بينما حافظت القبيلة على وحدتها وتماسكها ، وظلت كما كانت عليه مؤسسة تقليدية قائمة بذاتها ، اندحر الحزب وخارت قواه ، مبديا بذلك للأولى استسلامه وانحطاطه . فكانت النتيجة ، أن المشروع التحديثي الذي ظل يتغنى به الحزب قد انهار ، وأنه كذلك ، لم يتمكن من تعويض الفكر القبلي والعشائري بفكر حزبي عصري يؤطر الجماعة البشرية وفقا لمنظور مبني على قناعات لا على أعراف بائدة.والمفارقة ، أن الحزب استثمر في مؤسسة القبيلة ووظفها لصالحه ، وهو الذي كان منتظرا منه أن يتحول إلى بديل لها . حيث أن سلوك الناخبين ظل دائما خاضعا لمنطق القرابة العائلية ، فالقبيلة والعائلة ، كانتا منذ البدء الإطار المرجعي لعملية التصويت . إذ أن الناخب لا يصوت على البرامج ، ولا على الاستراتيجيات ، ولا على الإيديولوجيا التي يراها الأصلح ... فقط على الأشخاص الذين تربطهم به علاقة قرابه وما شابه ذلك ، فلا صوت يعلو على صوت القبيلة ، وتعاليم القبيلة ، وأعراف القبيلة ... علاوة على هذا ، فالحزب ليس أحيانا سوى قبيلة متخفية في صورة حزب عصري ؛ أي أنه مؤسسة قبلية بامتياز .فالأشخاص المتحكمين فيه ، والحزب ككل ، ليس سوى جهاز بيد القبيلة للحفاظ على امتيازاتها وعلى ما تضمنه لها من ريع . لا يتعلق الأمر بافتراء ، ولا بأحكام مجانبة للصواب ، حينما ينطق المرء ويتحدث عن انهيار الحزب ، وما نسب المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية ، وأعداد المنخرطين ، والقاعدة الجماهيرية سوى الشجرة التي تخفي الغابة ... فكل الوقائع تؤكد بالملموس وبما لا يدع مجالا للريب انكسارات الحزب وفلكلوريته . فلكلورية الحزب المتمثلة في اعتماده على مؤسسة القبيلة ، وحاجته الوجودية إليها ، ليس لضمان كتلة ناخبة فحسب ، وإنما كذلك ، لضمان استمراريته ووجوديته . فبزوال القبيلة يزول الحزب في ظل عدم تمكنه من التأثير على الجماهير ، وامتلاك سبل ممارسة ذلك التأثير واستقطاب أكبر قدر ممكن من الأنصار . وعكس الحزب ، فإن القبيلة لا تزال قادرة على تكريس العرف ،وجعله المنظور المتحكم في التبادلات الاجتماعية لأفراد القبيلة الواحدة . هذا العرف الذي يصبح تصورا حياتيا يحكم المرء ويدفعه إلى رهن حركاته وسكناته به .