كثيرون لم يتوقعوا أن تصل العلاقة بين المغرب وإسبانيا إلى الوضع الحالي؟ لكن النظر في تطورات الأشهر الماضية يجعل من توقع ''التوتر'' مسألة وقت لا أقل ولا أكثر، وذلك في ظل خطاب إسباني مزدوج تجاه المغرب، الأول تمثله الحكومة الاشتراكية، ويحرص على اعتبار العلاقات جيدة لكن دون أن يكون لهذا الخطاب صداه في المجتمع عامة أو في أوساط المجتمع المدني خاصة، والثاني يقوده الحزب الشعبي، ويجد صداه في قطاع معتبر من المجتمع المدني بما جعل موقف الرأي العام الإسباني من المغرب في واد والموقف الحكومي في واد آخر. لا يمكن لأحد أن ينكر أن مرحلة الحكومة الاشتراكية أفضل بكثير من مرحلة الحكومة اليمينية السابقة، وخاصة في ظل التطور الذي عرفته العلاقات الاقتصادية والتي جعلت إسبانيا تتقدم بشكل كبير نحو حيازة موقع في السوق المغربية بصادرات بلغت حوالي 32 مليار درهم في سنة 2009 و36 مليار درهم في سنة 2008، كما تقوت الصادرات المغربية إلى إسبانيا لتصل في سنة 2009 إلى أزيد من 23 مليار درهم ونصف، وذلك بالرغم من تحديات الأزمة الاقتصادية، فضلا عن توسع قاعدة العمال المغاربة المقيمين بها وأثرهم الوازن على قيمة التحويلات والتي بلغت حوالي 6 مليار درهم، وكذا الارتفاع الكبير الذي سجل في الاستثمارات والقروض الخاصة الموجهة للمغرب والتي بلغت أزيد من 4 ملايير درهم ونصف، وهي مؤشرات كان من المفروض أن تدفع في تطور شامل للعلاقات السياسية والاجتماعية والثقافية، إلا أن ذلك لم يقع، بل بدأ الموقف الشعبي يتجه نحو تصريف مواقف عدائية بلغت أوجها مع التوترات المسجلة على الحدود مع الجيبين المحتلين سبتة ومليلية فضلا عن المواقف المناهضة للمغرب في قضية الصحراء المغربية. القراءات التي تطرح لتفسير هذا التطور للأزمة الجديدة متعددة، منها ما يركز على القلق الإسباني الكامن من نجاح سياسة الأوراش الكبرى في الشمال وما أدت إليه من اختناق اقتصاد تدريجي لسبتة ومليلية بحكم الاعتماد الكلي لاقتصادها على التهريب، وما عزز من ذلك التطور المسجل في البنيات السياحية وتراجع تجارة المخدرات، كما تركز قراءات أخرى على التطلع الإسباني إلى الاستفادة من الفرص الاستثمارية الكبيرة التي أعلن عنها في إطار البرنامج الخماسي الجزائري، والذي تبلغ قيمته 286 مليار دولار في الخمس سنوات القادمة ويشمل مشاريع هيكيلية في البنيات التحتية والخدمات الأساسية، أما القراءة الثالثة فتقوم على رفض فتح الباب للمغرب لطرح موضوع مستقبل المدينتين المحتلتين وباقي الجزر خاصة وأن تقدم علاقات المغرب مع الاتحاد الأوروبي تؤهله لطرح قضايا للحوار السياسي على المستوى المدني والسياسي والبرلماني. ثمة حاجة اليوم إلى حوار عميق وشفاف وصريح بين المغرب وإسبانيا، ينطلق من التوجهات التي وضعت في اتفاقية 1991 وذلك لتأسيس مرحلة جديدة قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة ومتحررة من الماضي الاستعماري.