في مقابلة مع "أندلس برس" يشخص لنا الباحث السوسيولوجي والتر أكتيس الوضعية الصعبة التي يعيشها المهاجرون المغاربة المقيمون بإسبانيا، تشخيص يظهر منه جليا أن هذه الجالية هي الخاسر الأكبر سواء في أوج الرخاء الإقتصادي كما في الأزمة. واحد من بين كل 4 بيوت يسكنها مغاربة كل أفرادها عاطلون عن العمل وفق الأرقام الرسمية، 24% من النساء و9% من الرجال لا يتكلمون اللغة الإسبانية. والتر أكتيس دكتور في علم الاجتماع، وهو عضو في مجموعة البحث IOE ، التي تجري العديد من الأبحاث حول الهجرة في إسبانيا. ما تقييمكم للوضع الحالي للمغاربة المقيمين في إسبانيا؟ يعتبر المغاربة ثاني أكبر مجموعة من المهاجرين المقيمين في إسبانيا، تفوقها فقط مجموعة المهاجرين من رومانيا. هذا ويقدر إجمالي المقيمين 737 ألف شخص (من بينهم 105 ألفا حاصلين على الجنسية الإسبانية)، وإلى هؤلاء يلزم إضافة 92 ألف مولود في إسبانيا يحملون الجنسية المغربية، ويلاحظ وجود اختلال مهم في توزيع الأجناس، حيث تبلغ نسبة الذكور الثلثين. وعلى الرغم من أنه طوال العقود الثلاثة للهجرة، كان جزء مهم من الجالية في وضعية غير قانونية في وقت من الأوقات (في سنة 2003، 26% من المغاربة كانوا "بدون أوراق")، فهذا الوضع تحسن بشكل ملحوظ منذ 2005، وبالفعل، ففي بدايات سنة 2009، انعدمت تقريبا وضعية الإقامة غير القانونية، وهذا يكذب الصورة النمطية لوسائل الإعلام الجماهيرية التي تربط بين المهاجرين المغاربة و"الباطيرات". مقابل هذا الجانب الإيجابي، فثمة ظواهر مثيرة للقلق من قبيل: • الهجرة المغربية تقدم المؤشرات الأدنى في المستوى التعليمي بين المجموعات الكبرى للمهاجرين (58% من الكبار لا يتجاوز تكوينهم التعليم الابتدائي). • النشاط الاقتصادي المتدني للنساء: 31% فقط يعملن خارج البيت أو يبحثن عن عمل، (خلف البريطانيات في نسبة العزوف عن العمل) • 24% من النساء و 9% من الرجال لا يتكلمون اللغة الإسبانية. 2. ماهي انعكاسات الأزمة على المهاجرين المغاربة؟ قبل بداية الأزمة (في أواسط 2007)، كانت النسبة العامة للبطالة تبلغ 6,1%، غير أنها بين المغاربة كانت تبلغ 12,2%، أما بين النساء، فقد كانت النسبة العامة 10,5 % مقابل 23,1%. وهو ما يعني أنه حتى في أوج الازدهار الاقتصادي في إسبانيا، فإن المهاجرين المغاربة كانوا يعانون صعوبات أكبر من غيرهم في الحصول على عمل. فما الذي حدث بعد سنتين من ذلك؟ في أواسط سنة 2009، وصلت نسبة البطالة 39,4% بالنسبة للرجال و 49,8% من النساء المولودات في المغرب، أي أن 40% من الرجال ونصف النساء ليس لديهن عمل أو هم يبحثون عن عمل. وهذه الزيادة في نسبة البطالة هي نتيجة لعاملين: دخول مجموعة من الأشخاص لم يسبق أن كانت لهم تجربة سابقة في الشغل(الشباب والمهاجرون الوافدون حديثا) من جهة، ومن جهة ثانية، أولئك الذين كان لديهم عمل ثم فقدوه. وهذه المجموعة الأخيرة تضم ما يقارب 100 ألف شخص: العاملون المغاربة من الجنسين كانوا يمثلون 355 ألفا في 2007، لينخفض الرقم إلى 257 الفا بعد سنتين، وهو ما يعني فقدان 28% من العمل الذي كان متوفرا قبل الأزمة. ومن جراء هذه الوضعية، ارتفعت بشكل مقلق نسبة البيوت التي لا يوجد بها أي شخص يعمل، فقد كانت بنسبة 18000 بيت (5%) في 2007، لتبلغ 98000 (26%) سنة 2009. بعبارة أخرى، أن بيتا واحدا من بين كل أربعة بيوت يتواجد بها أشخاص من أصل مغربي كل سكانه عاطلون عن العمل. وهذا الوضع خطير، ويمكن ألا نكون قد وصلنا إلى اللحظة الأسوأ من أزمة البطالة. 3. هل توجد ميزات خاصة تجعل من هذه الفئة الاجتماعية (المغاربة) أكثر عرضة من غيرها لويلات الأزمة الاقتصادية؟ لعل الاندماج في سوق العمل للهجرة المغربية متعلق بخصوصيات المهاجرين أنفسهم، ويمكن التركيز من ضمنها على مستوى التكوين المتدني وقلة الخبرة بالعمل (العديد لم يسبق لهم العمل في المغرب، وحصلوا على عملهم الأول في إسبانيا). لكن أغلب هذه الخصوصيات لا علاقة لها بالمهاجرين، بل ترتبط بعوامل بنيوية لسوق العمل وبالصورة النمطية الموجودة حيال الأشخاص الوافدين من المغرب. فأغلبية المغاربة والمغربيات حصلوا على فرص شغل في مجالات غير مسقرة، تتميز بظروف عمل قاسية و بأجور متدنية. ومن جهة أخرى، فثمة مجموعة من الصور النمطية السلبية (حول "المورو" ومعتنقي الدين الإسلامي) التي تميل إلى وضع هؤلاء في أسوء الأوضاع المهنية، حتى بالمقارنة مع مجموعات مهاجرة أحدث منها عهدا بالهجرة إلى إسبانيا. غير أنه، من وجهة النظر المقارنة، من غير الصحيح التأكيد أن المغاربة يوجدون دوما في أدنى سلم العمل. 4. كيف يتم النظر إلى هذا الوضع من وجهة النظر المقارنة مع باقي المجموعات المهاجرة؟ إن الفرق الأساسي بين وضعية المغاربة هي نسبة البطالة العالية، فقد بلغت 41,7 % (بالنسبة للجنسين، في الربع الثاني من 2009)، بعيدا عن مجموعات أخرى متضررة مثل الدومينيكيين (34,9%) و البلغاريين (33,1 %) والكولومبيين (29,9%). بخصوص الدخل، لدينا فقط معطيات سابقة للأزمة، فوفق البحث الوطني للهجرة (2007)، فالرجال يربحون أقل (1063 يورو) من متوسط المهاجرين (1218 يورو)، متجاوزين فقط البوليفيين (983 يورو) من بين المجموعات الأكثر عددا. أما وضع النساء فكان أفضل إلى حد ما على الرغم من أنهن كن يربحن أقل (795 يورو) من معدل المهاجرات الكلي (854 يورو)، غير أنهن يتجاوزن معدل راتب الإكوادوريات والدومينيكيات والبلغاريات والروما نيات والبوليفيات. 5. ما تعليقكم على سياسة الحكومة المركزية والحكومات الجهوية إزاء الوضع الجديد؟ لقد شهدت سياسة الحكومة المركزية منعطفا حيال الهجرة منذ بداية الأزمة، ففي الفترة ما بين 2004 و 2008، تم تقليص نسبة الإقامة غير القانونية بشكل كبير، مع تسهيل الحصول على تراخيص العمل وتشجيع التعاقد في البلدان الأصلية وفتح باب تسوية الوضعية عبر الأقدمية. ولكن منذ 2008، بدأ الترويج لفكرة أنه من الأفضل لجزء من المهاجرين الرحيل عن إسبانيا (خطط العودة للمهاجرين العاطلين) وتم إغلاق التعاقد مع العمال في البلدان الأصلية، كما بدأ التركيز على مراقبة الحدود وملاحقة المهاجرين غير القانونيين. وهذا التغير يمكن أن يمس المهاجرين بوتيرة أكبر حيث تتهددهم إمكانية فقدانهم تراخيص العمل بسبب البطالة. أما بخصوص الجوانب الإيجابية، فإن مجموع المهاجرين الذين كانوا يعملون في وضعية قانونية يستفيدون من التعويضات والمساعدات على شاكلة باقي المهاجرين: التأمين على البطالة والمساعدات الطويلة الأمد. أما فيما يخص الحكومات الجهوية، فيجدر التذكير أنه ليست لها صلاحيات في مجال سياسة الهجرة أو التحكم في سوق العمل، وليس من السهل الحكم على السياسة الاجتماعية لهذه الحكومات لوجود 17 نموذجا تبعا لعدد هذه الحكومات. 6. ماهي التحديات المستقبلية بالنسبة "للجيران الجدد" في إسبانيا وأوروبا؟ التحديات كثيرة في الوقت الحاضر، غير أنني أشدد على مسألتين أساسيتين: الأولى تتمثل في تفادي استخدام المهاجرين (المغاربة ومن أصول أخرى) أكباش فداء، وتحميلهم وزر أمر يعتبرون ضحاياه، وفي هذا الصدد، وجبت محاربة التفسيرات "الثقافوية" التي تحاول أن تنسب إلى "عيوب" في بعض الفئات الاجتماعية، وضعية البطالة والحالة الاجتماعية المتردية التي تعيشها. من جهة أخرى، فمن البديهي القول أن الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للساكنة المهاجرة لا يمكن حلها بمنأى عن حماية وتحسين الحقوق الاجتماعية لمجموع العمال في هذا البلد. وبالتالي، ورغم صعوبة رصد المصالح المتضاربة على الساحة، فمن اللازم دعم كل الإجراءات التي من شأنها المساهمة في تحسين وضع كل العمال. للاطلاع بتفصيل على البحوث، يرجى الدخول إلى الموقع: www.colectivoioe.org