الإنسان كائنٌ مُنتمٍ بطبعه.. مجبول على الميل للأشياء، والتعلق بالأشخاص، محب ولوع بالتمييز والمفاضلة بين الأشياء والأشخاص، حريص على المماثلة وإظهار أوجه الاختلاف بين الثنائيات في كل ما يحيط به، يعشق بعض الأشياء دون غيرها، ويحب أشخاصا بعينهم، ويكره غيرهم بلا مبرر، يتعصب لأفكار وعادات وسلوكيات.. ويقلد شخصيات بعينها حد التطابق والاستنساخ، ويتخذ مدارس ومنهاج نبراسا لحياته ويتعصب لها حد الهستيريا التي تخرج به، في كثير من الأحيان، عن الجادة والأخلاق المحمودة، حتى تنتقل إليه عدوى ديكتاتورية المقلَد، بفتح اللام، إلى المقلِد، بكسرها، وتدفع به إلى ارتكاب الحماقات التي تحمل غيره الكثير، كما حصل مع نيرون حين قلد عمه كاليغولا، وموسوليني حين اتبع خطوات لينين، وحين سار هتلر على نهج موسوليني، ونفس الشيء فعله أتاتورك بتقليده لكل من لينين وموسوليني، وفرانسيسكو فرانكو رئيس الدولة الإسبانيَّة، الذي تشبه ب"هتلر" و"موسوليني" وجعل نفْسَه زعيمًا مثلهما وأبًا لإسبانيا، وسَمَّى نفسه "الكوديللو"؛ أيْ زعيم الأُمَّة، بالضبط كما فعل "هتلر" حين سمى نفسه "الفوهرر"، و"موسوليني" الذي كنى نفْسَه باسم "الدوتشي"، وهي كلمة إيطالية لا تختلف في معناها عن كلمة "الفوهرر" أو "الكوديللو" الإسبانية، أما القذافي فلم يتوقف في تقليده لهؤلاء الدكتاتوريين وغيرهم، عند حدود التفرد بغرابة السلوك وتفاقم الوحشية وانفصام الشخصية والسادية والإحساس بالعظمة والتفوق على بني البشر، الذي وصل عنده، مرحلة الجنون في مُمارسة السُّلطة دون رقيبٍ ولا حسيب. متجاوزا أكثرية الدكتاتوريين، حتى غدا نموذجا للشر وجنون العظمة والسادية في سلوكه وأفعاله التي كانت خارج حدود سياقات العقل البشري. فأضفى على نفسه من الألقاب ومراتب الشرف ما لا يحصى ولا يعد، حيث سمى نفسه تارة ب"القائد، وتارة "الثوري"، وبعدهما "الزعيم"، وأتبعها ب"أمير القيادة الشعبية الإسلامية"، ثم أمين القومية العربية، وعميد الحكام العرب، و قائد الطوارق، ورئيس الاتحاد الإفريقي، ورئيس تجمع دول الساحل والصحراء، وملك ملوك أفريقيا، وإماما المسلمين... فقد أخذ القذافي من كل ديكتاتوريات العالم أقبح ما فيها، واتخذ من أخطر دكتاتوريي العالم أمثال موسوليني، وستالين ، وهتلر، وفرانكو، وبوكاسا، وباتستا، وبول بوث، وشاوشسكو، وماكبث، ونيرون وكاليجولا"، نماذج مميزة لحكمه فتشبه بها في نهب الثروات حد التطابق، وتعصب لسلوكيات جرائمها في الدمار والخراب حد التماثل، حتى أطلق عليه الكثيرون حول العالم، "النسخة الجديدة لكاليغولا" الذي كان يعتقد انه قادر على أن يفعل ما يريد ويحصل على ما يرغب ما جعله يشعر بالحزن والأسى وخيبة الأمل حين لم يحصل على القمر الذي طلب، وأشيع عنه انه تزوج من أخته روسيلا، وجعل من حصانه عضوا في مجلس الشيوخ، ونفى وقتل اقرب الناس اليه، لأنه مهووس مثله بالسلطة والزعامة والنفوذ وداء العظمة والطغيان والجريمة وشهوة الامتلاك والاستحواذ المادي الذي يرقى عنده لحد الغرائزية التي لا يهمه فيها النفع المادي بقدر ما تستهويه الهيمنة على الآخرين وتعذيبهم، وخاصة المعارضين. واعتبره البعض بنيرون هذا الزمان الذي احرق ليبيا زنكة زنكة، وعده البعض الآخر ب"بيرون" العصر الذي قلد كل الديكتاتوريات الأوربية الماركسية والنازية والفاشية وطبق تلك التي انتشرت في أمريكا اللاتينية وباق الأنظمة الديكتاتوريات الأخرى التي تقوم كلها حول شخصية الزعيم الوحيد والقائد الأوحد والسيد الذي يأمر فيطاع وينهى فيجاب. وبعد كل هذا انتقل في تقليده لبعض كتابات الطغاة الذين ألفوا الروايات والمسرحيات ونظموا الشعر. أمثال نيرون الذي عرف بشاعريته الرقيقة، وأدولف هتلر الذي تميز في الرسم والمعمار، وماوتسي تونغ الذي اشتهر بنظم القوافي الطويلة وكاراجيك الصربي الذي تخصص بالكتابة للأطفال، وكيم إيل سونغ وصدام حسين غيرهم ممن صدرت لهم الأشعار و المؤلفات. ومهما بدا الأمر مثيرا للغرابة، فقد أبدى القذافي، ميلا للفن والأدب والكتابة رغم بعده عنها بعد السماء عن الأرض، وألف في القصة والرواية والسياسة وحتى الفلسفة، التي لا ندرى هل هو فعلا الذي كتبها، أم كتبت له من طرف بعض الأقلامٌ التي تنز بصدأ العقول، واللغة الركيكة اللاهية عن قضايا المجتمع وهموم الناس.. ومع ذلك يفتخرون، دون خجل أو وجل، بأعمالهم المكتوبة ويوزعونها على نطاق واسع، ويقيمون لها المؤتمرات ويجندون لها مزامير وطبول منافقي الأمة البعيدين كل البعد عن عوالم الفن والأدب الذي لا يتوفرون على دربة ولوج ميادينه ويضلون فيها كالحمير التي تحمل الأسفار. وأمام ضخامة وهول هذه الكوارث الإنسانية والأخلاقية ووقع أفكار وأفعال طغاة شعوب العالم العربي وغير العربي الذين انتهى الكثير منهم إلى مزبلة التاريخ، كل واحد منهم على طريقته، بدأً من صدام حسين الذي انتهى إلى منصة الإعدام، وكيم إيل سونغ (كوريا الشمالية) والذي مات بالسرطان، والتركمنستاني صبار مراد نيجاسوف الذي أطيح به بين ليلة وضحاها، وكاراجيك الصربي الذي انتهى إلى سجنه في لاهاي، وبن علي التونسي الذي انتهى به المطاف كلاجئ بجدة، وحسني مبارك الذي لازال يواجه مصيره الأغبر بمصر التي فرض عليه فيها الإقامة الإجبارية، وأخيرهم القدافي الذي لن يكون آخرهم والذي ما زال يصر على الجلوس على كرسي الحكم الذي يردد بشأنه مقولته التي طالما تندر بها الناس "ان الديمقراطية تعني ديموا ألكراسي" ويطمح لقيادة إفريقيا والعالم بقاراته التي يعتقد أنها قد ركعت لأوامره ورضخت لسطوته. فمن المستحيل أن يمر كل هذا المقت وذاك العهر، مر الكرام دون أن يقيد له القدر من فناني الوطن العربي المبدع الذي يرويه، بكل أمانة واقتدار، ويجسد الكثير من ديكتاتوريي العصر الحديث، في أعمال أدبية وفنية شعرا ونثرا وبكل الفنون السبعة المعروفة، حتى تكون شواهد عبر الزمن ومواعظ لقراء المستقبل، حكاما كانوا أو محكومين، ليأخذوها العبرة مما حدث كما فعل العديد من الكتاب والفنانين والشعراء والمخرجين السينمائيين حين جسدوا تلك الحوادث في كتابات وقصائد وروايات وأفلام رائعة تؤرخ لبعض الدكتاتوريين، كفلم "الدكتاتور" والذي يؤرخ به المخرج السينمائي المقتدر شارلي شابلن، لحياة الدكتاتور العالمي النازي أدولف هتلر حتى لا ينساه التاريخ مهما طال، وتتدارسه الأجيال تلو الأجيال وتعرف أنه رغم ديكتاتوريته لم يؤذ شعبه كما فعل القذافي، ولم يسعى حسب نيته إلا لتحقيق النصر والتمكين لشعب الألماني الذي كان مهووسا به يمجده ويقدسه ويعتبره الأب الروحي.. ومن الأدباء الفنانين الذين هيأهم الله لتجسيد الأحداث التي تمر بها ليبيا ومن قبلها تونس ومصر، الدكتور مدحت العدل الذي ألف أوبريت بعنوان “ثورة تونس ومصر وليبيا” يعبر فيها عن الفخر الذي يشعر به تجاه الشعوب العربية الحرة، كما أعلن عن ذلك حميد الشاعري الذي يعمل على تحويل المؤلف إلى أوبريت. وفي نفس السياق قال الفنان الكوميدي المصري عادل إمام إن أمنية حياته أن يشاركه الرئيس الليبي معمر القذافي في إحدى مسرحياته أو أعماله الكوميدية؛ حيث كان سيحصل على شعبية جارفة، توقع أن تفوق شعبيته شخصيًّا وأكد عادل إمام قائلاً: “بسقوط القذافي سنخسر كوميديانًا رائعًا؛ لأنه مجنون”.