عجز الميزانية يتفاقم منتقلا من 1.7 إلى 6.9 مليارات درهم بين يناير 2024 ويناير 2025    الصين تطلق أول نموذج كبير للذكاء الاصطناعي مخصص للأمراض النادرة    أمطار مرتقبة في توقعات طقس السبت    أمن والجمارك بميناء طنجة …إحباط محاولة لتهريب 1852 وحدة من المفرقعات والشهب النارية وتوقيف شخص للاشتباه في تورطه في تهريب مواد قابلة للاشتعال تشكل خطرا على الأشخاص والممتلكات    القوة الناعمة.. المغرب يحافظ على مكانته العالمية ويكرس تفوقه على الدول المغاربية    المغرب يطلق أول رحلة جوية خالية من الكربون نحو أوروبا بوقود طيران مستدام    "تصريحات تهكمية" تضع وهبي في مرمى نيران نادي قضاة المغرب    حماس تفرج عن 6 رهائن السبت، مقابل سجناء بينهم 108 سيتم ترحيلهم خارج الأراضي الفلسطينية    ستقلب المعادلات..عين المغرب على المقاتلات الشبح    انفجار ثلاث حافلات في تل أبيب، ويعتقد أنه "هجوم على خلفية قومية"    قرعة دوري أبطال أوروبا.. ديربي مدريدي وقمتان ناريتان    النصيري يدخل التاريخ مع فنربخشة التركي    إدارة الرجاء توجه رسالة إلى جمهورها قبل مباراة الكلاسيكو    خلال رمضان.. 272 واعظا لمواكبة مغاربة العالم في 13 دولة    بلاغ هام من الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء    أربعيني في قبضة أمن الحسيمة    زخات رعدية وصقيع بهذه المناطق    رمضان 2025.. كم ساعة سيصوم المغاربة هذا العام؟    دراسة: هذه أفضل 4 أطعمة لأمعائك ودماغك    هل نبدأ في فقدان شبابنا بعد الخامسة والثلاثين؟    رفع الستار عن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان روح الثقافات بالصويرة    تقدم في التحقيقات: اكتشاف المخرج الرئيسي لنفق التهريب بين المغرب وسبتة    المنتخب النسوي يفوز وديا على غانا    لجنة تتفقد المناخ المدرسي ببني ملال    حادث سير يصرع شابة في الناظور    "برلمانيو الأحرار" يترافعون عن الصحراء    المؤتمر الوطني للعربية ينتقد "الجائحة اللغوية" ويتشبث ب"اللسانَين الأم"    حوار مع "شات جيبيتي".. هل الأندلس الحقيقية موجودة في أمريكا؟    "ميزانية المواطن".. مبادرة تروم تقريب وتبسيط مالية جهة طنجة للساكنة    "الفوبريل" يدعم حل نزاع الصحراء    فوز صعب ل"الماص" على المحمدية    الحصبة.. مراقبة أكثر من 9 ملايين دفتر صحي وتخوفات من ارتفاع الحالات    المدير السابق للاستخبارات الفرنسية للأمن الخارج: المغرب كان دائما في طليعة مكافحة الإرهاب    ارتفاع المداخيل الضريبية بنسبة 24,6 في المائة عند متم يناير 2025    أزولاي: البصمة المغربية مرجع دولي لشرعية التنوع واحترام الآخر    اختتام القمة العربية المصغرة في الرياض بشأن غزة من دون إصدار بيان رسمي    من العاصمة .. الإعلام ومسؤوليته في مواجهة الإرهاب    الملتقى الوطني الاتحادي للمثقفات والمثقفين تحت شعار: «الثقافة دعامة أساسية للارتقاء بالمشروع الديمقراطي التنموي»    محكمة بالدار البيضاء تتابع الرابور "حليوة" في حالة سراح    الملك محمد السادس يحل بمطار سانية الرمل بتطوان استعدادًا لقضاء شهر رمضان في الشمال    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    المغرب يشارك في الدورة ال58 لمجلس حقوق الإنسان    فحوصات الجيش الإسرائيلي لجثمان يحيى السنوار أظهرت خلو دمه من أي تأثير لمواد مخدرة    إسرائيل تفرج عن 602 فلسطيني السبت    المغرب ضيف شرف المعرض الدولي للفلاحة بباريس.. تكريم استثنائي لرائد إقليمي في الفلاحة الذكية والمستدامة    روايات نجيب محفوظ.. تشريح شرائح اجتماعيّة من قاع المدينة    إطلاق تقرير"الرقمنة 2025″ في المنتدى السعودي للإعلام    الاقتصاد السوري يحتاج إلى نصف قرن لاستعادة عافيته بعد الحرب التي دمرته    حوار مع "شات جيبيتي" .. هل تكون قرطبة الأرجنتينية هي الأصل؟    أوشلا: الزعيم مطالب بالمكر الكروي لعبور عقبة بيراميدز -فيديو-    "حماس" تنتقد ازدواجية الصليب الأحمر في التعامل مع جثامين الأسرى الإسرائيليين    سفيان بوفال وقع على لقاء رائع ضد اياكس امستردام    طه المنصوري رئيس العصبة الوطنية للكرة المتنوعة والإسباني غوميز يطلقان من مالقا أول نسخة لكأس أبطال المغرب وإسبانيا في الكرة الشاطئية    6 وفيات وأكثر من 3000 إصابة بسبب بوحمرون خلال أسبوع بالمغرب    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البراجماتية نشأتها وأثرها على سلوك المسلمين
نشر في تطاوين يوم 03 - 03 - 2011


بقلم :ذ. محمد عادل التريكي *
ابتُليت الأمة الإسلامية عبر تاريخها بتيارات هدامة تسعى إلى الفتك بجسمها وتشتيت فكرها وإهدار كرامتها، وتمزيق هويتها، والحيلولة بينها وبين الوصول إلى أهدافها وغايتها. وقد تدرجت تلك التيارات في خطورتها وضلالتها كما تدرجت وتباينت في خفائها وتلبيسها على أبناء هذه الأمة. وإن من تلك التيارات التي بدأت تتشكل وتستشري بين أفراد هذه الأمة ومثقفيها (التيار البراجماتي) الذي يدعو إلى الذرائعية، وتمييع المفاهيم، وتقديس الواقعية، وتسويغ الوسائل للوصول إلى الغايات العملية.
هذا الفكر الدخيل وجد أتباعاً ومريدين، بل ودعاة ومروجين له ولو لم يسمعوا به من قبل أو يخطر لهم على بال. وهذا البحث المختصر يلقي الضوء على نشأة هذا التيار وأسباب انتشاره وأثره على سلوك المسلمين وتوجهاتهم الأدبية والإعلامية والاقتصادية.
ما هي البراجماتية؟
إن البراجماتية اسم مشتق من اللفظ اليوناني براجما (Pragma) وتعني "العمل". وعرفها قاموس ويبستر العالمي (Webster) "بأنها تيار فلسفي أنشأه شارلز بيرس(Eirce) ووليام جيمس(William James) يدعو إلى أن حقيقة كل المفاهيم لا تثبت إلا بالتجربة العلمية".
أما ديوي(Deey )فقد وصف البراجماتية بأنها "فلسفة معاكسة للفلسفة القديمة التي تبدأ بالتصورات، وبقدر صدق هذه التصورات تكون النتائج، أما البراجماتية فهي تدعُ الواقع يفرض على البشر معنى الحقيقة، وليس هناك حق أو حقيقة ابتدائية تفرض نفسها على الواقع".
وكما يؤكد جيمس الذي طور هذا الفكر ونظر له في كتابه "البراجماتية" (Pragmatism)، فإن البراجماتية لا تعتقد بوجود حقيقة مثل الأشياء مستقلة عنها. فالحقيقة هي مجرد منهج للتفكير كما أن الخير هو منهج للعمل والسلوك؛ فحقيقة اليوم قد تصبح خطأ الغد؛ فالمنطق والثوابت التي ظلت حقائق لقرون ماضية ليست حقائق مطلقه، بل ربما أمكننا أن نقول: إنها خاطئة.
ما بين العلمانية والعقلانية:
يخلط من يعتبر البراجماتية مصطلحاً مرادفاً للعقلانية؛ فالبراجماتية تقرر أن الحقيقة أو التجربة أو الواقع يتغير، أما الواقع والحقيقة في نظر العقلانية فهي قائمة منذ الأزل؛ فبمقدار ما ينظر العقلانيون إلى الماضي يعتد البراجماتيون بالمستقبل وحده. أما العلمانية أو "اللادينية" بتعريفها العلمي الدقيق فقد كانت وما تزال منهجاً فكرياً هداماً تسللت من خلاله أفكار الغرب وقيمهم التي حملها وكان من أخلص دعاتها بَعْضٌ من أبناء هذه الأمة وفلذات كبدها. إلا أن تيار الصحوة الإسلامية الذي اجتاح بفضل الله ورحمته بقاع الأرض تصدى لهذا الفكر الفاسد وعرَّى دعاته ورد كيد مروِّجيه؛ فلم يعد للعلمانية في عدد من ديار المسلمين التي نضجت فيها الصحوة ونمت وأثمرت مشاعل خير وهدى، لم يعد لها بريق أخاذ كما كانت في الماضي؛ فقد أصبحت الأصوات المنادية بأفكارها نشازاً، ودعاتها منبوذين، واستبانت للجماهير "سبيلُ المجرمين" وطرقُهم. فلم يعد مقبولاً في أكثر بلاد المسلمين أن ينعق أحد بالقول: "ما للإسلام وسلوكنا الشخصي؟"، "وما للإسلام وزي المرأة؟"، "وما للإسلام والأدب؟"، "وما للإسلام والاقتصاد؟". لكن هذه الأصوات تجد آذانا صاغية، بل وأتباعاً ومريدين ومؤيدين حينما تنهج الفكر البراجماتي فتقول: « إنه لا بأس بوجود القنوات الفضائية العربية الماجنة طالما أنها تصرف المشاهدين المسلمين عن القنوات الكفرية المنحلة »، أو تنادي بأن التمكين في الأرض واستخلافها يسوِّغ بعض الربا إذا ما أدى إلى انتعاش موارد الأمة وقوة اقتصادها. كما أنه ليس في بعض الكفر والإلحاد بأس إذا ما أنتج الأدب إبداعاً ثقافياً مميزاً. فهذا المذهب الذرائعي البراجماتي ربما كان مطية يمتطيه أصحاب الفكر العلماني للوصول إلى مآربهم وأهدافهم في تمييع شرائع الدين ونقض أصوله وثوابته.
والحق أن البراجماتية على هذا النحو تعد أكثر خطراً على سلوك المسلمين وعامتهم من العلمانية في وقتنا المعاصر. كما أن دعاتها الذين استمرؤوا هذا الفكر ودافعوا عنه، وروجوا له وحسنوه في أعين الناس، وارتضوه معتقداً ومنهجاً لسلوكهم ليسوا مجرد عُصاة، بل مبتدعة ومحدثون يسري فيهم قول الرسول: » ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة« وقوله : » من أحدث فيها أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين «. وهم أشد من مرتكبي المعاصي المقصرين والمعترفين بذنوبهم وآثامهم، فكما قال سفيان الثوري: "البدعة أحب إلى إبليس من المعصية؛ فإن المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها". فخطرهم قد امتد إلى كثير من نواحي الحياة ولم يقتصر على السلوك الشخصي لأبناء الأمة بل تجاوزه إلى التغلغل إلى معاملاتهم الاقتصادية وتوجهاتهم الأدبية ومناهجهم السياسية ومنطلقاتهم الإعلامية.
البراجماتية في الأدب:
إن التزام المسلم فيما يكتب ويقول يعد مبدأ هامّاً من المبادئ المقررة في الشريعة وهو "الالتزام" الذي تدعو إليه أدبيات الدعوة، وسيرة السلف الصالح. فحياة المسلم وأفكاره ومنطلقاته لا تسير عبثاً ولا تتشكل ارتجالاً، بل قوامها ومرجعها الثوابت الأساسية والشرائع الربانية التي تعد الإطار العام الذي ينظم للمسلم منطلقاته وتوجهاته العلمية والأدبية والسياسية والاقتصادية وسائر حياته العامة.
والناظر إلى المذاهب الأدبية المتعارضة والمتناقضة، يجد أنها كانت نتاج أزمات وردود أفعال زمنية مَرَضِيَّة مرتبطة بالحالات والأزمان التي عايشتها. لذا فقد ظهرت تلك الأفكار ونمت تلك الاتجاهات الأدبية المريضة وما يقابلها من اتجاهات معاكسة، وانبثقت من المجتمعات التي تسودها الأنانية المطلقة والحرية الفردية التي تقدس الوحدوية، وتسعى إلى نقل ذلك التقديس الفردي إلى ما يصدر عن ذلك الفرد من أقوال لا ترتبط بثوابت ولا بقيم.
وقد كان للاتصال بالغرب والتتلمذ على أيديهم، الأثر الكبير في تبني تلك المذاهب الأدبية المنحرفة، فبدافع الواقعية أو البراجماتية في الاستفادة من العلوم الغربية ومحاكاة الغرب والتنافس معه في طلب العلم والمعرفة أقبل الأدباء والمفكرون المسلمون على تبني تلك المناهج الأدبية المنحرفة وسايروا توجهاتهم الفكرية والأدبية، ونقلوها على علاتها وأسقامها، فظهر المتبنون للمناهج الأدبية التي منها تلك المناهج التي تجعل كاتب النص أو مستقبله يترفع عن المبادئ والقيم التي تحكم المجتمع، فيقرأ المستقبل للنص وهو يشارك القائل الحرية في معناها الإنساني دون أن يكون للنص علاقة بصاحبه أو بمظاهر الحياة أو قيمها التي تسود في ذلك الزمن الذي صدر فيه النص. كما ظهر أولئك المسايرون للمذاهب الحداثية في دراسة النصوص، فاعتنوا بالشكل دون المضمون، وأصبحت دراسة النص لديهم تنْحو المنحى التحليلي المعتمد على الدلالات والرموز والطلاسم والإشارات المتحررة من جميع النزعات الدينية أو السياسية أو المذهبية، وتخلَّوْا عن مصطلحات النقد العربي إلى المصطلحات الغربية ليضفوا على توجهاتِهم الشرعيةَ والعلميةَ فتحوَّل المجاز في اللغة إلى "انحراف" ودلالات الألفاظ إلى "سيميوتيكا"، والإشارات الموحية إلى "سوسيولوجيا"، وقواعد اللغة إلى زوايا وخطوط وتقاطعات وتداخلات هندسية، وحلت هذه المصطلحات محل مصطلحات النقد الأدبي الموروث ليختلط بذاك المعنى مع التركيب مع الدلالة ولتصبح إبداعاً وابتكاراً وتجديداً يختلط فيه الصحيح مع السقيم والحق مع الباطل والخير مع الشر دونما رابط أو محدد أو إطار ينظم ذلك الإبداع ويقوِّمه.
المراجع:
1فيض القدير لعبد الرؤوف المناوي: 1/526، ط1/1356ه ، المكتبة التجارية الكبرى-مصر.
2 مصنف عبد الرزاق :9/263 ح 17153 ط2/1403ه المكتب الإسلامي-بيروت ، بتحقيق حبيب الرحمن الأعظمي.
*رئيس ومدير التحرير لمجلة ال البيت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.