كشفت حادثة السير الخطيرة التي تعرض لها الكاتب الإقليمي لنقابة الجامعة الحرة للتعليم بالعرائش على طريق العوامرة، حجم الاختلالات الخطيرة التي يعانيها قطاع الصحة بطنجة والجهة عموما. وتعود وقائع الحادث ليلة الإثنين الماضي حينما تعرض النقابي المذكور لحادثة سير خطيرة أصيب على إثرها بإصابة في الرأس تطلبت نقله على عجل من العرائش على مستشفى محمد الخامس بطنجة. ولدى وصول الضحية تفاجأ مرافقوه بعدم توفر المستشفى على نقالة تحمله إلى غرفة الأشعة، لينتظر هؤلاء مدة من الزمن ليست باليسيرة ليقرروا نقله حملا على الأكتاف، ليفاجأوا بعد ذلك بتعطل جميع أجهزة الأشعة، بل الأدهى من ذلك أن يبادر أحد الأطر الصحية وهو يوجههم لنقل المريض إلى عيادة خاصة للأشعة بطنجة، يقول المثل المغربي: "يلا طلقتيها لا توريها دار باها". الحقيقة أن هذه القصة لا تكشف إلا جانبا قليلا من حقيقة الوضع المتردي الذي آل إليه المستشفى الإقليمي محمد الخامس الذي هو في حقيقته مستشفى جهويا يستقبل المرضى من كل أقاليم الجهة. لذلك توجهنا بالسؤال إلى الأخ عز الدين فيلالي بابا عضو المكتب الوطني لنقابة الجامعة الوطنية للصحة المنضوية تحت لواء الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، حول حقيقة البنيات والخدمات الصحية التي يتوفر عليها مستشفى محمد الخامس، وطبيعة المشاكل التي يتخبط فيها. واعتبر الأخ عز الدين فيلاي بابا أن مستشفى محمد 5 يوجد حاليا في الحضيض، وهو رأي تتقاسمه معه أغلب الأطر الصحية العاملة بالمؤسسة، ولا يتنكر للمجهودات الجبارة التي مافتئ يبذلها المخلصون من الأطباء والممرضين وباقي الأطر الصحية والإدارية. إلا أنه ورغم ذلك فإن معاناة المواطنين مع واقع مستشفى محمد الخامس يتقاسمها معهم جزء كبير من الأطر الصحية العاملة بهذه المؤسسة الصحية، والذين وقعوا جميعا ضحية سوء التدبير الإداري والمالي للمستشفى. وهكذا فإن قسم المستعجلات بمستشفى محمد الخامس الذي يتوفر على 3 قاعات كبرى لاستقبال الحالات المستعجلة، لا يتوفر في غالب الأحيان إلا على 3 ممرضين بمعدل ممرض لكل قاعة، تتوفر قاعة الملاحظة بالمستعجلات على 15 سريرا تستقبل حالات تعاني غيبوبة أو نزيفا حادا في الدم ... بينما تخصص القاعة الأخرى للجبس، والقاعة الثالثة لحالات الجروح. فكيف يتصور أن يفي هؤلاء الممرضون الثلاثة بحاجيات قاعات ثلاث وحالات خطيرة متعددة يتطلب بعضها تدخلا جراحيا وحضورا مكثفا للأطباء والممرضين والتقنيين؟ أما قسم الأطفال الذي يتوفر على 8 أقسام وثمانية صناديق فقط للأطفال الخدج، وهو ما يعني قي حال زيادة عدد هذا النوع من الولادات توجيههم لمصحات خاصة أو وقوع وفيات لا قدر الله، أو تشوهات خلقية بسبب نقص الأوكسجين. غرفة الإنعاش هي الأخرى في حالة مزرية، بل إنها خلافا للأعراف والقواعد الطبية تقع مندمجة مع غرفة الإنعاش الجراحي، بحيث لا يعقل أن يشترك نفس المكان كل من المريض المصاب بالتهاب فيروسي والمريض الذي تعرض لحادثة، إنعاش جراحي يفترض وجوده في مستشفى دوق دي طوفار بعد أن تم تدشينه في وقت سابق وبقي مغلقا منذ تاريخ التدشين. وأدهى من ذلك فإن حالات الموت في صمت متكررة في غرفة الإنعاش، وذلك بسبب النقص الحاد في آلات الإنعاش الطبي والجراحي، بحيث يتوفر القسم على ثمان آلات فقط، وإذا تجاوز عدد المرضى هذا العدد فإنه يبقى معرضا للموت في أية لحظة، لذلك يفرض على عدد من المواطنين في عدد من الحالات التوجه لمصحات خاصة. المركب الجراحي هو الآخر يضم سبع قاعات، فقط أربعة منهن قيد الاستغلال والأخريات مغلقات، لذلك فإنه تقرر في الشهور الأخيرة وقف جميع العمليات لغير حالات الاستعجال، وتأجيل مختلف العمليات الأخرى أو توجيه المواطنين نحو القطاع الخاص. وأخطر من ذلك أن تظل أجهزة الراديو بمستشفى محمد الخامس معطلة منذ ما يقارب الشهر حاليا، وكذلك الشأن بالنسبة لقسم الأشعة بالمستعجلات والذي يوجد في عطلة منذ سنتين، وذلك رغم اقتناء الآلة الخاصة بهذا الغرض، والسبب خلاف حول طريقة تركيبها في السقف أو الأرضية، ليقع اختيار الخبراء على الأرض حيث ظل جهاز الراديو جاثما من دون عمل لسنتين. كذلك مصير قسم الأشعة العام من دون عمل، ليوجه المرضى الذين هم بحاجة للأشعة إلى المصحات الخاصة، هي حال أغلب أقسام الأشعة المهمة بالإقليم، كذلك الشأن بالنسبة لقسم الأشعة بمستشفى دوق دي طوفار التخصصي بالإقليم، إلا من قسم يتيم بمستشفى محمد السادس. لكن كيف يعقل أن نوجه حالات الاستعجال والحوادث الخطيرة إلى المصحات الخاصة وهم في حالة غيبوبة أو نزيف؟ هي تلك حالة أستاذنا المسكين الذي بدأنا معه القصة والحكاية. وكذلك الشأن بالنسبة لمختبر التحليلات الطبية الذي عجز حاليا حتى عن إجراء التحليلات البسيطة NFS بسبب غياب الروائز الطبية Les réactifs أو عطب جل الآلات، ليوجه المرضى الراغبون في إجراء التحليلات بمن فيهم نزلاء المستشفى نحو المختبرات الخاصة. إن مستشفى محمد الخامس الجهوي الذي يستعد أن يحتضن مشروعا يقال له الجهوية، جهوية في التعليم والصحة والتدبير الجماعي ... مستشفى يستعد كذلك أن يستقبل مرضى جدد ببطاقة اسمها "الراميد" التي يمكن أن نجزم أنها في ظل الشروط الحالية "ما هي إلا در للراميد في العيون"، ما لم تتغير العقليات الفاسدة في التدبير، وتتعزز قدرات الصيانة والمتابعة والتكوين، والرفع من تعداد الطاقم الصحي، وتوفير الشروط والبنيات المناسبة للعمل، والحسم في ما عجزت عنه وزيرة الصحة السابقة السيدة ياسمينة بادو من توضيح للعلاقة بين القطاعين الصحي العام والخاص. وواضح أن النبش في مثل هذا المحظور قد يحرك بعض تماسيح القطاع الصحي الخاص وأشباحه، مثلما تحركت ذات الكائنات لتصطاد زلات وزير التربية الوطنية وتتبع عوراته التي لا يمكن إلا انتقادها بشدة، في مقابل اجترائه على منع الترخيص بالتدريس في القطاع الخاص لأساتذة القطاع العمومي. إن هذا الوضع الكارثي جعلنا نوجه السؤال مجددا للأستاذ عز الدين فيلالي بابا حول من المسؤول حول هذا الوضع، خاصة في ظل الحديث عن الإصلاح وحكومة الإصلاح ووزير الإصلاح وشعب يريد الإصلاح؟؟؟ من المسؤول إذن عن هذا العطب؟ هل هو عطب في القيادة المركزية؟ أم عطب في القيادة المحلية؟ أم هي أعطاب متعددة وتحصيل حاصل؟ عز الدين بابا قال أن عدد كبيرا من الأطباء والممرضين العاملين بمستشفى محمد الخامس سبق وأن هددوا بالتوقف عن العمل في ظل عدم توفر الشروط الموضوعية لأداء مهمتهم النبيلة، لكن لماذا لم يتوقفوا ولماذا يستمر العاملون في "جرجرة" جسد مستشفى محمد الخامس المنهك المريض. والسبب يقول الأستاذ فيلالي بابا هو انعقاد عدد من اللقاءات مع عدد من المسؤولين ومن بينها عدد من الاجتماعات التي باشرتها نقابة ج.و.ص المنضوية تحت لواء ا.و.ش.م، وكان الأمل معقودا عليها لأجل وضع حد لهذه المعاناة، لكننا اكتشفنا مؤخرا أننا كنا ننفخ في جسد ميت، هو ذاك جسد الإدارة الجهوية والإقليمية للقطاع الصحي بطنجة والجهة، إدارة ظلت تتفرج على كل هاته الاختلالات الخطيرة ليس فقط بمعناها التقني والصحي، ولكنها خطيرة بمعناها الإنساني حينما يسلم عدد من المرضى والضحايا للموت عرضا من دون تدخل أو عجز طبي فادح. الأمر الذي لا يستساغ أن يتم تعيين المدير السابق للمستشفى والمسؤول عن كل هذه الاختلالات والذي سبق إعفاؤها لهذا الغرض قبل شهرين، أن يتم تعيينه مكافأة له نظير سوء إدارته مندوبا إقليميا جديدا لإقليم كبير هو إقليم تاونات، وذلك تعيين صادر من لدن وزير الصحة الجديد الدكتور الوردي. تعيين لقي احتجاجات واسعة من لدن المكتب الوطني لنقابة الجامعة الوطنية للصحة ا.و.ش.م وذلك قبل أن تصادق الحكومة الأسبوع الماضي على مشروع مرسوم للتعيين في المناصب السامية من شروطه الانتقاء والمباراة. وإذا كان الإعفاء مصير المدير السابق، فإن طلب الإعفاء هو ما بادر إليه المقتصد الإقليمي للمستشفى في ظل عدم توفر شروط وإمكانيات العمل، بل ووجود أياد خفية تعمل على عرقلة عمله وتوجهاته. وبعد الإعفاءين ظل المستشفى بدون مقتصد ومدير مدة من الزمن يتم تدبيره بالنيابة قبل أن يتم تعيين مدير ومقتصد جديدين قادمين من إدارة المستشفى المحلي بأصيلة، في ظل تهرب أغلب الخبرات الطبية والاقتصادية بالإقليم من تحمل المسؤولية بسبب غياب شروطها، ولجوء الوزارة لخيار التعيين من بلدية أصيلة. لذلك فإنه وبرغم التعيين الجديد فإن السؤال الذي يبقى مطروحا ما هي شروط التدبير الصحي الجيد وما هي مقتضياته، ومن المسؤول عن إصلاح تلك الأعطال وما هي كلفته؟ وهل الأعطال التي أصابت بعدواها كل الأجنحة والأقسام نتاج تقصير أو تعمد قد يحيلنا على تواطؤ كان مفضوحا ومفتعلا في ما سبق بين مستقيات القطاعين العام والخاص وتوفير أكبر عدد من الزبناء لهذا الأخير تحت ضغط الحاجة وأية حاجة إنها الحاجة للتطبيب تحت رحمة الموت القاتل. إن الأمر يتطلب منا التفاتة سريعة لحاجيات المستشفى من الإمكانات ووسائل التدبير الجيد، بقدر ما يتطلب منا التفاتة لحاجيات ومطالب الأطر الصحية والتي لم يفلح لقاء النقابات الصحية مع وزير القطاع الأسبوع ما قبل الماضي في الاستجابة لها ووقف الإضراب الذي نفذته الشغيلة الصحية يومي الأربعاء والخميس الماضيين. مطالب لخصها الأستاذ عز الدين فيلالي بابا في عدد من النقط الرئيسية أهمها توفير الشروط الموضوعية للعمل، والحركة الانتقالية، واستكمال تنفيذ ما تبقى من اتفاق 5 يوليوز 2011، ومناهضة المرسوم المشؤوم بشأن إدماج خريجي المعاهد "الخاصة" لتكوين الأطر الصحية. وأوضح فيلالي بابا بهذا الخصوص أنه وقع الاتفاق مع الوزارة سابقا على اعتماد برنامج L.M.D Licence. Master. Doctorat والمعتمد في الجامعيات المغربية ولا يتم تطبيقه في معاهد التكوين الصحية العمومية بالمغرب. بحيث تطالب شغيلة القطاع الصحي بمعادلة دبلوم الممرضين بالإجازة باعتبار مدة الدراسة ثلاث سنوات Bac + 3، ومعادلة استكمال الدراسة التخصصية في المجال الصحي بالماستر، وضرورة فتح مسلك الدكتوراه في وجوه الأطر الصحية والممرضين الراغبين في استكمال التكوين ومتابعة مشاريعهم المهنية والعلمية، في جامعات تمريضية لازالت غير موجودة ببلدنا حاليا، وهو الأمر الذي لازال بحاجة للجان الحوار المتخصص والتي لم يفعلها الوزير لحد الآن. لكن الوزير وبدلا من كل ذلك فإنه فتح باب الولوج للوظيفة العمومية أمام خريجي المعاهد الصحية الخاصة، عبر اجتياز مباراة الإدماج إسوة بخريجي معاهد التكوين التابعة لوزارة الصحة، وذلك في غياب شروط المنافسة الحقيقية. حيث لا تشرف الوزارة مطلقا وبأية طرق من الطرق على التكوين البيداغوجي في المعاهد الصحية الخاصة، ولا إشراف لها مطلقا على مباريات التخرج، بحيث أدى هذا الأمر إلى ازدياد عدد هذه المعاهد بشكل كبير جدا جعلها تنبت كالفطر، وتخرج أطرا قد لا يكون لبعضها حضور أثناء التكوين بسبب حاجة البعض للدبلوم والشهادة فقط لأجل ولوج العمل في مهنة تتطلب كفاءة ودقة عالية، لا مجال فيها للخطأ والعبث بأرواح المواطنين، مع الاعتراف في نفس الوقت بدور كثير من هذه المعاهد في تخريج عدد من الأطر ذات الكفاءة، وفي سد الخصاص الفادح في الأطر الصحية. لأجل ذلك وغيره أضربت الأطر الصحية، دفاعا عن كرامتها ودفاعا عن كرامة المواطن، ولأجل مثل ذلك أضربت الأطر التعليمية بطنجة بسبب غياب شروط العمل، والاضطرار لبعض الحلول الترقيعية كمثل العمل على استكمال الحصص بين مؤسستين، قد يكون الفارق بينها كيلومترات عديدة كما هو حال بعض العاملين بإعداديتي دار الشاوي والعقاد، إضراب دفاعا عن حق الأستاذ والتلميذ في أقسام غير مكتظة، بل الأحرى حق التلميذ في الأستاذ الذي أصبحنا نفتقده هذه الأيام بمؤسسات كمثل إعداديتي عبد الله كنون ويعقوب المنصور، ونقص حاد في أساتذة مواد الرياضيات والفرنسية والعربية لدرجة الاضطرار أحيانا قليلة للترقيع ببعض الأساتذة الحمقى والمجانين والمصابين بمرض السرطان عافانا الله وإياكم. فهل تتصدقون علينا بأطر صحية وتعليمية بطنجة؟ وهل من مجيب هناك بالإدارة المركزية؟ وهل فهمتم معاناة هؤلاء الأطر بمدن الهجرة الزاحفة كمثل مدينة طنجة؟ أم أنكم لازلتم تعتقدون في زمن التغيير بأن هؤلاء هواة إضراب لأجل الإضراب.