قبل عدة أشهر هبط تقرير على طاولة رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن. "الى رئيس دولة فلسطين الأخ القائد العام مع التحية" جاء فيه "إليكم المسائل التي تمت معالجتها في الشهر الأخير" معد التقرير أسامة منصور المسئول البارز في وحدة يترأسها سالم جرار، تطرق من خلال 14 بندا للأنشطة التي نفذت من اجل منع إسرائيل أو الإسرائيليين من شراء الأراضي الفلسطينية. اعتقلنا ثلاثة شبكات لبيع الأراضي لليهود في شمالي – غرب القدس، كتب منصور. في العيزرية اعتقل احد قادة حماس بتهمة تزييف ملكية أراض وبيعها لليهود. احد سكان شرقي القدس اعتقل بتهمة بيع الأراضي في معالي ادوميم لليهود. أسامة منصور ابن ال 46 عاما كان رجل استخبارات فلسطيني تمكن من الفرار من غزة قبل إن تقبض عليه حماس. في العامين الأخيرين خدم في وحدة لمكافحة الفساد والنصب في مجال الأراضي تعمل من خلال مكتب النائب العام الفلسطيني في رام الله. منصور اعتقل في رام الله في شهر تموز الأخير على يد الجيش الإسرائيلي والشاباك. هو سيقدم للمحاكمة في المحكمة اللوائية في القدس بتهم الاختطاف والابتزاز والتهديدات والهجوم. التحقيقات التي جرت معه والوثائق التي اكتشفت بحوزته تكشف النقاب عن وحدة هي إحدى أذرع الأجهزة المتشعبة التي شكلتها السلطة الفلسطينية لخوض الكفاح دفاعا عن كل قطعة ارض في يهودا والسامرة والقدس. في آخر الهرم يقف أبو مازن وكبار المسئولين في ديوانه. الوحدة تستخدم سلسلة طويلة من العملاء والمتعاونين في ارجاء الضفة وكذلك داخل القدس. من هذه الوثائق يظهر ان السلطة الفلسطينية تخصص الموارد والوسائل بل وانها تتحرك في منطقة سيادية اسرائيلية حتى تضمن عدم تسرب الاراضي الفلسطينية الى الايادي الاسرائيلية. الحسيني مشارك في المسألة ايضا. "تسريب"، هذه هي الكلمة الواردة في القانون الفلسطيني التي تصف البيع غير القانوني للاراضي. الصيغة الواردة في القانون والتي تطرقت في الماضي بصورة صريحة لبيع الاراضي لليهود اجتازت عمليات تغيير وملائمة. ولكن التفسير بقي متشابها. الفلسطيني الذي يبيع الاراضي لليهود يتعرض لعقوبة الموت. التحركات داخل القدس تقلق اسرائيل باستثناء محاولات احباط شراء الاراضي في شرقي المدينة تفرض السلطة الفلسطينية مسؤوليتها ايضا على مواطني شرقي المدينة الذين يحملون الهويات الزرقاء. اولئك المسؤولين عن مكافحة "تسريب الاراضي" لا يترددون في ممارسة الاقناع والتهديد والابتزاز وحتى اختطاف مواطني شرقي القدس المشاركين في بيع الاراضي لليهود. هذه الانشطة ادت الى اعتقال اسامة منصور. منصور متهم باختطاف تاجر اراض من شرقي القدس اسمه احمد المصري. وفقا للائحة الاتهام تم اغراء المصري للقدوم الى محطة وقود داخل اسرائيل بجوار حاجز قلنديا ومن هناك اختطف على يد عدة مسلحين الى داخل رام الله. منصور يرفض اعتبار الحدث اختطافا وانما احتجازا من اجل التحقيق. هو يؤكد بأن النائب العام اصدر امر اعتقال للمصري وارسله لاجهزة الامن الفلسطينية رغم ان المصري يحمل هوية زرقاء. مع ذلك بفضل الجنسية الاسرائيلية اطلق سراح المصري بعد يومين ولم يبق في المعتقل. من عملية التحقيق التي جرت مع منصور يمكن الاستنتاج بأن امر الاعتقال قد صدر من ابو مازن مباشرة. "قبل 5 اشهر وردتنا شكوى ضد المصري" قال منصور، "هو اتهم بتقديم مستندات وراثة مزيفة لاراض في اريحا للمحكمة الشرعية في ابو ديس. النائب العام اعلم ابو مازن بذلك. عندما عاد النائب العام من عند ابو مازن قال: لقد صدر امر باعتقال احمد المصري والقاضي". منصور أكد بأن المصري احتجز ليومين ولكن خلال عملية التحقيق اللاحقة نفى ان ابو مازن اصدر الامر. مع ذلك احد الشهود في القضية – هو ايضا من سكان شرقي القدس – ادعى بان منصور قال له بانه يعمل بتكليف من رئيس السلطة. حسب ادعاء الشاهد منصور اوضح بأنه يتصرف بناء على اوامر ابو مازن وهدد قائلا: "كل من يبيع الاراضي لليهود، نحن نعرف ما الذي سنفعله به. ان باع الاراضي لليهود فانتم تعرفون كيف تجلبونه من كل مكان بما فيه من داخل مدينة القدس". من اعترافات منصور يتبين ان رفيق الحسيني رئيس مكتب ابو مازن واحد الاشخاص الاقوياء في حاشية الرئيس مشارك في الانشطة والتحركات ضد "تسرب الاراضي في القدس". على سبيل المثال تحدث منصور عن رسالة وردت من امرأة فلسطينية تقطن في سوريا الى ديوان أبو مازن. "هذه المرأة هي صاحبة املاك في القدس وقد ارسلت رسالة الى ديوان الرئيس جاء فيها ان ابن عمها يريد بيع جزء من الاراضي والاملاك. أنا شاهدت التقرير بعد ان ارسل الحسيني هذه الرسالة مع توقيعه الى الامن الوقائي والمخابرات العامة والى مكتب النائب العام. هو طالبنا بأن نتحقق من الامر". مشاركة اجهزة الامن الفلسطينية ليست صدقة. معالجة بيع الاراضي لليهود تشكل جزءا من صلاحيات الاجهزة. في واقع الامر ليس من الممكن تنفيذ تنازل عن عقار في اراضي السلطة الفلسطينية اليوم من دون الحصول على مصادقة رسمية من الاجهزة الامنية. "حتى عام 2000 كان مواطنو اسرائيل يحصلون على التراخيص لبيع العقارات من الاورينت هاوس"، اوضح منصور "وبعد اغلاق بيت الشرق بدأت التراخيص تصدر من محافظ القدس ولان هناك الكثير من تزييف الاراضي فأن الانظمة تقتضي بأن على كل من يريد بيع ارض ان يتوجه الى وزارة العدل. كل بيع لارض او بيت لليهود يعتبر خيانة في نظر السكان وكذلك مخالفة للقانون". الجهازان الاساسيان – الامن الوقائي والمخابرات العامة – يستخدمان شبكة من العملاء والمتعاونين معهم في شرقي القدس. التقدير هو ان للمخابرات العامة قرابة مائة عميل من طرفها. وللامن الوقائي اكثر من ذلك. الجهازان مسؤولان عن تنفيذ الاعتقالات والتحقيقات الاولية بما فيه عندما يتعلق الامر بمواطنين اسرائيليين. منصور يدعي ان من خطط لاختطاف تاجر الاراضي احمد المصري كان تيسير سالم المسؤول عن قطاع القدس في المخابرات العامة. هو ينفي بان السلطة الفلسطينية تعاقب مواطني شرقي القدس او تتعرض لهم. "من يبيع الارض لليهود من دون تصريح من اجهزة الامن او الحكومة سيعاقب بسبع سنوات سجن وفقا للقانون ولكن ليس من الممكن محاكمة مواطن مقدسي يبيع الارض لليهود لانه ليس خاضعا للقانون الفلسطيني". للبرهنة عما يقوله، تحدث منصور عن حادث كان حاضرا فيه في السنة الماضية: "وحدة الجمرك ضبطت في أحد المتاجر في رام الله ارسالية من التمر الفاسد". سالم جرار رئيس وحدة مكافحة الفساد توجه للتحقق من القضية وكان منصور بصحبته. "شاهدت التمور والديدان تخرج منها. صاحب المحل ضحك. هو قال انه يحمل هوية اسرائيلية ولذلك ليس من الممكن اعتقاله وهذا ما حدث بالضبط". عقوبة اعدام للبائعين وحدة منصور لا تركز فقط على منع بيع الاراضي الفلسطينية وانما تعمل ايضا على عرقلة عملية توسيع المستوطنات. ابو مازن مثلا تلقى تقارير حول مساع لنقل قطع ارض داخل جفعات زئيف ومحيطها بملكية السلطة الفلسطينية. في حالة اخرى افاد منصور عن اعداد ملف في قضية اراض حول اريئيل "من اجل منع توسيع المستوطنة ونقل ملكية تلك الاراضي للسلطة الفلسطينية". مساع اخرى وجهت لمنطقة اي – 1 في القدس، في محاولة لعرقلة مصادرة الاراضي والبناء المستقبلي في المكان. "اعددت ملفا حول القضية للالتقاء مع شيوخ قرية العيزرية"، واصل منصور، "اردت ان اطلب منهم التوجه للمحكمة اللوائية في اسرائيل والمطالبة بملكية الاراضي حتى تعيدها اسرائيل لهم. وردتني تعليمات من رئيس السلطة ابو مازن بنقل الملف من اجل مواصلة المتابعة لحاتم عبد القادر". الطريقة الاخرى لمنع توسيع المستوطنات يتمثل بشراء الاراضي. عبدالله خضر مساعد منصور قال في عملية التحقيق معه بأنه ومنصور خططا لشراء اراض في القدس تعود للكنيسة الانجليكانية حتى تستخدم كمساكن للفلسطينيين. خضر قال بان منصور ادعى امامه بأن ابو مازن شريك في هذه الخطة وان مصلحة السلطة تتمثل بتعزيز التواجد الفلسطيني في القدس. منصور ينفي هذه الامور بشدة. "ابو مازن لا يؤمن بمصادرة الاراضي وانما بالحل السياسي" قال للمحققين. هو ايضا بان هناك قرارا صريحا من الرئاسة بعدم شراء اراض في القدس ومحيطها وان لديه رواية اخرى بصدد العلاقات الحساسة مع الكنيسة الانجليكانية. "عبدالله خضر حدثني عن خطة الكنيسة لبنناء وحدات سكنية ومركز تجاري فوق ارض تعود لمدرسة وشراء ارض اخرى من اجل بناء مدرسة عليها. قلت له ان هذه مسألة بيننا وبين الكنيسة ولكن من الجيد بناء المنازل لان العرب في القدس يعانون من ضائقة سكنية" مع ذلك تشير وثيقة ضبطت بحوزته عن درجة التقارب في العلاقات بين السلطة وبين الكنيسة الانجليكانية في معركة الاراضي التي تخاض ضد اسرائيل. الوثيقة التي نفى منصور صحتها بشدة معنونة هي الاخرى لابو مازن مباشرة وموضوعها محدد لكل تجرد: "الكنيسة الانجليكانية". في الوثيقة يجري وصف اتفاق سري بين الطرفين لعرقلة السيطرة الاسرائيلية على الاراضي. "توصلنا الى اتفاق مع الكنيسة الانجليكانية لفتح ملف اراضي مار - الياس وجبل ابو غنيم" جاء في الوثيقة، "هذه اراض تعود الى بيت لحم وبقيت داخل الجدار والان هي معرضة لعمليات المصادرة والتزييف. نحن سنقدم للجنة الكنيسة وثائق مع تواريخ قديمة لهذه الاراضي. الكنيسة ستصدر امرا ينقل هذه الاراضي لرقابة حارس املاك الغائبين. كما ان الكنيسة ستعرقل كل اعمال البيع التي نفذت عبر المحاكم الاسرائيلية. هذه الاراضي ستبقى تحت رقابة الكنيسة الى ان يتم التوصل الى حل سياسي. في مقابلات مع وسائل الاعلام صادق المسؤول في فتح حاتم عبدالقادر الذي يعمل كمستشار خاص لشؤون القدس، بأن السلطة الفلسطينية تواصل التحقيق في بيع الاراضي في القدس. "هناك مصاعب في التحقيق مع بعض المشبوهين المقدسين بسبب ضغوط اسرائيلية ولان النيابة العامة تجد صعوبة في تقديم لوائح اتهام" قال حاتم عبدالقادر. مع ذلك اكد بان السلطة اعتقلت في الماضي عدة عرب اسرائيليين للتحقيق لعدة ايام. على حد قوله اسرائيل تدخلت وامرت باطلاق سراحهم. عبدالقادر في حينه قال بأن السلطة الفلسطينية ستواصل التحرك بصرامة ضد باعة الاراضي لاسرائيل وقال بأنه يتوجب اعدام كل من يدان في بند كهذا. وبالفعل قبل عدة اشهر صدرت عقوبة اعدام بحق مواطن من الخليل ادين ببيع الاراضي للمستوطنين. مع ذلك افاد ديوان ابو مازن بأنه لا توجد نية للمصادقة على هذا الحكم.