هذا العام، تزامن الاحتفال باليوم العالمي للمرأة مع يوم الأحد، يوم راحة وتخمم للبعض. فيما استغله البعض الآخر لزيارة الحمام، أو التسوق هناك من «حد السوالم» أو «حد أولاد عبدون»، أو التسوق هنا مما يسميه إخواننا «حد كربوبة» Courbevoie في الضاحية الشمالية لباريس. وعليه استبقت المؤسسات العمومية والخاصة هذا «اليوم الأغر»، لتنظيم احتفاليات شملت مناظرات، ندوات، عروض سينمائية إلخ... محورها نضال المرأة من أجل كسب كرامتها ومكانتها داخل الآليات المهنية والسياسية لمجتمعات اليوم والغد. وعن أخبار السيدات من نجوم السياسة والسينما، علمنا بأن السيدة الأولى كارلا بروني ساركوزي، 41 عاما، وسيدة النوايا الحسنة لمحاربة السيدا في إفريقيا، قامت بسفرية خاطفة لواغادوغو للوقوف على حالة ضحايا داء السيدا الذين بلغ عددهم ببوركينا فاسو 130,000 حالة، نصفهم من النساء. وهي في الطائرة، أعربت كارلا عن رغبتها في تبني طفل أو طفلة في حالة ما إذا تبين بأنها «عاكرة»، مع العلم أنها أنجبت في السابق طفلا هو اليوم في السابعة من عمره، من رفائيل انتوفن، أستاذ فلسفة والزوج السابق لابنة بيرنار هنري ليفي. في وسط «يا دلع»، المعروف أن الزواج لا يعدو أن يكون مجرد كلينيكس ! سمعنا إذن الخطب المدبجة بالحماسة وبالنوايا الحسنة وبالمشاريع الطموحة، لكن على أرضية الواقع اكتشفنا أن ماكياج العروسة مختلط بالكثير من «لخنونة»: إذ العنف ضد النساء يعتبر ممارسة منتشرة بسخاء في فرنسا كما أثبته تقرير صادر عن سكرتارية الدولة للتعاون الفرنسي صرحت بموجبه 41.000 امرأة بأنها كانت ضحية عنف زوجي. عنف آخر هو بغاء القصار. وفي هذا الموضوع، عرضت القناة الفرنسية ww9 تحقيقا عن السياحة الجنسية في ثلاث من الدول بينها المغرب، شملت بغاء القصار من الجنسين. أشار التحقيق إلى أن آلاف الأشخاص من هذه الشريحة القاصرة يعتبرون ضحايا سواح منحرفين. وليس من المبالغ الحديث عن انبثاق «مستعمرين جدد». التقرير الذي أصدرته هذا الأسبوع كتابة الدولة الأمريكية عن البغاء والاستغلال الجنسي حدث سوسيولوجي في غاية الأهمية. يشير التقرير إلى أن 4 ملايين امرأة عرضة كل عام للاستغلال الجنسي. كما أشار إلى أن مداخيل البغاء في أوربا وحدها، قدر بحوالي 3 ملايير أورو في السنة وأن عدد الزبائن يصل كل ليلة إلى 3 ملايين زبون. في فرنسا توجد ما بين 15.000 و 20.000 باغية، 7 في المائة منهن يمارسن البغاء تحت ضغط شبكات المافيا. لا أدري هل تندرج «أنجيلينا» المغربية ضمن هذه الإحصائيات الرسمية أم لا؟ ما هو مؤكد أنها تأخذ كل مساء مكانها الرسمي بشارع سان-دوني. تعرفت عليها في هذا الشارع الذي يعتبر القلب النابض للبغاء في باريس، خلال تحقيق قمت به لفائدة إحدى المجلات. تقدمت إلى فتاة في الثلاثينات بعد أن سمعتها تتحدث إلى «جارتها» بالعربية، وتحديدا بالدارجة المغربية. سمراء بقامة فارهة، بمعطف من الفرو وماكياج خفيف. سألتها بالعربية وتعرابت: «أنت من أي مدينة في المغرب؟». تظاهرت بعدم الفهم لتجيبني بفرنسية لا غبار عليها: «عفوا لا أفهم كلامك...». ولما تأكدت من نيتي الحسنة، أجابتني بالعربية: «اسمح لي، ما تانعش مع العرب. شوف ليك شي نصرانية». أجبتها مازحا: «تخيلي أني سويدي وديري النية»، قبل أن أفاتحها في موضوع تواجدي بالشارع: «ليست لي أية رغبة في ممارسة الجنس. أود فقط، وبغرض كتابة تحقيق، أن أطرح عليك سؤالا واحدا: ما الذي دفع بك إلى الشارع؟». أخرجت سيجارة من حقيبتها المذهبة لتشعلها بولاعة مذهبة أيضا. رشفت نفسا عميقا قبل أن تنفث الدخان جانبا وتجيبني: « تزوجت من مهاجر يكبرني ب20 عاما. عشت سنتين لوحدي في الدارالبيضاء إلى جانب والدته. عقيسة ونص. لما التحقت به في باريس، اكتشفت أنه يعيش مع فرنسية تكبره سنا، اشترت له سيارة، وأجرت له بيتا مفروشا تزوره فيه بانتظام. لما يدخل إلى الغرفة التي كنا نقيم بها، وكانت عبارة عن علبة سردين، يقصد الفراش لينام وهو مخمور مثل خنزير. ساعدتني ابنة خالتي على الإفلات من هذا القفص، لكن لترمي بي إلى الشارع، أي إلى العهارة، حيث أخذت اسما جديدا. بدل خدوج، أصبح اسمي أنجيلينا، ويعرفني أهل الحي بكنية « أنجيلينا البرازيلية». أقتسم الأرباح مع واحد ولد لحرام يضمن لي الحماية لدى البوليس. انتهت الحكاية يا عزيزي. أعانني وأعانك الله ومع السلامة». في فرنسا، توجد أنجيلينات مغربيات بالمئات، ينزلن إلى الشارع والبولفار» للترزق» رغبة في إعالة عائلتهن بالمغرب. منهن من يقلعن عن عادة البغاء بعد قيامهن بحجة إلى سيد النبي، منهن من يسقطن في أحضان شباك المافيا أو السيدا. لكن المؤكد هو أن اليوم العالمي للمرأة، حتى وإن حل يوم أحد، يبقى بالنسبة إلى أنجيلينا وأخواتها من أيامات الله الواسعة والعريضة.