اذا ما تتبعنا تصريحات الأمين العام لحزب الاستقلال السيد حميد شباط ، ورئيس المجلس الوطني لحزب الاستقلال السيد احمد توفيق حجيرة ، اللذين اعتمدا على تلفيق استناد قرار الحزب بالانسحاب من الحكومة على الفصل 42 من الدستور المغربي الجديد ، لايتلاءم ولا يجد هدفه واحالته في هذا الفصل بتاتا ، فهو فصل يعنى بمؤسسة امارة المؤمنين وبالمجلس العلمي الأعلى ، وبذلك يكون القياديين البارزين في حزب الاستقلال قد ارتكبا خطأ قانونيا فادحا باستنادهما الى فصل لا علاقة له بقرار الانسحاب من الحكومة أو الاستقالة منها . كان بالامكان الاكتفاء بمبرر ديمقراطي تفاعلي بالاحالة الى خلاصة المجلس الوطني للحزب باعتباره أعلى هيأة جماعية لأحكامها وقرارتها صفة الالزام والاكراه . دون الوقوع في هذا الخطأ القانوني الفظيع الذي لا يدل الا على جهل مطبق بمقتضيات الدستور ، وافتقاد فظيع للثقافة السياسية في تصريف القرارات الكبرى . وهذا دليل كاف لما سبق ونبهنا اليه في كتابات سابقة من المسار الانحداري الذي اتخذته مسيرة السياسة المغربية... في السنتين الأخيرتين ،عكس ما كان مأمولا من مغرب استطاعت حركات شعبية في ظل حراك وثورات عربية أن تفرض على القصر وجميع الأحزاب التابعة له تغيير التكتيكات السياسية مرحليا ، اي أن تغيير الدستور لم يكن الا ولادة عسيرة لمسار اجتماعي ودولتي عسير . فكان اخراج تعديلات دستورية شابها ما شابها من عوار وتسويف في الانزال ومعاكسة مقتضياته على علاتها ؛بتأخير اخراج القوانين التطبقية وانتقائية سلحفاتية في اخراج المنتقى . لم نكن ننتظر مثل هذه المسرحية العبثية ، مع العلم أن أهل مكة أدرى بشعابها ، فقد يكون قرار الخروج قرارا مملى وغير ذاتي ، فمعروف تاريخيا أن حزب الاستقلال من أكثر الأحزاب مشاركة في مجمل الحكومات المغربية ، بجميع توجهاتها وأشكالها ، وهو من اقرب المقربين للقصر . وهذا ما يطرح اسئلة مشروعة على الأهداف الحقيقية وراء هذا الانسحاب غير المنتظر ،برغم الخرجات الاعلامية البهلوانية لشباط . وهذا لايعتبر البتة انتقاصا من شخص الرجل يقدر ما يعتبر انتقادا لمواقفه اللاسياسية . فهذا الانسحاب جاء في وقت دقيق لم يتعود فيه المغاربة تاريخيا ، أن تحدث فيه مثل هذه الصدمات السياسية ، وهنا أتحدث عن السياسة في بعدها السامي ، أي المجرد ، وليس السياسة كما تصرف في المغرب . فالملك غائب عن البلاد ، والدولة تجتاز مرحلة صعبة كما يعلن كل وزرائه ومحللي الاقتصاد والسياسة التابعين للنخبة المسيطرة على مصير المغرب كما تعتقد . والصراع في الصحراء المغربية مازال مفتوحا . لايوجد اذن سند دستوري لهذا الانسحاب ، وكان يكفي الاستناد الى قرار المجلس الوطني للحزب بعد سرد مجموعة من المعطيات الدقيقة التي جاءت كتراكمات لم تلب الحد الأدنى لأفق انتظار حزب الاستقلال ، أما أن يتم الاحالة الى الفصل 42 من الدستور المغربي ؛فهذا ما يعتبر انسحابا بأثر غير موجود .