أقدمت اسبانيا في خطوة خطيرة على احتلال جزء جديد من أرض المغرب ويتعلق الأمر بجزيرة تاورة (ليلى) التي كان المغرب قد أقام عليها في خطوة عادية من خطوات السيادة مركزا للحراسة. وكان المسؤولون المغاربة قد فسروا هذه الخطوة بالضرورة التي تفرضها مراقبة هذه المنطقة المعروفة بأنشطة تهريب المخذرات وأنشطة شبكات الهجرة السرية. ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تنزل فيها قوات مغربية في هذه الأرض المغربية التي لم تكن في يوم من الأيام محل نزاع بين المغرب وإسبانيا ولا خضعت في يوم من الأيام للاحتلال الإسباني. وحتى لو افترضنا ذلك فإنه من الطبيعي أن يأتي اليوم الذي يمارس فيه المغرب سيادته على كامل أرضه وترابه. اسبانيا بخلفيتها وحمولتها الاستعمارية التي لم تتلخص منها بعد بدليل أنها هي الدولة الوحيدة التي لا تزال تحافظ على جيوب استعمارية في إفريقيا، أقامت الدنيا ولم تقعدها تجاه هذه الخطوة وجيشت طائراتها التي صارت تخترق المجال الجوي المغربي وقطعها البحرية التي صارت تخرق المياه الإقليمية، ورغم المفاوضات التي جمعت المسؤولين المغاربة مع المسؤولين الإسبان والتي اتفق فيها الطرفان على حل الخلاف بينهما بالطرق السلمية فإنها في صبيحة يوم أمس الأربعاء قامت باحتلال الجزيرة واعتقال بعض الجنود المغاربة القلائل الذين كانوا في مركز الحراسة المذكورة واستمرت الطائرات تحلق في المنطقة والسفن الحربية تتحرك بالقرب منها في مشهد حربي هوليودي لا يتناسب مع حجم الجزيرة ولا مع حجم القوات المغربية التي كانت على الجزيرة ومع الموقف المغربي الذي ظل يؤكد على الحل السلمي عبر المفاوضات حلا وحيدا للمشكلة. هذا التطور الدراماتيكي من الجانب الإسباني لا يمكن أن يفهم إلا من خلال أمرين اثنين: الأول الخلفية الاستعمارية التي لا تزال حاضرة عند الحاكمين في إسبانيا رغم انتهاء عهد الديكتاتورية، فرغم أن الظاهرة الاستعمارية في إفريقيا هي جزء من القرن الماضي لا زلنا نجد إسبانيا مستمرة في احتلال مدينتي سبتة ومليلية والجزر المغربية، ثم جاء احتلال جزيرة "تاورة" ليؤكد هذا الأمر. الثاني استشعار اسبانيا للخطر المحدق باستمرار وجودها الاستعماري بالمدينتين المحتلتين مع اعتزام المغرب بناء ميناء بتطوان وهو ما ستكون له مضاعفات اقتصادية واجتماعية سلبية على المدينتين مما يمكن أن يكون عاملا من العوامل التي تعجل بإنهاء الاستعمار فيهما. وهذه الخطوة الإسبانية يمكن فهمها من جهة ثالثة إذا استحضرنا أن إسبانيا مثلها في ذلك مثل الجزائر لا تحب أن ترى مغربا قويا مزدهرا باسطا لسيادته على كل أراضيه متحكما في ثرواته البحرية حاميا لاقتصاده من استنزاف التهريب". وإذا كان بالإمكان فهم الموقف الإسباني من خلال الخلفيات المذكورة فإن ما لا يمكن استساغته هو موقف الاتحاد الأوروبي الذي سارع إلى تبني الأطروحة الإسبانية دون قيد أو شرط. إن المغرب بعد هذا الحادث يقف في موقف تحدي تفرضه عليه الروح الاستعمارية الإسبانية التي لم تؤثر فيها متغيرات القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين، ولقد عرف المغرب عبر تاريخه كيف ستجيب لمثل هذه التحديات وكيف يسترجع حقوقه ويحقق وحدته بالوسائل الديبلوماسية وغيرها وخاصة من خلال إيمانه بحقه وإجماعه على المحافظة على وحدته وسيادته على كامل أرضه وترابه ومياهه الإقليمية مهما سعت اسبانيا إلى تزوير الحقائق التاريخية والاستقواء بحلفائها على الباطل الذي هي عليه، وطال الزمن أو قصر فإن الإجماع المغربي سيهزم الغطرسة الإسبانية.