خمسة عشر يوما فقط تفصل فرنسا عن الانتخابات البرلمانية الأوربية المقررة في السابع من يونيو القادم. وباستثناء بعض «لكليبات» التافهة بشعارات جوفاء، والمناوشات «البائخة» بين نفس الفاعلين السياسيين على القنوات الرسمية أو المستقلة، تبقى»الدنيا مشطبة»، ولكأن الفرنسيين، بفعل الأزمة الاقتصادية وانهيار المعنويات العامة، «مكرهين» من السياسة والسياسيين. في هذا المشهد شبه المقفر، تبقى معاهد استفتاء الرأي، مثل الإيفوب، الإبسوس، السوفريس، وحدها «نشطة» في الساحة؛ إذ تطلع، بين الفينة والأخرى، باستفتاءات تتفاوت ترقباتها بدرجات، لكنها تجمع على فوز «التجمع من أجل حركة شعبية» بزعامة الرئيس نيكولا ساركوزي، بنسبة تتراوح بين 24 و26 في المائة، وفريق الحزب الاشتراكي الذي قد يحصل على 19 أو 20 في المائة. وسيكون الامتناع عن التصويت، من دون شك، الفائز الأول في هذا الاقتراع! وليست المرة الأولى التي يسجل فيها الامتناع عن التصويت نسبة عالية، إذ في الانتخابات الأوربية لعام 2004 بلغت هذه النسبة 43,3 في المائة. وإذا علمنا بأن نسبة الفرنسيين المسجلين في اللوائح الانتخابية لا تتجاوز 49,3 في المائة، سنفهم دوافع انتكاص الوعي السياسي لدى الفرنسيين، وعدم اهتمامهم بأوربا التي تبدو، في هذا الإطار، «يوتوبيا» تشي بالكثير من النشاز على المستوى الجغرافي، السياسي، الثقافي والاقتصادي. ما هي الروابط التاريخية، اللغوية، السيكولوجية، مثلا، بين هولندا وإستونيا؟ بين إيطاليا وليتوانيا؟ بين فرنسا وسلوفينيا؟ في الواقع «حتى حاجة». فيما المغرب الذي تفصله عن أوربا 13 كلم ويتكلم أهله الفرنسية، الإسبانية، الإنجليزية، الهولندية، الإيطالية إلخ..، ضربت أوربا في وجهه سياجا سميكا. إن كانت أغلبية من الفرنسيين ستتوجه يوم الأحد الموافق لسابع يونيو، موعد الاقتراع النيابي الأوربي، إلى البحيرات أو الغابات لصيد الحوت أو الحجل، فإن أغلبية من الفرنسيين المنحدرين من أصول أجنبية، والذين لهم حق التصويت بفعل جنسيتهم، «ما سايقين خبار» للانتخابات البرلمانية الأوربية، وسيذهبون للتسوق من حد مونتروي أو كربوبة! على الرغم من جنسيتهم الفرنسية، يشعر التركي، المغربي، الجزائري، بأنهم يعاملون كمهاجر لا غير، وأن أوربا أو البلد الذي يحملون جنسيته، لن يعترف لهم بكامل المواطنة. على مستوى المغاربة، فمن بين 850000 مغربي المتواجدين في فرنسا، فإن الثلث مزدوج الجنسية، أي بمقدوره التصويت في الانتخابات. الحقيقة أن الأغلبية لا تعرف الطريق إلى صناديق الاقتراع. وهذه حالة حميدو ولد عويشة الذي «طيح سنانو» في معامل بيجو للسيارات بمنطقة سوشو. عن سؤال يتعلق بمشاركته في الانتخابات البرلمانية الأوربية القادمة، أجابني مازحا: «واش غادي يعطيو شي أوروات على التصويت؟». فرنسي بالكواغط، لكنه بقي متشبعا ب«التقاليد السياسية» للبلاد، وبخاصة بيع الأصوات! عن الجو العام في لاكورنوف la Courneuve الضاحية التي يقطنها، إن نظمت تجمعات أو سهرات انتخابية، أجابني بنبرة قلقة: «آش من سهرات؟ الكيرا نايضة هنا»، في إشارة إلى الهجوم الذي شنه مجهولون على شاحنات للبوليس بالأسلحة الثقيلة في السابع عشر من ماي والذي أدى إلى تطويق جزء من المدينة. ثم أضاف: «شوف آصحيبي: نهار سبعة في شهر ستة راني مسوق من حد السوالم!». ولما فسرت له مزايا المواطنة الأوربية التي ستوفر فرص مهنية، طبية، حقوقية، إلخ... وكذا فضائل جواز السفر الأوربي، أجابني بقوله: «قدم جواز السفر في اسم محمد للديواني ف هاذ الدول وتعالى تشوف. غادي يكولو ليك سرقتيه». ولما لاحظت أنه سيصادف لدى وصوله إلى حد السوالم إجراء الانتخابات التي ستقام في الثاني عشر من يونيو أجابني ب»الخف»: «على الأقل في لبلاد الصوت عندو ثمن. غادي يزردوني ونبيع الورقة!».