العلم: من صفحة منبر الجمعة قصيدة البردة أوقصيدة البُرأة أوالكواكب الدريَّة في مدح خير البرية، أحد أشهرالقصائد في مدح النبي محمد (صلى الله الله عليه وسلم)، كتبها محمد بن سعيد البوصيري في القرن السابع الهجري الموافق القرن الحادي عشرالميلادي.وقد أجمع معظم الباحثين على أن هذه القصيدة من أفضل وأعجب قصائد المديح النبوي إن لم تكن أفضلها، حتى قيل: إنها أشهر قصيدة مدح في الشعرالعربي بين العامة والخاصة. وقد انتشرت هذه القصيدة انتشارًا واسعًا في البلاد الإسلامية، يقرأها بعض المسلمين في معظم بلاد الإسلام كل ليلة جمعة. وأقاموا لها مجالس عرفت ب مجالس البردة الشريفة، أو مجالس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يقول الدكتورزكي مبارك: «البوصيري بهذه البردة هو الأستاذ الأعظم لجماهيرالمسلمين، ولقصيدته أثرفي تعليمهم الأدب والتاريخ والأخلاق، فعن البردة تلّقى الناس طوائف من الألفاظ والتعابيرغنيت بها لغة التخاطب، وعن البردة عرفوا أبوابًا من السيرة النبوية، وعن البردة تلّقوا أبلغ درس في كرم الشمائل والخلال. وليس من القليل أن تنفذ هذه القصيدة بسحرها الأخاذ إلى مختلف الأقطارالإسلامية، وأن يكون الحرص على تلاوتها وحفظها من وسائل التقرب إلى الله والرسول». وعلى الرغم من أن بردة البوصيري لها هذا التبجيل والمكانة الأدبية، إلا أن علماء السلفية عابوا على القصيدة ما يرون أنه غلوفي مدح النبي محمدصلى الله عليه واله وسلم، سبب نظم هذه القصيدة يقول البوصيري عن سبب نظمه لهذه القصيدة: كنت قد نظمت قصائد في مدح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، منها ما اقترحه عليّ الصاحب زين الدين يعقوب بن الزبير، ثم اتفق بعد ذلك أن داهمني الفالج (الشلل النصفي) فأبطل نصفي، ففكرت في عمل قصيدتي هذه فعملتها واستشفعت بها إلى الله في أن يعافيني، وكررت إنشادها، ودعوت، وتوسلت، ونمت فرأيت النبي فمسح على وجهي بيده المباركة، وألقى عليّ بردة، فانتبهت ووجدتُ فيّ نهضة، فقمت وخرجت من بيتي، ولم أكن أعلمت بذلك أحداً، فلقيني بعض الفقراء فقال لي: أريد أن تعطيني القصيدة التي مدحت بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: أي قصائدي؟ فقال: التي أنشأتها في مرضك، وذكرأولها وقال: والله إني سمعتها البارحة وهي تنشد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأعجبته وألقى على من أنشدها بردة. فأعطيته إياها. وذكرالفقيرذلك وشاعت الرؤيا مقطع من القصيدة محمد سيد الكونين والثقلي ن والفريقين من عرب ومن عجمِ نبينا الآمرُالناهي فلا أحدٌ أبرفي قولِ لا منه ولا نعم هو الحبيب الذي ترجى شفاعته لكل هولٍ من الأهوال مقتحم دعا إلى الله فالمستمسكون به مستمسكون بحبلٍ غيرمنفصم فاق النبيين في خلقٍ وفي خُلُقٍ ولم يدانوه في علمٍ ولا كرم وكلهم من رسول الله ملتمسٌ غرفاً من البحرأورشفاً من الديمِ وواقفون لديه عند حدهم من نقطة العلم أومن شكلة الحكم فهوالذي تم معناه وصورته ثم اصطفاه حبيباً بارئُ النسم منزهٌ عن شريكٍ في محاسنه فجوهرالحسن فيه غيرمنقسم دع ما ادعته النصارى في نبيهم واحكم بما شئت مدحاً فيه،واحتكم وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف وانسب إلى قدره ماشئت من عظم فإن فضل رسول الله ليس له حدٌّ فيعرب عنه ناطقٌ بفم أجزاء القصيدة تقع قصيدة البردة في عشرة فصول هي بالترتيب الفصل الأول : في الغزل وشكوى الغرام. الفصل الثاني : في التحذيرمن هوى النفس. الفصل الثالث : في مدح سيد المرسلين . الفصل الرابع: في مولده . الفصل الخامس: في معجزاته . الفصل السادس : في شرف القرآن ومدحه. الفصل السابع : في إسرائه ومعراجه . الفصل الثامن : في جهاد النبي . الفصل التاسع : في التوسل بالنبي . الفصل العاشر : في المناجاة وعرض الحاجات. أبيات البردة الشهيرة فكيف تنكرحباً بعد ما شهدت به عليك عدول الدمع والسقمِ محضتني النصح لكن لست أسمعه إن المحب عن العذال في صممِ والنفس كالطفل إن تهملهُ شبَّ على حب الرضاعِ وإن تفطمهُ ينفطم ظلمت سنة من أحيا الظلام إلى أن اشتكت قدماه الضرمن ورم وراودته الجبال الشم من ذهب عن نفسه فأراها أيماشمم محمد سيد الكونين والثقلين والفريقين من عرب ومن عجمِ هوالحبيب الذي ترجى شفاعته مقتحم لكل هولٍ من الأهوال الملهمون بالبردة ألهمت البردة الكثيرين من الشعراء والأدباء والعوام على مر العصور، وأشهرمن نهج على نهج البوصيري هوأمير الشعراء أحمد شوقي، وقد غنت أم كلثوم هذه القصيدة، يقول شوقي في مطلعها ريم على القاع بين البان والعلم أحل سفك دمي في الأشهرالحرم رمى القضاء بعيني جؤذرأسدا أدرك ساكن الأجم ياساكن القاع لما رنا حدثتني النفس قائلة: يا ويح جنبك بالسهم المصيب رمي جحدتها وكتمت السهم في كبدي ألم جرح الأحبة عندي غيرذي رزقت أسمح ما في الناس من خلق إذا رزقت التماس العذرفي الشيم يا لائمي في هواه والهوى قدر لوشفك الوجد لم تعذل ولم تلم لقد أنلتك أذنا غيرواعية ورب منصت والقلب في صمم يا ناعس الطرف لاذقت الهوى أبدا أسهرت مضناك في حفظ الهوى فنم أفديك إلفاولاآلوالخيال فدا أغراك بالبخل من أغراه بالكرم سرى فصادف جرحا داميا فاسا ورب فضل على العشاق للحلم من الموائس بانا بالربى وقنا اللاعبات بروحي السافحات دمي السافرات كأمثال البدورضحا يغرن شمس الضحى بالحلي،والعصم القاتلات بأجفان بها سقم وللمنية أسباب من السقم العاثرات بالباب الرجال وقد أقلن من عثرات الدل في الرسم المضرمات خدودا أسفرت وجلت عن فتنة تسلم الاكبادللضرم الحاملات لواء الحسن مختلفا أشكاله وهوفرد غيرمنقسم من كل بيضاء أوسمراء زينتا للعين والحسن في الارام كالعصم يرعن للبصرالسامي،ومن عجب إذا أشرن أسرن الليث بالعنم وضعت خدي وقسمت الفؤاد ربى يرتعن في كنس منه،وفي أكم يا بنت ذا اللبد المحمي جانبه ألقاك في الغاب أم ألقاك في الأطم؟ ما كنت أعلم حتى عن مسكنه أن المنى والمنايا مضرب الخيم من أنبت الغصن من صمصامة ذكر؟ وأخرج الريم من ضرغامة قرم؟ بيني وبينك من سمرالقنا حجب ومثلها عفة عذرية العصم لم أغش مغناك إلا في غضون كرى أرم للمشتاق من بعد مغناك أ شُرَّاحها شرح قصيدة البردة عدد كبيرمن أئمة السنة واعتنوا بها اعتناء كبيرا، فمنهم شهاب الدين القسطلاني: المتوفى سنة 923 ه، وسمى شرحه على البردة الأنوارالمُضية في شرح الكواكب الدُرية جلال الدين المحلي: المتوفى سنة 864 ه وهوصاحب كتاب (تفسير الجلالين) وكتاب شرح الورقات في أصول الفقه الزركشي: صاحب كتاب (البرهان في علوم القرآن) المتوفى سنة 794 ه اللغوي خالد الأزهري: مؤلف كتاب (موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب) المتوفى سنة 905 ه إبراهيم الباجوري: صاحب كتاب (شرح جوهرة التوحيد) المتوفى سنة 1276 ه النحوي ابن هشام الحنبلي المتوفى سنة761ه فقد شرح قصيدة البردة شرحاً لغوياً سماهُ الكواكب الدرية محمد بن أحمد ابن مرزوق التلمساني: صاحب كتاب (مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول) المتوفى سنة 842 ه ابن العماد الحنبلي: صاحب كتاب "شذرات الذهب" المتوفى سنة 808 ه زكريا الأنصاري: المتوفى سنة 926ه وسماهُ الزبدة الرائقة في شرح البردة الفائقة محمد علي بن علاَّن الصدّيقي المكي: شرح البردة وسماه الذخروالعدة في شرح البردة ابن الصائغ: المتوفى سنة 776 ه علاء الدين البسطامي: المتوفى سنة 875 ه محمد بن عبد الله بن مرزوق المالكي المغربي: المتوفى سنة 781 ه القاضي بحربن رئيس الهاروني المالكي علي القصاني: المتوفى سنة 891 ه ابن حجر الهيتمي: وسماهُ العمدة في شرح البردة ومن المعاصرين الشيخ عمرعبد الله كامل: وسماه البلسم المريح من شفاء القلب الجريح الشيخ محمد عيد عبد الله يعقوب الحسيني: وسماه الشرح الفريد في بردة النبي الحبيب وقد شرحها الشيخ علي عثمان جرادي الصيداوي الحنفي في كتاب أسماه: "النفحات اللطيفة على البردة الشريفة"، طُبع طبعة أولى في مركزعلوم الحديث الشريف – دمشق، وستصدرطبعة ثانية في دارالكتب العلمية – بيروت السيرة الذاتية لصاحب البردة الإمام شرف الدين محمد بن سعيد بن حماد الصنهاجي البوصيري (1211–1294) اشتهر بمدائحه النبوية، التي ذاعت شهرتها في الآفاق، وتميزت بروحها العذبة وعاطفتها الصادقة، وروعة معانيها، وجمال تصويرها، ودقة ألفاظها، وحسن سبكها، وبراعة نظمها؛ فكانت بحق مدرسة لشعراء المديح من بعده، ومثالا يحتذيه الشعراء لينسجوا على منواله، ويسيروا على نهجه؛ فظهرت قصائد عديدة في فن المدائح النبوية، أمتعت عقل ووجدان ملايين المسلمين على مرّ العصور، ولكنها كانت دائمًا تشهد بريادة الإمام البوصيري وأستاذيته لهذا الفن بلا منازع حياته ولد البوصيري بقرية "دلاص" إحدى قرى بني سويف من صعيد مصر، في (أول شوال 608ه = 7 من مارس 1213م) لأسرة ترجع جذورها إلى قبيلة "صنهاجة" إحدى قبائل البربرأوالأمازيغ التي استوطنت الصحراء جنوبي المغرب الأقصى، ونشأ بقرية "بوصير" القريبة من مسقط رأسه، ثم انتقل بعد ذلك إلى القاهرة حيث تلقى علوم العربية والأدب، وقد تلقى البوصيري العلم منذ نعومة أظفاره؛ فحفظ القرآن في طفولته، وتتلمذ على عدد من أعلام عصره، كما تتلمذ عليه عدد كبيرمن العلماء المعروفين، منهم: أثيرالدين محمد بن يوسف المعروف بأبي حيان الغرناطي، وفتح الدين أبوالفتح محمد بن محمد العمري الأندلسي الإشبيلي المصري، المعروف بابن سيد الناس… وغيرهما عُني البوصيري بقراءة السيرة النبوية، ومعرفة دقائق أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وجامع سيرته العطرة، وأفرغ طاقته وأوقف شعره وفنه على مدح النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من ثمارمدائحه النبوية (بائياته الثلاث)، التي بدأ إحداها بلمحات تفيض عذوبة ورقة استهلها وافاكَ بالذنب العظيم المذنبُ خجلا يُعنفُ نفسَه ويُؤنِّبُ ويستهل الثانية بقوله بمدح المصطفى تحيا القلو بُ وتُغتفرُ الخطايا والذنوبُ أما الثالثة، وهي أجودها جميعًا، فيبدؤها بقوله أزمعوا البين وشدوا الركابا فاطلب الصبروخلِّ العتابا وله –أيضا- عدد آخرمن المدائح النبوية الجيدة، من أروعها قصيدته "الحائية"، التي يقول فيها مناجيا الله عزوجل يا من خزائن ملكه مملوءة كرمًا وبابُ عطائه مفتوح ندعوك عن فقرإليك وحاجة ومجال فضلك للعباد فسيح فاصفحْ عن العبد المسيء تكرُّ مًا إن الكريم عن المسيء صفوح وقصيدته "الدالية" التي يبدؤها بقوله إلهي على كل الأمور لك الحمد فليس لما أوليتَ من نعمٍ حدُّ لك الأمرمن قبل الزمان وبعده وما لك قبل كالزمان ولا بعدُ وحكمُك ماضٍ في الخلائق نافذ إذا شئتَ أمرًا ليس من كونه بُدُّ بردة البوصيري تُعد قصيدته الشهيرة "الكواكب الدرية في مدح خيرالبرية"، والمعروفة باسم "البردة" من عيون الشعرالعربي، ومن أروع قصائد المدائح النبوية، ودرة ديوان شعرالمديح في الإسلام، الذي جادت به قرائح الشعراء على مرّالعصور، ومطلعها من أبرع مطالع القصائد العربية، وهي قصيدة طويلة تقع في 160 بيتا. يقول فيها أَمِنْ تذكّرجيرانٍ بذي سلم مزجت دمعا جرى من مقلة بدم أم هبت الريحُ من تلقاء كاظمةٍ، وأومض البرق في الظلماء من إضم فما لعينيك إن قلت اكففا همتا وما لقلبك إن قلت استفق يهم وقد ظلت تلك القصيدة مصدرإلهام للشعراء على مر العصور، يحذون حذوها وينسجون على منوالها، وينهجون نهجها، ومن أبرزمعارضات الشعراء عليها قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي "نهج البردة"، التي تقع في 190 بيتا، كما مر، أعمال البوصيرى نثراً وشعراً ترك البوصيري عددًا كبيرًا من القصائد والأشعارضمّها ديوانه الشعري الذي حققه "محمد سيد كيلاني"، وطُبع بالقاهرة سنة (1374 ه= 1955م)، وقصيدته الشهيرة البردة "الكواكب الدرية في مدح خيرالبرية"، والقصيدة "المضرية في مدح خيرالبرية"، والقصيدة "الخمرية"، وقصيدة "ذخرالمعاد"، ولامية في الرد على اليهود والنصارى بعنوان: "المخرج والمردود على النصارى واليهود"، وقد نشرها الشيخ "أحمد فهمي محمد" بالقاهرة سنة (1372 ه= 1953م)، وله أيضا "تهذيب الألفاظ العامية"، وقد طبع كذلك بالقاهرة. وفاته تُوفِّي الإمام البوصيري بالإسكندرية سنة (695 ه- 1295م) عن عمربلغ 87 عامًا رحمه الله تعالى وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.