بعض المدن تمارس عليك سطوتها، تحملك للهيام بها، تعجن بجيناتك تلاوين صفائها، هكذا هي اصيلة المتميزة أيضا بهدوئها الباعث على الإبداع. أصيلة التي تكتسب صيتا عالميا كانت على موعد مع الملتقى الثاني للقصة القصيرة،يومي 3.2 دجنبر 2011 بفضاء دار الشباب تحت شعار" القصة القصيرة و رهان الحداثة"،احتفاءً بالقاص المغربي عبد السلام بلقايد. على الموعد كانوا، حيث تدفق المبدعون على أصيلة من كل المدن المغربية ليحققوا للملتقى نجاحه.على الرغم من بعض العثرات التي واجهها منظموه،أثقلت كاهلهم و جعلتهم أمام تحدّ أثبتوا أنهم بمستواه. في حدود الخامسة و النصف مساءً تم افتتاح الملتقى بكلمة ترحيبية للقاص "صخر المهيف" رئيس الملتقى، ثم كلمة لرسام الكاريكاتير "عبد الغني الدهدوه" أكد من خلالها على علاقة الارتباط بين فني الكاريكاتير و القصة القصيرة التي هو من هواتها،ليخلص إلى أن كل رسم كاريكاتيري هو في حد ذاته قصة قصيرة. تلتها زيارة الحضور لمعرض اللوحات الكاريكاترية. بعد استراحة قصيرة ألقيت كلمة الجمعية المنظمة و من خلالها عُرِّف بالمُحتفى به،لتنطلق الندوة التكريمية للقاص عبد السلام بلقايد و تضمنت مداخلات لكل من : - نجيب كعواش "عبد السلام بلقايد الذي يواجه العالم ببراءة" - عبد الحمد ركاطة" الطابع السيزيفي في كتابة بلقايد " قرأها بالنيابة عبد العزيز ملوكي - ابو الخير الناصري "الحوار المفقود في كتابة بلقايد" - "الزعفران الحر" نص إبداعي لعبد السلام الجباري مستوحى من علاقته بالمحتفى به. ثم كلمه لعبد السلام بلقايد أكد فيها على أهمية اللحظة التي يكرم فيها. اختتم حفل الافتتاح بقراءات قصصية لكل من حسن البقالي(الرباط)-البتول محجوب(طانطان)- محمد كروم(تارودانت)- المصطفى كليتي (القنيطرة)- محمد الشايب( مشرع بلقصيري)- إدريس الواغيش( فاس)- الخراز زهير( أصيلة)- عبد السلام الجباري (أصيلة )-محمد المهدي السقال( القنيطرة)- إبراهيم ذيب( جرسيف)- أحمد السقال (العرائش). ليستأنف الملتقى صبيحة يومه السبت 3 دجنبر بندوة نقدية تحت عنوان "القصة المغربية الجديدة الإمتداد و الفرادة " و قد سجلت مداخلات كل من : سعاد مسكين وورقتها المعنونة ب" الكتابة الجديدة في القصة القصيرة المغربية أسئلة و رهانات" تطرقت الناقدة إلى الجدة في المنتوج القصصي و حصرته في العوامل السوسيو ثقافية –العولمة، تطور وسائل الإتصال و التواصل- وفي انفتاح القصة على التجريب باعتباره مفارقة ذات المبدع للواقع ،و تفرده في إنتاج عوالم القص. ووقفت الناقدة على تجربة الكوليزوم من خلال عَلَميْن هما أنيس الرافعي" في عمله (أشياء تمر دون أن تحدث فعلا) . و محمد اشويكة في عمله (النصل و الغمد) .و قد تناولت هذين العلمين من ثلاث زوايا : مغايرة الكتابة،لغة الكتابة، درس الكتابة. و انتهت إلى تسجيل مجموعة من الخلاصات التي تجعل حداثة القصة تعني ما يلي: - امتلاك الكاتب حرية واعية في إنتاج نصوص تعكس فرادة تنفلت من النمطية و المعيارية. - الخروج من ثنائية الشكل و المضمون يجعل الكتابة غاية و وسيلة في حدّ ذاتها . - -إشراك القارئ في عملية توليد دلالات القصة و اكتشاف عوالمها التخييلية. - اختزال العمل القصصي في دينامية نصية تخلق معايير جديدة، تقوم على جماليات مختلفة.نذكر منها : - التشظي و الاختزال - تحويل الهامشي مركزا - المزج بين القصة و الميتاقصة - الاحتفاء بالقارئ أما الناقد محمد يوب في مداخلته تحت عنوان "الشخص و الشخصية في القصة المغربية المعاصرة" فقد تطرق الى ان الشخصيات تتحرك انطلاقا من حركية اللغة باعتبارها الاداة الاساسية للمنجز القصصي .و بين ان من اهم معاني القصة تتبع تفاصيل و لغة الواقع كما تناول ايضا زوايا النظر في القصة و وجود تقاطعات بين القاص و النص و القارئ. فيما ذهب الناقد خليفة بابا هواري بعنوان مداخلته "مساحات الوصف في القصة القصيرة " إلى تسجيل غياب الإهتمام بالوصف في الكتابة القصصية قبل العقود الثلاثة الماضية. رغم وجود هذه التقنية في الكتابة السردية و الشعرية، منذ عصر الملاحم.و أكد على وجود مواقف معادية للوصف ،فهناك من اعتبره عنصرا ثانويا . هذا مع صعوبة مقاربة الوصف في القصة القصيرة لقلة الكتابة في هذا الموضوع. و لغياب الوصف في مجموعة من المجاميع القصصية ك "وادي الدماء" لعبد المجيد بنجلون و" السقف" لابراهيم بوعلو . كما بين وظائف الوصف التي تتجلى في : - تحديد اطار الحدث - المساعدة على الانتقال من مكان اخر - تبرير الحدث .....الخ بعدها فتح نقاش مطول بين الحضور و أصحاب المداخلات حول مفهوم الحداثة. و طرحت إشكاليات جادة تبين ان القصة القصيرة المغربية تحيا دينامية متطورة و تشرع نوافذ متعددة نحو البحث و الدراسة. فيما استمرت احتفالية القصة القصيرة مساء السبت و على الساعة السادسة بقراءات قصصية لكل من عبد الحميد الغرباوي ( الدارالبيضاء )،عبد السلام بلقايد (العرائش)، اسماعيل البويحياوي (تمارة،) عبد الهادي الفحيلي( ابن احمد)، عبد الله المتقي (الفقيه بنصالح )، عبد اللطيف الزكري (طنجة)، مليكة صراري( الدارالبيضاء)، محمد الكلاف( طنجة )،حافظ الحفيضي (زاكورة،) نجيب كعواشي (العرائش)، ابراهيم أبويه (برشيد)، محمد اكراد الورايني(برشيد)، عبد الغني صراض(برشيد)، البشير الأزمي (تطوان)، محمد جزار( العرائش)، زوليخا الموساوي الأخضري (القنيطرة،) إيمان الونطدي( سلا)، ليلى الشافعي( الرباط)، نادية الأزمي( طنجة). هكذا أكد ثلة من المبدعين المغاربة أن برد فصل الشتاء بالميدنة الأصيلة، لم يبدد حرارة التواصل و جميل الحضور. حيث اختممت فعاليات الملتقى بحفل تكريم للقاص المبدع عبد السلام بلقايد ،تقديم هدايا للمحتفى به و توزيع شواهد تقديرية على المشاركين بالإضافة إلى معزوفات غنائية شنفت أسماع الحضور من أداء فرقة نادي الياسمين بأصيلة. وقد عبر المحتفى به القاص المبدع عبد السلام بلقايد في معرض لقائي به و سؤاله عن شعوره وهو يكرم في الملتقى قائلا " هذا التكريم نوع من رد الإعتبار و الإعتراف بشخصي من طرف اخوة يكنون لي الحب و التقدير ، فالمبدع يكتب يناضل و يجتهد ليطور نفسه ، لكن يطاله التهميش و الإقصاء و اللامبالاة و الإهمال. كما عبر عنه احد رؤساء اتحاد الكتاب الجزائرين حين قال "إن أبشع جريمة رايتها في حياتي هي التهميش" . فالملتقى إلتفاتة جميلة من طرف أصدقائي و من طرف الجمعية و هنا اشكر صخر المهيف، فاطمة الزهراء المرابط و جنود الخفاء. و لن أكون وفيا في شكري مهما فعلت. إنه لشيء رائع أن يلتفت الأخوة إليك و يجعلون منك عريسا كما أخبرني بعض الأصدقاء اليوم، منتهى اللطف ، سلوك يدل على أن الإبداع بخير. أنا بدأت أكتب في فترة متقدمة من عمري، في سن الثامنة عشر نشرت أول قصة لي. مع هذا طالني الإهمال و عدم الإعتراف بكتاباتي .و الأخوة حينما يكرمونني فهم يكرمون إبداعي و تجربتي، يكرمون الإبداع عموما. أتمنى ان نرى أشخاصا آخرين يكرمون فهناك من يستحق التكريم.". فيما ذهب القاص المبدع عبد السلام الجباري الى القولأن " هذا الملتقى ناجح لأنه يشكل إضافة نوعية للقصة، بسبب الحضور المكثف لجيل جديد من القصاصين.و أتمنى أن تتكرر هذه الإحتفالية بالقصة و القصاصين.".