قيل الكثير وتدفقت أنهار من المداد حول فؤاد عالى الهمة، كاتب الدولة السابق في الداخلية ومؤسس حزب الأصالة والمعاصرة، وصداقته مع الملك، هذه الصداقة التى أفادته كثيرا، إن على المستوى السياسي أو المالي، كما أنها كانت سببا في أن ينال قدرا كبيرا من التعنيف والأوصاف المعيبة، التي أهلته ليكون أول المطلوبين للمحاسبة والتغييب عن المشهد السياسي، من طرف الحركات الشبابية، السياسية، الاجتماعية وجمعيات المجتمع المدني. علاقة بهذا الموضوع، أستحضر جزءا من بعض المذكرات الشخصية التي كتبها الزميل سعيد الجديدى، باللغة الاسبانية، كان يسجل فيها مواقف مختلفة خلال مسيرته المهنية كاعلامى، مما كان يعيشه خلال مزاولته لمهامه. فقد رافق كمترجم، أحد أكبر الإعلاميين الاسبان من جريدة أ.ب.ث. ذات التأثير الكبير في المشهد السياسي والإعلامي باسبانيا، إلى لقاء الراحل الحسن الثاني، بهدف إجراء حوار صحفي بمنتجع افران. قبل إجراء الحوار، دار حديث قصير بين الملك والصحافي الاسباني، حسب ما يرويه الجديدى، على الشكل التالي: الملك: قيل لي بأنك صديق حميم لأخي الملك خوان كارلوس. الصحافي: لا، لا ياجلالة الملك، لست صديقا للملك. قالها بنبرة فيها نوع من الاحتجاج، أوقفت ابتسامة الملك. الملك: ماذا قلت. قالها الملك بنوع من الخيبة والامتعاض. الصحافي: ياجلالة الملك، لست صديقا حميما للملك، أنا ككل الاسبانيين واحد من رعاياه الأوفياء. يقول الزميل سعيد، كانت هذه أحسن الإجابات السلبية التي يمكن تقديمها لملك. بعد نهاية الحوار استضاف عامل إقليمافران، بأمر من الملك، الصحافي الاسباني والزميل سعيد الجديدي، لمأدبة غذاء. أثنائها علق العامل قائلا: لقد مررنا بموقف رهيب من غضبة ملكية محتملة، مما دفع الصحافي الاسباني، الذي هو بالمناسبة، لويس ماريا آنسون، للقول: السيد العامل، أكرر لكم بأنني لست ولم أكن صديقا حميما للملك خوان كارلوس. أنا كما قلت للملك أحد الرعايا الأوفياء لجلالته، فلا يمكن لأحد محاولة أو ادعاء بأنه صديق للملك، وبالأخص أن يكون صديقا حميما. بالنسبة للملك كل رعاياه متساوون ، ليست هناك استثناءات أو لن يكون ملكا أو حتى ملك صالح. فلا يمكن أن يكون ملكا لهذا أكثر من الآخر. كما أستحضر أنه مجرد القرب من الملك أو فقط من معاونيه الأقربين، كان يدفع الانتهازيين والوصوليين وأصحاب الذمم الفاسدة، إلى بذل الكثير من الجهد والمال للوصول إلى أغراضهم الدنيئة وقضاء مصالحهم الشخصية، التي تكون في أغلب الأحيان غير مشروعة وغير شريفة وفاسدة، مما ينشأ وينتج عنها الكثير من المظاهر المؤدية إلي ما أسميه بخيانة الأمانة، أو الفساد والإفساد في كل القضايا المرتبطة بمصالح البلاد والعباد، وبالتالي تفويت الفرص لبناء الهياكل الصلبة والأعمدة المستقيمة الراسخة لبناء الدولة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والسياسة الرشيدة والاقتصاد القوى. هناك الكثير من الأمثلة الصادمة على أن القرب من أصحاب القرار كان السبب الرئيس لما يعيشه المغرب كدولة والشعب المغربي كأمة من مآسي وكوارث، أفضت إلي هذا الانهيار على جميع المستويات. أتذكر أنه في نهاية الثمانينيات، جاء أحدهم من الرباط إلى ضواحي تطوان واستولى علي أراضي شاطئية بالتدخلات وحيازتها بأثمنة زهيدة، أقام عليها مشاريع سياحية ضخمة عادت عليه بالملايير، دون أن يؤدي واجباته الضريبية لسنوات طويلة، مما تراكمت عليه ما يقرب من خمسين مليار سنتيم، بحساب ذلك الوقت، وطبعا لم تكن في نيته أداؤها، فكان أقرب وأسهل ما فعله هو اللجوء إلى الملك الراحل للتحرر منها، فكان له ما أراد. كما أن آلاف الهكتارات من الأراضي المسترجعة وآلاف أخرى من أملاك الدولة الفلاحية قدمت بما يساوى المجانية إلى حفنة من الانتهازيين والوصوليين ممن كانوا يقدمون الولاء الكاذب بتقربهم من أصحاب القرار وتقديم فروض الطاعة المؤدى عنها من المال العام ودماء وعرق المغاربة. فضلا عن شراء الذمم عن طريق إفساد الحياة السياسية والاقتصادية. إن صداقة المقربين من منبع القرار كانت دائما، منذ استقلال المغرب، نهجا عاما وإستراتيجية أساسية، لتسيير وتدبير شؤون المغرب والمغاربة.