ترى كيف تتخيلون معي هذه الدار المملوءة بالعجزة، الحقيقة فرحت كثيرا حين اكتشفت و الحمد لله أنها عكس تصوراتي تماما، لأنني و بكل صراحة وكما يظن معظمنا أنها ستكون مهملة و مليئة بالأحزان. هذه أول مرة أزور فيها ملجأ، كنت مرتبكة كثيرا و أنا أفكر بالأوضاع التي ستقابلني في ذلك المكان، من الذي يعيش هناك وكيف هي أحوالهم؟ ووو .. أسئلة كثيرة كانت تطرح نفسها بمخيلتي و لا وجود لأجوبتها. وصلنا إلى باب الدار، استقبلنا أحد العاملين بها حيث ساعدنا على حمل بعض الحاجيات التي أحضرناها معنا، دخلنا وصعدنا السلالم، إذ بسيدة متوسطة العمر تجري نحونا والابتسامة تعم وجهها كالطفل الصغير؛ قالت "الله يرحم والديكم اللي جيتو طللو علينا" عادت إلى مكانها و ذلك بطلب من أحد العاملين لكي نوزع الحاجيات لكل واحد. أول فراش و أول امرأة لا تزال بمخيلتي حتى الآن، حسب قول العامل إنها أقدمهم. سألته عن قصتها للأسف هو الأخر لا يعلم عنها شيء سوى أنها قضت 40 سنة مقيمة في الدار. بدأنا بالتجوال، امرأة أخرى كبيرة في السن، بصيرة، الغريب في الأمر بمجرد ما اقتربت إليها أخرجت يدها من تحت الغطاء و بدأت تبحث عن الطاولة، أمسكت يدها و دللتها على مكان الحاجيات فأخذتها و بدأت تتحسس بيديها كما لو أنها تكتشف ما الذي أحضرناه لها و أنا أراقبها فنظرت إلي مباشرة كما لو أنها تراني و قالت "شكرا ابنتي الله يرحم والديك الله يخلف عليكم". ذهبنا لغرفة أخرى أكبر من الأولى و بها أسر عديدة، النساء بهذه الغرفة أكبر سنا من سابقتها. امرأة تنادي لصديقتي باسم "فاطمة فاطمة" .. سألت الحارس من هي فاطمة فأجابني هذه المرأة أحضرتها أختها منذ سنين و لم يزرها أحد طوال السنتين، لذا تظن أن كل آت للدار أتى لزيارتها، نادت إحدى صديقات أختي ما اسمك أنت فقالت لها "ج-ن" فقالت لها" تعالي يا "ج-ن" احضنيني" فإذا بها تحضنها وتترجاها أن تأتي مرة أخرى لزيارتها، انغمرت الدموع في أعيننا نحن الأربعة. لم أكن أعلم أن في هاته الدنيا أناس لهم قلب من حجر لدرجة أنهم يتخلون عن آبائهم و أخوانهم. ألا يخافون رب العالمين لعدم رحمتهم، نزلنا أحد السلالم ، التفتت شمالا عند باب المدخل لمحت شابان كل واحد منهما على كرسي متحرك تجولنا بالغرف و أعطينا لكل واحد نصيبه. أثارني مشهد رجل عاجز تماما لدرجة أنه لا يستطيع نزع ذبابة عن عينه نزعتها عنه مع العلم أن الذباب لا حل لنزعه سوى المضاد للحشرات. تجولنا بكل الغرف حتى أخد كل شخص نصيبه حتى العاملين بالدار . عند خروجنا من الباب الرئيسية لملجأ الرجال كان بانتضارنا رجل متوسط في العمر طلب من صديقتي مبلغا لشراء كوكا كولا قال "اعطيني 10 درهم نشري كوكا اليومة وغدا و الله العظيم اليومة وغدا الله يرحم والديك عطيني" العجيب في هؤلاء الناس أنهم لا يطلبون المزيد بمجرد ما تعطيهم نصيبهم يقنعون ويقولون أنا أخذت من كدا ولم آخذ من كدا، ترى كيف لنا أن نتعلم منهم، لا يملكون شيء مع ذلك قانعين بأبسط الأشياء، سبحان الله على حسن أخلاقهم وقناعتهم. 56 واحد من أصل 86 صائمون سبحان الله. أتمنى أن تتكرموا وتمنحوهم ساعة من يومكم لتزوروهم، إنهم جد محتاجين للحنان المفقود والعطف كيف ما كان نوعه. تجربة لن تنسى و بإذن الله ستتكرر.