باكورة أعمال مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية بتطوان جمعها ومهَّد لها: الدكتور محمد المعلمي متابعة: ذ. منتصر الخطيب كتاب "منتخبات من ديوان الشعر النبوي في الأندلس" جمع وتقديم: الدكتور محمد المعلمي، هو الإصدار الأول لمركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية بتطوان التابع للرابطة المحمدية للعلماء، ويقع الكتاب في 265 صفحة من الحجم المتوسط، وفي طبعة أنيقة وغلاف متميز يمتح من عبق الآثار الإسلامية بالأندلس. ويعد هذا الكتاب مفخرة تؤرخ لتراث الأندلسيين في حب المصطفى صلى الله عليه وسلم، انتقى مؤلفه فيه قطوفا من أزاهر الأشعار لشعراء أخيار، جادت بها قرائحهم في مواقف ومناسبات عديدة، دلت جميعها عن عميق تعلقهم بشخصية الحبيب المصطفى عليه السلام. وفي تقديمه للكتاب يقول الدكتور "أحمد عبادي" الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء بقلمه البارع: (ولأن هذه القصائد تعد رحيق الحب الذي كنَّهُ شعراء الأندلس للحبيب المصطفى على امتداد الحضور الإسلامي في الربوع الأندلسية، كان لا بد من جمعها وسلكها في عقد نضيد حتى تبقى شاهدة على إسهام الشعراء الأندلسيين في إثراء ديوان المديح النبوي الواله في ذاكرتنا الجمعية التي تتأبى على كل محاولات المحو والتبديد. وببركة حب الحبيب المصطفى يسر الله للباحث د. محمد المعلمي الاهتداء إلى الاهتمام بتتبع موضوع محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعر الأندلسي، فنهد إلى جمع هذه الباقة الشعرية العطرة التي تشكلت من خمس وعشرين قصيدة لعشرين شاعرا من عصور مختلفة سجلت الحضور المسلم النابض بأرض الأندلس). أما مؤلفه "الدكتور محمد المعلمي" الذي يرجع له الفضل الكبير في البحث عن نصوص غميسة من تراث الأندلسيين، والتي استخلصها من مصادر أندلسية في مختلف العلوم والفنون؛ تشهد له بسبق التناول لهذا الموضوع – على الرغم من تواضعه في جعل نفسه عاجزا عن بلوغ مداه- فذكر في إضاءته للكتاب أن: (مقام التقديم لنصوص مؤرَّجة بعبير محبة المصطفى صلى الله عليه وسلم، مقامٌ تعجز عن بلوغ سدرته اللغة مهما انتقت من كلمات موحية، ومهما ابتكرت من أساليب بلاغية معبرة)، ليخلص بعد ذلك إلى أن أصدق حب له صلى الله عليه وسلم هو أن يبقى إسوتنا الحسنة مصداقا لقوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)، وأن نتحلى بخُلقه الذي شهد له به الوحي في قوله سبحانه: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ).. والكتاب يتكون من قسمين، يقول عنهما المؤلف: (تبين لنا أن حضور ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غمر كل مناحي التراث الأندلسي، ورسخ رسوخا بيِّناً بصيغ متنوعة في كل العلوم والآداب والفنون. أضف إلى ذلك أن صفة مركز ابن أبي الربيع السبتي اللغوية والأدبية التابع للرابطة المحمدية للعلماء، تحتم عليه إيلاء هذه الجوانب جميعها العناية اللازمة التي تبلور منظورا قوامه الاستثمار النافع لذخائر تراثنا..) وهكذا احتوى الكتاب على قسمين اثنين: أولهما: يحوي مقتطفات وقبسات انتخبها من مختلف فروع التراث الأندلسي العلمية والأدبية؛ وهي جميعها ناطقة بمحبة الرسول الكريم اختار لها عنوان: (صور من تعلق الأندلسيين بالمصطفى صلى الله عليه وسلم)، استقاها المؤلف من مقدمات بعض كتب الأندلسيين في مختلف مصادر العلوم الشرعية واللغوية والتاريخية والمنظومات التعليمية ومصادر الفنون الأدبية من دواوين الشعر الأندلسي. وثانيهما: يضم باقة شعرية اقتطفها من دواوين ومصادر أدبية أندلسية، وقد بلغ عددها خمسا وعشرين قصيدة لعشرين شاعرا؛ وضعها تحت عنوان: (منتخبات من ديوان الشعر النبوي في الأندلس)؛ وهي على شكل مِدح لنخبة من شعراء الأندلس جادت بها قرائحهم في مواقف ومناسبات عديدة، دلت جميعها عن عميق تعلق الأندلسيين بشخصية الحبيب المصطفى، فديوان الشعر الأندلسي زاخر بقصائد مضمخة بأريج الجمال والجلال، ومن خلال إرهاف السمع لما تنطق به لغة هذه القصائد وما ترسمه من صور، يقف الباحث في ثناياها على قيم شتى، يمثل حب المصطفى صلى الله عليه وسلم سنامها الأسمى. كما حرص على الترجمة لكل شاعر، وشكل نص القصيدة وتوثيقه. وربطا لمنجزه ذي المادة التراثية، فقد اعتبره مؤلفه الرد العملي على كل الأصوات المبحوحة التي يريد أصحابها أن يطفئوا نور الله بأفواههم، بما ينوء به العالم اليوم من كراهية وإساءة للمقدسات والشعائر.. وهذه قبسات من هذا المنتخب الفريد مثالا على عمق حب الأندلسيين وتعلقهم بالمصطفى عليه السلام: قال ابن سهل الإشبيلي: جَعَلَ المُهيمنُ حُبّ أحمدَ شيمةً *** وَأتَى بِه في المُرسلينَ كَرِيمة فَغدَا هوَاهُ على القُلُوبِ تَمِيمَةً *** وَغدَا هُداهُ لِهديِهم تَتْميمَا صَلُّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسلِيمَا و قال ابن الجنان: [الطويل] سلامٌ على َمنْ جاء بالحقِّ والهُدى ومَنْ يَزَلْ بالمعجزات مُؤيَّدَا سلامٌ على خَيْر البَريةِ شِيمَة وأكْرَمِها نَفْسا وَبيتا وَمحْتِدَا سلامٌ على المختار من آل هاشمٍ إذا انتخبوا للفخر أحمدَ أمجدَا وقال ابن الجنان: [الطويل] سلام على من جاء بالحق والهدى *** ومن يزل بالمعجزات مؤيدا سلام على خير البرية شيمة *** وأكرمها نفسا وبيتا ومحتدا سلام على المختار من آل هاشم *** إذا انتخبوا للفخر أحمد أمجدا وقال ابن الخطيب: [الكامل] [البسيط] بطَيبَةَ انْزل وَيَمِّم سَيِّد الأُمَمِ وَانشُر لَهُ المَدحَ وَانْثُر أَطيَبَ الكَلِمِ وَابذُل دُموعَكَ واعذُل كُلَّ مُصطَبِرٍ وَالحَق بِمَن سارَ وَالحَظ ما عَلى العَلَمِ سَنا نَبيٍّ أَبيٍّ أَن يُضَيِّعَنا سَليلِ مَجدٍ سَليمِ العِرضِ مُحتَرَمِ جَميلِ خَلقٍ عَلى حَقٍّ جَزيلِ نَدىً هَدى وَفاضَ نَدى كَفَّيهِ كالدِّيَمِ يا صفوة الله المكين مكانه **** يا خير مؤتمن وخير نصيح أقرضت فيك الله صدق محبتي *** أيكون تجري فيك غير ربيح؟ حاشا وكلا أن تخيب وسائلي أو أن أرى مسعاي غير نجيح وقال ابن جابر الأندلسي: بطيبة انزل ويمم سيد الأمم *** وانشر له المدح وانثر اطيب الكلم وابذل دموعك واعذل كل مصطبر *** والحق بمن سار والحظ ما على العلم سنا نبي أبي أن يضيعنا *** سليل مجد سليم العرض محترم جميل خلق على حق جزيل ندى *** هدى وفاض ندى كفيه كالديم وبعد، فهذه القبسات من كتاب "منتخبات ديوان الشعر النبوي في الأندلس" شاهدة على مدى وعي الشعراء الأندلسيين بقيمة الاعتزاز بقيم الإسلام عساني أكون بعرضها قد رغبت المتيّمين بحب المصطفى في استكناه نفحاتها.