إذا كان الزمن هو أكبر هاجس يؤرق بعض نساء المغرب إلى درجة أنهن يرغبن في نشب أظافرهن في عنقه بمجرد ما يتجاوزن الخامسة والعشرين، فإن الإسبانية ترى أن الزمن صديق يجب استنزافه حتى آخر ثانية،وبينما توظف المغربية كل ما أوتيت من كيد غريزي من أجل الإيقاع بعريس يقيها شرور أمتار من الألسنة، فإن الإسبانية لا ترى في الجنس الآخر مستقبلا مضمونا، فهو مجرد «موظف» يجب ألا يتجاوز حدود وظيفته، خصوصا أنه يشتغل بعقد عمل مؤقت بحكم أن الإسبانيات، اليوم، لا يتزوجن في الكنائس ولا يوثقن عقود زيجاتهن في البلديات، فالزواج شأن شخصي لا يخص صغار رهبان الكنيسة. أصبح الجيل الجديد من الإسبانيات اللواتي ولدن بعد عهد الجنرال فرانكو، يهوى الخروج ليلا في نهاية الأسبوع أكثر من الذكور، فلا تفرغ شوارع مدريد من صراخهن حتى ساعات متأخرة، لذلك يستغرقن في النوم ولا يذهبن إلى الكنيسة أيام الآحاد، لأنهن يعتبرن الاستجابة لنداء نواقيسها أشبه بتحضير ممل لواجبات دراسية ثقيلة ينجزها أولئك الراغبون في اجتياز امتحان الموت. الإناث يعشقن التدخين في إسبانيا، قلما تمر فتاة دون أن تكون بين أناملها أو شفتيها سيجارة شقراء تحترق، حتى الشرطيات يخرجن سجائرهن الموضوعة بقرب المسدسات والأصفاد ليدخن عندما تقل حركة المرور أو لا يكون هناك زحام في المحلات التي يقمن بحراستها، أما الطالبات في الجامعات الإسبانية فهن لسن بحاجة إلى دخول المراحيض من أجل ممارسة نزواتهن التي كانت ذات يوم محرمة، بل يتحلقن في مجموعات ويشرعن في التدخين في ما يشبه تضامنا مطلقا على ملء صدورهن بأكبر كمية من الدخان ونفثها في وجه السماء. يشعر الجيل القديم من الإسبانيات أحيانا بالحسد يفترسه تجاه الأجيال الجديدة التي استفادت من عبق الحرية وحطمت أصنام الفحولة عن آخرها، فحتى الثمانينيات من القرن الماضي لم تكن للإسبانية القدرة على التدخين علنا ولا تناول أكثر من كؤوس عصير الطماطم في حفلات الزواج التي كانت لا تخلو منها الكنائس قبل أن يدخل الرهبان في بطالة مفتوحة، أما الذكور في إسبانيا فباتوا منقسمين على أنفسهم، بعضهم يقبل بالوظيفة على مضض، وآخرون يحسدون الرجل العربي ويبالغون في تقليده، فيلقون بنسائهم من الشرفات العالية.