في إطار المائدة المستديرة التي نظمها الإتحاد المغربي للصحافة الإلكترونية ، تحدثت في مقدمة مداخلتي عن ثلاث عوامل أساسية تقف وراء ثورة الإعلام الحديث والتي تتجلى في : 1-العامل التقني الذي تطور فأفرز شبكة الانترنيت التي تشكل حاليا وسيطا إعلاميا ، يطوي بداخله جميع وسائط الاتصال الأخرى (المطبوعة ، المسموعة ، المرئية ...). 2-العامل الاقتصادي المتمثل أساسا في عولمة الاقتصاد، وما يتطلبه من سرعة في حركة السلع ورؤوس الأموال وهذا يتطلب بدوره تدفق المعلومات بسرعة أكبر ، وبصيغة أخرى إن عولمة نظم الإعلام والاتصال هي وسيلة القوى الاقتصادية لعولمة الأسواق من جانب وتنمية النزعات الاستهلاكية . 3-العامل السياسي المتمثل أساسا في الاستخدام المتزايد لوسائل الإعلام من قبل القوى السياسية بهدف إحكام قبضتها على سير الأمور ، والمحافظة على استقرار موازين القوى في عالم شديد الاضطراب زاخر بالصراعات والتناقضات . لقد تداخلت هذه العوامل التقنية والاقتصادية والسياسية بصورة غير مسبوقة من ذي قبل، جاعلة من الإعلام الحديث قضية شائكة للغاية، وساحة ساخنة للصراعات العالمية والإقليمية والمحلية . كان لا بد من الإشارة إلى ما سبق حتى تتضح لنا الرؤية ونعرف السياق الذي نحاول فيه تقنين مجال الصحافة الإلكترونية . بعد ما تقدم أود أن أقف على بعض ما جاء في مشروع قانون الصحافة الإلكترونية ، وإن كانت لنا ملاحظات عن النسخة التي توصلنا بها في الإتحاد ،حيث تم صياغتها على شكل أسئلة والنسخة المسربة التي تختلف عن التي بين أيدينا والمنشورة في الموقع الرسمي للإتحاد . والبداية سوف تكون مع مسألة مثيرة وغامضة ، وهي قضية حجب جريدة إلكترونية . هذا الحجب قد يكون بدون موجب قضائي . ونطرح السؤال عن مدى صوابية وقانونية الحجب الذي يعني إعدام المقاولة الإعلامية الإلكترونية . ونذكر بأن لدينا مبدأ يقول " للمواطن الحق في الإعلام " . من هذا المنطلق يعتبر الحجب عقابا جماعيا للعاملين في المقاولة الإعلامية والقراء وكل المرتبطين بالجريدة الإلكترونية ... وفي الفصل 28 نجده ينص " أن للجميع الحق في التعبير ونشر الأخبار والأفكار والأراء بكل حرية ومن غير قيد عدا ما ينص عليه القانون صراحة " . ونجد في المسودة ما يلي " حرية الصحافة الإلكترونية مضمونة ، ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية . وللصحف الإلكترونية الحق في نشر الأخبار والأفكار والأراء وعكس التعددية الفكرية والسياسية دون قيد . باستثناء ما ينص عليه القانون صراحة على منعه . مع احترام قواعد وأخلاقيات المهنة كما هو متعارف عليه دوليا ". والذي نلاحظه هو "الرقابة القبلية " وهذا غير ممكن في النشر الإلكتروني ، لأن الجريدة الإلكترونية لا تمر على المطبعة ولا توزع في الأسواق حتى تمارس عليها رقابة قبلية كمنعها من الطبع مثلا أو جمعها من الأسواق ...إلخ فالنشر الإلكتروني لا يقبل رقابة قبلية ويستحيل ممارستها عليه ، وظهور الإعلام الإلكتروني كان هروبا من هذه الرقابة القبلية من الأصل . والملاحظة الأخرى هي عبارة " باستثناء ما ينص عليه القانون صراحة على منعه " .هذه العبارة مبنية للمجهول ، ولا ندري أي قانون هل هو القانون الجنائي أم القانون المدني أم قانون آخر باستثناء قانون الصحافة .وجود مثل هذه العبارات في القانون تقوض وتنسف الذي قبلها ، وتفرغ مضمون ما جاء في الفصل 28 أو المسودة . لا نريد تعابير فضفاضة وتحتمل أكثر من تفسير ، نريد الدقة في التعبير ووضوح في الكلمات والمعاني . فقول عدا ما ينص عليه القانون صراحة ، وبما تقتضيه المصلحة العامة (لأن كل منا له تعريف لما تقضيه المصلحة العامة) ، باستثناء ما ينص عليه القانون صراحة على منعه ، كل هذه الجمل تجعلنا نسير في حقل مليء بالألغام ، ويبقى الباب مشرعا لمحاكمة الصحفيين بالقانون الجنائي . ثم أن الدستور بدوره نص على ما سبق ذكره وهنا نرى أن المشرع وضع القانون فوق الدستور باعتباره أسمى قوانين البلاد ، وهنا نصبح أمام جدلية ، من يتحكم في من ، هل القانون التنظيمي الذي يعتبر فرع ؟، أم الدستور الذي يعتبر هو الأصل ؟. وصفوة القول في هذا نوجزه في المثل القائل والمشهور " طلع للشجرة تاكل الكرموس نزل شكون قالها ليك " . وكما قلت في أحد البرامج الإذاعية الذي ينشطها الزميل خالد الشطيبات أن الإتحاد له ملاحظات تخص شكل المسودة وأخرى على مضمونها . فعلى مستوى الشكل نرى أن المسودة غير كاملة، ولا زالت تعاني الإعاقة التي تتمثل في أنها لم تنص على العقوبات والغرامات بشكل واضح باستثناء الحجب و تعبير" باستثناء ما ينص عليه القانون" الذي لم ينص على شيء . أما مضمونها بالشكل الذي نتوفر عليها لا زال فارغ المحتوى ، لهذا استغربنا السرعة التي تريد الوزارة أن تطوي بها هذا الملف، الذي لا زال يحتاج إلى نقاش عمومي مفتوح ، للخروج بتصورات واضحة والغاية من وضع قانون تنظيمي . ولنا عودة للموضوع مرة أخرى . [email protected]