيه زمن النسيان والفقر المذقع وكل مايطيح بكرامة الإنسان .حتى قال يوما أحد قاطنيه"نحن جرح الزمان الذي ليس له بلسم" فهل سيكون المنتخبون بعد المسرحية الإنتخابية الأخيرة إنسانيين, مشمرين عن سواعدهم من أجل خدمة هذه المدينة؟ أم سيكون همهم الحرص على حسن سير تجزيئاتهم , ومطاعمهم, وحسن مظهر سياراتهم؟.