كشف سوء تفاهم بين مديرة دار الثقافة في تطوان، سميرة القادري، ومدير أعمالها في الخارج، عن عدة ملفات «ساخنة» تهم مندوبية وزارة الثقافة ودار الثقافة، مثلما كشف عن استغلال للصفة من أجل تحقيق مكاسب مالية ضخمة، وعن وجود تواطؤ مكشوف بين بعض المسؤولين، الذين يغضون الطرف عنها، مقابل مصالح متعددة. لكن يبقى الأخطر في كل ذلك هو وجود حساب بنكي لمديرة دار الثقافة خارج المغرب، وعدم إيداع الأموال لدى بنك وسيط، واستيراد العملة الوطنية بدون علم مكتب الصرف. وما تنشره «المساء» في هذا التحقيق، استنادا إلى وثائق تتوفر على نسخ منها. ليس سوى قمة جبل الجليد يحدث في دار الثقافة في تطوان وفي مندوبية وزارة الثقافة في جهة طنجة تطوان... أدى سوء تفاهم بين مديرة دار الثقافة في تطوان، سميرة القادري، ومدير أعمالها الغنائية في الخارج، إلى الكشف عما يجري داخل مندوبية وزارة الثقافة ودار الثقافة في المدينة، مثلما كشف عن وجود حساب بنكي لمديرة دار الثقافة خارج المغرب، ما يعني، حسب القانون، «تكوين أموال لدى بنك أجنبي دون رخصة من مكتب الصرف»، في تجاوز واضح لمقتضيات ظهيري 1949 و1959، المنظمين لهذا الشأن، و«عدم إيداع الأموال لدى بنك وسيط»، و«استيراد العملة الوطنية بدون علم مكتب الصرف». وما ننشره في هذا التحقيق، استنادا على عدة وثائق تتوفر «المساء» على نسخ منها، لا يعتبر سوى «غيض من فيض» أو رأس جبل الجليد، تقول مصادرنا، لما يحدث في دار الثقافة في تطوان، أو في مندوبية وزارة الثقافة في الجهة، التي يرأسها المهدي الزواق.
حسابات مالية في بنك أجنبي وفق نسخة تاريخ الازدياد، التي تتوفر «المساء»، عليها فإن اسم مديرة دار الثقافة الحقيقي هو سميرة قدري، وليس «القادري»، حيث يقول مصدرنا إنها تفضل استعمال اسم القادري، للإيهام بانتمائها إلى الزاوية القادرية، حيث تعرف مؤسسة «دار الثقافة»، التي تديرها «القادري»، غيابا مستمرا لهذه الأخيرة، تحت عدة مبررات. فهذه الأخيرة معروفة بتنقلاتها الكثيرة إلى الخارج، لتقديم وصلات ومعزوفات غنائية، غرناطية وسفردية، مقابل مبالغ مالية خيالية. لكن سميرة القادري تفضل، أيضا، ودائما حسب الوثائق المذكورة سالفا، إيداع تلك الأموال في حسابها الشخصي في بنك إسباني، في مدينة قادس الأندلسية، دون رخصة من مكتب الصرف المغربي، وهو الحساب البنكي المالي الذي تتوفر «المساء» على رقمه. ووفق الوثائق ذاتها، فقد تم إيداع مبالغ مالية كبيرة في هذا الحساب، وهي مبالغ بالعملة الصعبة تتقاضاها مديرة دار الثقافة مقابل عدة معاملات خارج وداخل المغرب، كما يكشف عن عمليات إخراج العملة المغربية إلى الخارج. وتكشف رسائل إلكترونية تتوفر عليها الجريدة، مرسلة من طرف من سميرة قدري إلى إسباني يدعى كولومب روبين، تطالبه فيها بأن يضخ في حسابها في مدينة قادس الأندلسية، تعويضها عن إحياء سهرة هناك، حيث تكشف وثيقة أخرى طلبها إيداع مبلغ 2000 أورو، ومبلغ آخر بقيمة 6000 أورو، و200 أورو، و3300 أورو... تدخلات عائلية في يوم الأحد، 3 أكتوبر الماضي، زار وفد معتمَد من قِبَل وزارة الثقافة مدينة المضيق، التابعة لعمالة المضيق -الفنيدق. تمَحور هدف زيارة وفد وزارة بنسالم حميش، الذي كان مرفوقا بمندوب وزارته في تطوان، المهدي الزواق، وبمديرة دار الثقافة، سميرة قدري، حول تشييد مسرح في الشارع الرئيسي، يجاور عمالة المدينة السياحية. لكن ما آثار استغراب ودهشة مصدرنا هو حضور زوج مديرة دار الثقافة، المهندس توفيق المرابط، حيث قدمه المهدي الزواق كأحد ألمع المهندسين المعماريين، من أجل دعمه في تصميم هندسة المسرح... في نهاية الزيارة، تم التوصل إلى اتفاق يقضي بقبول المقترَح، حيث يتبين تدخل مباشر للتزكية وتواطؤ عدة جهات مع سميرة قدري، من أجل قبول زوجها لبناء المشروع الثقافي. بعدها بأيام، وبالتحديد في يوم 17 أكتوبر 2010، ستتوصل سميرة القادري برسالة عبر البريد الإلكتروني، من مسؤول يدعى سعيد أمل، يطالبها فيه بإرساله الملف التقني الخاص بزوجها توفيق المرابط، حيث سيخول له صفة المشرف على تشييد وبناء المسرح، وهو ما طرح تساؤلات عدة داخل أوساط المهندسين المعماريين، الذين تساءلوا عما إذا كان قد تم الإعلان عن طلب عروض أو عقد اجتماع للهيئة المخول لها قانونيا تفويت الصفقة لزوج سميرة قدري، وعلى أي أساس قانوني تم ذلك، كما تساءل المهندسون المعماريون عما إذا كان قد تم احترام المساطر القانونية في هذا الشأن.
مهرجانات لأهداف شخصية في سنة 2008، تم تنظيم مهرجان العود في تطوان من قِبَل وزارة الثقافة. خلال ذلك المهرجان، تم الاتفاق مع العازف الإسباني إدواردو غارسيا بانياغوا غارسيا كالديرون. خلال هذا المهرجان الذي يتم تمويله من طرف وزارة الثقافة، سمح كل من المهدي الزواق، المندوب الجهوي لوزارة الثقافة، ومديرة دار الثقافة لإدواردو غارسيا كالديرون بانياغوا بتسجيل الوصلات الموسيقية للعزف على العود، من أجل إنجاز قرص موسيقي مدمج، يعرض حاليا للبيع في جميع أنحاء العالم، وخصوصا في الأسواق الإسبانية. والمثير في هذه الصفقة هو أن غارسيا كالديون هو موسيقي وفي نفس الوقت مهندس معماري، معروف في مدريد بتقديم سهراته الموسيقية داخل ناد يدعى المركز السفردي الإسرائيلي، وفق ما اطلعت عليه «المساء» في برامج سهراته، حيث خصصت إحداها لتكريم اليهودي سليمان بن يحيى بن جبيرول، وهو شاعر وفيلسوف يعتبره اليهود من أبرز أعلامهم في الأندلس. وتتساءل مصادرنا عن الأسباب الكامنة وراء استدعاء هذا العازف الإسباني لثلاث سنوات متتالية، من سنة 2008 إلى 2010؟... جوابا على هذا التساؤل، تقول مصادرنا إن «إدواردو» هو نفسه منتج ألبومات سميرة القادري الغنائية، التي تتقاضى عنها الأخيرة مبالغ مالية مهمة، والذي تحجز له رفقة المهدي الزواق غرفا في فندق «مدريد» في شفشاون، حسب الوثائق التي تتوفر الجريدة على نسخ منها، مستغلة مساهمات وميزانيات وزارة الثقافة في عدة أنشطة «ثقافية» في أغراض شخصية خلال سفرياتها داخل وخارج المغرب، حيث تباشر اتصالاتها مع منتجين أجانب لتسجيل مقطوعات غنائية، كما هو عليه الحال بالنسة إلى يانيس بابايوانو. وقد قع عقد القرص الغنائي المدمج كل من المهدي الزواق وسميرة القادري وبانياغوا، إذ استفادت كل من سميرة القادري والزواق من 1000 قرص مدمج، بقيمة 3000 أورو... وقد أثيرت هذه الاختلالات من قبل بانياغوا نفسه في بريده الإلكتروني، المؤرخ يوم 28 يونيو 2010، إذ يقول فيه إنه كان ينبغي توقيع ذلك العقد من طرف وزير الثقافة وليس المندوب ومديرة دار الثقافة، مثلما كان يتوجب أن يودع مبلغ 3000 أورو لدى وزارة حميش. مصالح مشتركة أما خلال سهرات «إشراقات رمضانية»، التي نُظِّمت من طرف دار الثقافة، في 28 رمضان 2010، فقد تم اختيار عازف للكمان يدعى نبيل أقبيب، بصفته رئيسا للفرقة الموسيقية. لكن اختيار أقبيب من طرف مديرة دار الثقافة واستفادته من «الكاشي» المالي لم يأت من فراغ، فهذا الأخير هو عازف الكمان لفرقة «أرابيسك»، التي تحتكر الغناء معها سميرة القادري، وهو كذلك أحد مؤسسيها مع مديرة دار الثقافة. من جهة أخرى، تنظم جمعية «تنمية الفن والثقافة» مهرجانا سنويا للعود في مدينة تطوان، يتم تمويل أغلب نفقاته المالية من طرف مندوبية وزارة الثقافة لجهة طنجة -تطوان، إضافة إلى بعض المساهمين الآخرين، فيما يشرف عليه كل من المهدي الزواق، بصفته مديرا جهويا، وسميرة القادري، كرئيسة جهوية ومديرة لدار الثقافة في تطوان، والمهدي التيدي، وهو موظف «رهن الإشارة» في دار الثقافة، بصفته «محاسبا». المثير للاستغراب في هذا المهرجان كذلك هو أن مموليه هم أنفسُهم من أكبر المستفيدين منه. ففي سنة 2009، أدرج هؤلاء الثلاثة، بصفتهم المشرفين عليه، مبلغ 16 ألف كتعويض عن التنقلات، وهو «مبلغ كبير جدا»، تقول مصادرنا، متسائلة كيف تم ذلك، علما أن مبلغ تعويضات السفر تم إدراجه في ميزانية أخرى للمهرجان، كتنقلات داخلية لمدة ثلاثة أيام، من 22 ماي إلى غاية 24 منه... وبذلك، يكون الأعضاء الخمسة المشرفون على المهرجان قد تقاضوا مبلغ 3200 درهم لكل واحد منهم. وتؤكد إحدى الوثائق التي تتوفر عليها «المساء» أن فرقة يونانية تقاضت لوحدها في مهرجان للعود، «البسيط في شكله ونوعه»، في دورته لسنة 2008، مبلغ 12 ألف أورو، فيما بلغت ميزانية المهرجان للسنة الماضية 45 مليون سنتيم و200 ألف درهم، أما ميزانيته لسنة 2010 فقد ارتفعت إلى 65 مليون سنتيم، وفق الجدول رقم 10 لبطاقة حول العمليات والأنشطة الثقافية، صادرة عن المديرية الجهوية لوزارة الثقافة في جهة طنجة -تطوان، والتي بلغت ميزانية تكلفتها الإجمالية 326 مليون سنتيم و500 ألف درهم .. مهرجان آخر لا يقل أهمية عن «مهرجان العود»، وهو مهرجان «أصوات نسائية» كانت سميرة القادري تشغل صفة مديرة في نسخته الأولى، فيما شغل المهدي الزواق منصب نائب الرئيس. أدت مديرة دار الثقافة مقطوعات غنائية لها في المهرجان المذكور، حيث حصلت على مبلغ مالي جد هام من وراء ذلك، لكن تبقى المفارقة هي أن مديرة دار الثقافة هي نفسها المساهمة في المهرجان، وهي نفسها المديرة، وهي المغنية!... أما في السنة التي قبلها، أي في سنة 2007، فقد استدعت مديرة دار الثقافة فرقة غنائية فرنسية من مدينة مارسيليا، لتقديم سهرة غنائية تم تنظيمها في «دار الثقافة» من طرف مديرة هذه الأخيرة، سميرة القادري، التي حصلت من وراء تلك السهرة على مبلغ 2900 أورو. بعد ذلك، ستتوجه المديرة، رفقة فرقتها «أرابيسك»، إلى مدينة مارسيليا، لتؤدي معزوفاتها الغنائية هناك، حيث تقاضت مبلغ 14700 أورو. أما بالنسبة إلى المهدي الزواق، المندوب الجهوي لوزارة الثقافة والمدير الجهوي لجمعية «تنمية الفن والثقافة»، فقد غض الظرف –بدوره- في هذه الاختلالات، حيث لم يتسنَّ لنا التأكد من فرضية تحويله مبلغ 110 آلاف درهم، ما يستدعي فتح تحقيق جاد ومسؤول في هذه «الاختلالات» التي تعرفها المندوبية الجهوية لوزارة الثقافة وميزانيات الأنشطة التي تشرف عليها، والتي يتم تمويلها من المال العام. وفي اتصال مع سميرة القادري، ذكرت هذه الأخيرة أن «مدير أعمالها السابق انطلق في شن حملة ضدها، بعد حدوث خلاف بينهما، بعدما عملا معا لمدة طويلة»، وأن وراء الأمر أيادي خفية تتعاون معه، مشيرة إلى أنه «يريد تدميرها وتدمير عائلتها، فنيا وعائليا». وأضافت مديرة دار الثقافة أن مدير أعمالها السابق «لا يهمه الابتزاز المادي، بقدر ما يهمه خلق مشاكل لها داخل الوسط العائلي الفني». اتفاقيات لأهداف خاصة يقول محدثنا إنه لا أحد يستطيع الجمع بين إدارة مؤسسة ثقافية وبين انشغالات أخرى متعددة، من بينها الغناء خارج التراب الوطني، كما هو الحال بالنسبة إلى مديرة دار الثقافة في تطوان. فما بين يومي 30 أكتوبر الماضي و فاتح دجنبر الجاري، «تغيبت مدير دار الثقافة عن عملها بحجة «المرض»، لكن مفاجأة المراقبين كانت كبيرة حينما شاهدوا المديرة نفسها وهي تؤدي وصلاتها الغنائية على خشبة مسرح محمد الخامس، في نفس اليوم، الموافق لفاتح دجنبر الجاري... من جهة أخرى، تصرح سميرة القادري لوسائل الإعلام بكونها أصل مشروع البحر الأبيض المتوسط للثقافات الثلاث، وهي «مزاعم مضللة وعارية من الصحة»، يقول مصدرنا، مستشهدا برسائل إلكترونية متعددة متبادَلة بين سميرة والثنائي إيانيس باباينو، التي تكشف أن هذين الأخيرين هما من يقفان وراء المشروع المذكور. كما أنه ما بين 3 و7 دجنبر من السنة الماضية، توصلت سميرة القادري بدعوة من مدينة شينوف (ديجون) من أجل الغناء، في إطار فعاليات المهرجان المقام هناك، والمنظم في المدينة الفرنسية، بالإضافة إلى تقديم دورات رئيسية لبعض طلاب المدينة. تلقت مديرة دار الثقافة مقابل ذلك مبلغا ماليا قدره 4500 أورو. وخلال تواجد القادري في المدينة الفرنسية، تمكنت من ربط الاتصال بعمدة المدينة وببعض المسؤولين المنتخَبين، لاسيما تييري ويبر، رئيس أوركسترا مدينة شينوف (ديجون) الغنائية. وقد أثمر اللقاء مع رئيس البلدية عن ولادة بعض المشاريع المشترَكة، التي تحقق بعضها، لتتوطد العلاقة في ما بعد بين سميرة القادري وعمدة المدينة الفرنسية، إذ تمخض عن ذلك استدعاء القادري، وبدعم وتزكية من مندوب وزارة الثقافة، تقول مصادرنا، بهدف الاتفاق على مشروع شراكة تموله المديرية الجهوية لوزارة الثقافة في تطوان. بعدها، سيحل حل وفد من مدينة شينوف بتطوان، ما بين 29 شتنبر و3 أكتوبر الماضيين، وفق الوثائق المتبادلة بين سميرة القادري، بصفتها منسقة المشروع، وممثل عن مدينة شينوف. لكنْ، مرة أخرى، سيظهر اسم نبيل أقبيب، مؤسس فرقة «أرابيسك»، التي تحتكر العزف معها سميرة القادري. وقد تساءل المراقبون، مجددا، عما هو دور الموسيقي صاحب الفرقة العازفة، ضمن هذا المشروع. كما تساءلوا عن السبب في إدراج فرقة «أرابيسك» في اتفاقية شراكة متوقعة بين بلدين، علما أن الفرقة هي فرقة موسيقية خاصة لسميرة القادري ولا علاقة لها بالدولة. لكن في ما بعد، «سينكشف» كل شيء، حسب الوثائق التي اطلعنا عليها، حيث اتضح أن «دَور» الموسيقي صاحب الفرقة العازفة كان هو عقد اتصالات مع تيري ويبر، رئيس أوركسترا مدينة شينوف (ديجون) الغنائية، من أجل وضع اللمسات الأخيرة على الحفلات الموسيقية التي ستجمع بين سميرة القادري وبين الفرقة الموسيقية الغنائية الفرنسية، ليتضح، بعد ذلك، أن المشروع كله لم يكن سوى لأهداف شخصية...