رغم كل العقبات التي تواجه الربيع العربي الذي يبدو واضحاأنه لم يرق لكثير من أنظمة الجبر والإستبداد عموماوالخليجية منها خصوصا،هذا بالإضافة إلى كثير من دول الغرب وعلى رأسها الولاياتالمتحدة،إن كان الواقع الذي أفرزه هذا الربيع العربي لا يروق لهذه وتلك فإن المبرر واضح،إذ لا يمكن لدول الإستبداد العربي أن ترى أمامها دولا تخلصت من رق العبودية وإنطلقت نحو التحرر لبناء دولة العدل والكرامة،ذلك طبعا يمثل خطراماحقا بالنسبة لها،فهي تدرك أن نجاح دول الربيع العربي معناه في أبسط صوره أن الدائرة ستدور عليهم عاجلاأوآجلا،ولذلك فإن تصوير هذا الربيع على شكل فتن وقلائل وأنه أدخل الدول التي وقع فيها التغيير في دوامة الصراع سينايرو محبك من طرف هذه الدول وحلفائها الغربيون،لأنهاتدرك أن أهم مايحرص عليه الناس والشعوب عموما هو الأمن بالدرجة الأولى ،فإذا أصبحت دول الربيع العربي كما سبق أن قدمنا فصيبح هذا الأخير نذير شئم لا تتمنى الشعوب التي مازالت تحت قبضة الإستبداد تفضل هذا الأخير لأنه يوفر لها الأمن حتى وإن كان في حقيته وهما لا أقل ولاأكثر. أما الغرب فهوكذلك يرى أن نجاح هذا الربيع العربي بالإضافة إلى أنه سيغيرالبنية السياسية للأنظمة البقرة الحلوب له،فإن ألأخطر من ذلك أن يصبح هذاالطوق الجديد ينهج سياسة سيادة القراررالسياسي وكذلك الخروج من دائرة التبعية الإقتصادية،كل كذلك نفهمه وندرك له المسوغات،لكن الذي يحتاج إلى وقفةو قرائة هو موقف العلمانيين العرب،ذلك أن هذا الربيع من جملة ماكشف عنه حقيقة هؤلاء الذين طالماأصابوا رؤوسنا بالصداع من كثرة مالاكت ألسنتهم الكثيرمن الشعارات،بل إنهم طالماعيرواكل مخالف لهم في الرأي وخاصة إذا كان إسلاميابالرجعية والماضوية،فهم ديمقراطيون حداثيون مدنيون،مع الحرية وحقوق الإنسان ،هم حاملوامشعل الرأي والرأي الآخروغيرهامن مفردات القاموس الحداثي اليمقراطي!؟. الربيع العربي وخاصة في تونس ومصركان القشة التي قسمت ظهر البعير،ذلك أنناوجدناأنفسناأمام خطاب أقل مايقال عليه أنه إزداوجية شخصية"Personal duplication disease"،فبين القول والفعل ترى مفارقات تثبت لك أنه هناك إزدواج شخصية وقد تكون إنفصام شخصية"Schizophrenia". نقط عدة نقف معهالنرى ونكشف مدى الإنحدار والأزمة التي يعيشها العلمانيون العرب وأول مفهوم سنعمل على تفكيكه مع العلمانيين العرب هو الكلمة السحرية والتي طالما كانوا يعتبرونها قوة التحدي. 1-الديمقراطية: ترى ماذاأصبحت تعني هذه الكلمة عند علمانيون في الوطن العربي،كلماأطللت على المشهد السياسي في عموم الوطن العربي والإسلامي وخاصة في النمودج المصري والتونسي بعد الربيع العربي إلا وستجد أن هذا المفهوم قد فقد معناه جملة وتفصيلا،أناشخصيا لا أكاد أفهم كيف يؤصل علمانيو مصر لحكم العسكر وكيف تجدهم يخوضون المعارك الكلامية ليبرروا لحكم العسكر،من المبادئ الأولية أن النظام الديمقراطي هو نظام مدني بامتياز،بل أكثر من ذلك فالأنظمة العسكرية تعتبر الخطر المحدق بأي ديمقراطية،للصندوق الإنتخابي في الديمقراطية دلالةخاصة،إذ هذا الأخير يعتبر الآلية التي يعبر من خلاله الشعب عن إرادته ويحدد إختياراته،كل هذا وذاك نسفه العلمانيون العرب،قتارة تجدهم ينظرون لحكم الأقلية للأغلبية!،وتارة تجدهم يجعلون المرجع في الإختيار الديمقراطي هو السند العسكري،وتارة تجدهم لا مسوغ لهم إلا إفساد الحياة الديمقراطية التي أفرزها إختيار الشعب فقط بدعوى الهيمنة للقوى الظلامية. كل الأسس التي يقوم عليهاالنظام الديمقراطي إلاو أجهز عليه العلمانيون العرب،أصبحوايضربون عرض الحائط كل الآليات الديمقراطية،يبررون العنف ضد التظاهر السلمي الذي يعتبر من أعرق صور الديمقراطية في كل بلاد الدنيا،بل أكثر من ذلك تجدهم يحرضون على إستعمال العنف وقتل الأبرياء من المواطنين،فقط لأنه كما كان يقول ستالين وهو يعمل على تصفية معارضيه،لا يعجبني وجهك اليوم. القبول بالآخروبالرأي المخالف،والحق في التجمع ،والحق في تكوين الأحزاب بغض النظر عن مرجعيتها،والحق في ممارسة العمل المدني،كل هاته تكفلها الديمقراطية،لكن علمانيوناأصبح منهجهم الإقصاء،تحت مسميات شتى،محاربة الإرهاب،التعصب الديني وهلم جرمن أخواتها لكنها تبقي فقط مطية للإقصاء فقط. 2-سيادة القانون: الأصل أن القانون يعلو ولا يعلى عليه،الأصل أن الدولة الديمقراطية من أهم مميزاتهاالإحترام الكامل والصارم للقانون،علمانيوا العرب عندناإذا كان القانون يتماشى مع رغبتهم ويلبي أرائهم فأنعم بنعم وألف نعم ،لكن إن كانت إرادة الشعب تميل كفتها إلى مايخالف ذلك فإنك سوف تسمع من التأويلات ومن التحليلات ماسوف يجعلك أمام مشهد أقل مايمكن أن يقال عنه أنه يدعو إلى الغثيان،أظهر الربيع العربي أن العلمانيون من درارينالا يعني هذ المبدأ لهم شيئا،يضرب بالقانون عرض الحائط لا قيمة له،إنهم يريدون قانونا مفصلا على مقاسهم،هم يستعملون كل أساليب التحريض والترهيب لإستعمال القوة المفرطة إذا كانت المسيرات أو الفعاليات لا تتبنى طروحاتهم،بينما تجدهم يخرجون كل الترسانة القانونية إن كان مايتحرك فوق الأرض يتماشى مع رغباتهم،حقيقة أصاب بصدمة عندما أتابع بعض رموز هذا التياروهم يعملون على إعطاء وجهة نظرهم فيما يتعلق بإعتصام ميدان رابعة العدوية والنهضة وكل التحركات فوق الأرض المصرية،أجدني أمام أناس لا يلوون رؤوس النصوص القانونيةفقط،ينتقل الواحد منهم من مفكر بلغة لسانه هو مدافع عن حقوق الإنسان لكنه في حقيقة الأمر أصبح جلادا، يبحث فقط كيف يسلخ ظهر خصمه،إنتفى القانون وأنتفت سيادته وأصبح قانون الغاب وقانون البطش وقانون كسر العظام والجماجم ،وأصبح قتل السلميين والمصلين أمرا مستباحا وأمرا مبررا،رحم الله القانون وأسكنه فسيح الجنان،وهنيئا للعلمانيين العرب بسحل القانون وإغتياله. 3-التشاركية: الوطن للجميع،وحق المواطنة وحقوقها مكفولة للجميع،هكذا يغرد العلمانيون في أوطاننا،لكن المحك بعد الثورات العربية أفرز كيف أن هذه التغريدات ليس لهامصداقية،في مصر وضع العلمانيون يدهم في يد العسكر إستقواءا،يصرحون أن فريق رابعة العدوية والنهضة والكثير من شوارع مصرإيماءا أنهم ليسوا من بني الوطن،وأنهم لاحقوق لهم، وفي تونس يحصون أنفاس حركة النهضة ويعتبرونهاجوهر الإشكال في البلد،بل إنها تسير به إلى الهاوية،لا تشاركية،تشاركيتهم مشروطة فقط بأن يكونوا هموا الغالب والقائد وعند ذلك يعتبرون التشاركية منامنهم،تشاركيتهم أدت إلى شطر البلد في مصر شطرين،عطلوا كل المؤسسات القانونية وكذلك في تونس،لا يهمهم خراب البلاد،شريكهم فقط من كان على نهجهم،سقط قناع العلمانيين العرب إذ بين الواقع الملموس أنه مفهوم التشاركية والمواطنة هو أن تكون على دينهم وديدنهم،وإلا فستجد ممناعة ومشاكسة لا تنقضي،وسترى صخبا إعلامياوحربا إعلامية غايتهاقلب الحقائق، وتشويه الصورة،الإسلاميون متعصبون متطرفون إرهابيون ولذلك فإن التعايش معهم أمرمحال،سرطان ينبغي إستئصاله،بهذا المنطق الفج يبرر العلمانيون العرب إلغاء التشاركية من الحياة العامة . 4-المأزق المؤلم : مؤلم المأزق الذي وضع العلمانيون العرب أنفسهم فيه،بضربة لازب جعلوا أنفسهم أمام مفترق طرق خطير،من الانحدار إلى الاندحار،فاضحة كانت لهم ثورات الربيع العربي،أبانت أن كل الشعارات التي كانوا يتشدقون بها ماهي في الحقيقة إلا خطاب مستهلك الغاية منه تدجين الشعوب والظهور بمظهرالحامل والمدافع عن حقوق الشعوب،أفسدت المشهد والمسار الديمقراطي المصري وأدخلت البلاد في إتجاه لا يعرف أحد كيف ستكون نهايته،وهي كذلك تعمل على نفس المنوال في تونس، إكتشف العلمانيون العرب وهم الذين كانوا يعيشون َوْهم إمتلاك الشارع بدعوى أنهم حاملوا مشعل الحداثة والتقدمية،فإذا بهم يستفيقون على حقيقة كانت صافعة صاعقة،ليسوا هم الخيار الشعبي،بعيدون كل البعد عن هم عن الشعب،تنكروالمبادئهم،أحرقوا سفنهم كلها،فتارة كان الملجأ التحالف مع النقيض المطلق لتوجه العلماني كما هي الحالة المصرية حيث أصبح التحالف مع العسكر وإعادة إنتاج حكم العسكرمقبولامستصاغاحتى ولو كان على حساب الدولة المدنية وكل المفاهيم التي طالما قالوا أنهاتشكل جوهر مطالبهم ونظالاتهم،نفس الأمرفي تونس ،تجد العلمانيين في هذا البلد يستقوون بالغرب،يبدلون غاية جهدهم ليقنعوا الغرب أن الحركة الإسلامية عدولكل قيم الغرب،فهم الايؤمنون بالحرية ولا بالديمقراطيةولا بالتداول على السلطة ولا بحقوق المرأة،يضربون على كل وتر حساس ليبرروامايقومون به. مأزق مؤلم للأسف الشديد أدخل العلمانيون العرب أنفسهم فيه،حركة التاريخ وعجلته لايمكن لهاأن ترجع إلى الوراء،فالأجيال الصاعدة وإن كان الكثير من الناس يستخف بها لكنها تدرك حقيقة من يستطيع أن يحمل أمالها ويشاطرها ألامها،تهاوت العلمانية العربية في الجزء الكبير منهالأنها دائما هناك شرفاء لعل قابل الأيام تجعل كفتهاهي الرائجة،تهاوت العلمانية العربية من داعية إلى قيم حقوق الإنسان وبناء دولة الواطنة إلى شوفنية مقيتة،إقصائية تضعها يدها في يد الشيطان وهي قد فعلت،يؤلمني ماوصلت إليه،أثبت الميدان للقاصي والداني أن الإستئصاليين الإسلاميون في جزء كبير منهم حتى نكون منصفين،أنهم الأحرص على التشاركية وأنهم حقيقة يؤمنون بالرأي والرأي الآخر،يحترمون إرادة شعوبهم،يعملون بجد لبناء دولة الحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية،مأزق مؤلم ومسار إلى الهاوية تسير إليه العلمانية العربية دون وعي منها،نرجولها أن تعود إلى جادة صوابها فالأوطان لا تستغني عن أحد من أبنائها...