يُعَدّ القرآن الكريم (كتاب الحضارة الأمثل)، كتاب هداية وليس كتابًا للفلك أو للطب، وما إلى هناك من العلوم. ومع ذلك فقد وردت آيات عن الفلك في ثنايا السياق الشريف، وهذه الآيات الباهرات تؤكد ولا ريب مدى تفرد الإعجاز الفلكي لهذا الكتاب الخالد. وفي هذا ما لعله يشير إلى أن القرآن الكريم، قد تناول بالإجمال الإطار العام للفلك، وفقًا للتصور الإسلامي لهذا العلم. وفي السطور التالية سوف أقوم بتقديم المنظور التفسيري لهذه الآيات، التي جاء ضمن مفرداتها اللغوية إشارة صريحة إلى الفلك؛ أما الآيات الأخرى التي حوت إشارة أو مؤشرات عن قضايا الفلك فسوف أعرضها بدون تفسير. وفي هذا السياق التفسيري يبدو أنه من الضرورة بمكان أن نشير إلى أن بعض مؤرخي العلم، يرون أنه لما أشرق فجر الإسلام على الكون، حدث تحول جذري في المسار التطوري والارتقائي لعلم الفلك سواء كان ذلك من الناحية العلمية (النظرية)، أو العملية (التطبيقية). وذلك لأن الحضارة الإسلامية التي تعد بمثابة الإفراز الطبيعي لهذا الدين الخالد – قد اهتمت منذ اللحظات التاريخية الأولى لانبثاقها من رحم التاريخ، بسائر العلوم بوجه عام، وعلم الفلك بوجه خاص. فرأينا المسلمين يتحدثون عن الكون المخلوق (القرآن التكويني)، وعن الكون المكتوب (القرآن التدويني). وما من كتاب مقدس في مختلف الأديان تكرر فيه ذكر آيات الله المتجلية في النظام الطبيعي مثل ما تكررت في القرآن الشريف، ما عدا استثناء ممكن فيما يخص كتاب (الفيدا) وهو أيضًا انعكاس مباشر للوحي الفطري(1). ومن هنا يمكن القول بأنه كان هناك عاملان حيويان، حرّكا علم الفلك بدفعة قوية منذ بداية الحضارة الإسلامية هما: أن الآيات القرآنية التي تشير إلى الطبيعة تتعلق في معظمها بالسماء. ويعد هذا بمثابة تأكيد من قبل أقدس المصادر الإسلامية على مدى أهمية علم الفلك في حياة الإنسان المسلم. يضاف إلى ذلك ميل العرب الرّحّل الطبيعي إلى النظر في السماء أثناء تجوالهم في مغاور الصحراء بمساعدة النجوم. وبالتالي أصبح لهذا العلم وما يلحق به من العلوم العقلية مكانة رفيعة في الفضاء الثقافي الإسلامي؛ حتى إن الفقهاء وعلماء الدين المعارضين لبعض هذه العلوم استثنوا علم الفلك، بل إن الأمر بلغ ببعضهم إلى أن أحلوه مكانًا رفيعًا(2). ولقد وردت كلمة (فلك)، في موضعين من السياق الشريف: الموضع الأول في سورة الأنبياء، حيث يقول الله سبحانه وتعالى: (وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (الأنبياء: 33). والموضع الثاني في سورة يس: حيث يقول عز من قائل: (وَءَايَةٌ لَّهُمُ الَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإذَا هُم مُّظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرٍ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لا الشَّمْسُ يَنْبَغِى لَهَآ أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا الَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (يس: 37 – 40). وفيما يلي تفسير هذه الآيات الكريمة، وسوف أعتمد في تفسيري لها؛ على نموذجين لتفسير القرآن الكريم، أحدهما تراثي هو (تفسير الإمام القرطبي). والآخر معاصر، هو (ظلال القرآن) لسيد قطب. وسيتضح لنا أن هناك فارق جوهري؛ فيما بين الرؤيتين التراثية والمعاصرة، في نظرها للإعجاز العلمي للقرآن الكريم، وفقًا للمعطيات العلمية لعصرها. تفسير آيات الفلك أولاً: تفسير الآية الأولى، التي وردت في سورة الأنبياء: (وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)
1 – التفسير التراثي: يقول الإمام القرطبي في تفسيره لهذه الآية: (إن ذكر الليل والنهار في الآية نعمة كبرى. فالله جعل الليل للبشر ليسكنوا فيه، والنهار لينصرفوا فيه لمعايشهم. (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) أي وجعل الشمس آية النهار، والقمر آية الليل، وذلك بغرض تعلم الشهور والسنين والحساب. (كُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ). أي أن الشمس والقمر والنجوم والكواكب والليل والنهار، يجرون ويسيرون بسرعة كالسابح في الماء. وقيل: الجري للفلك فنسب إليها. والأصح أن السيارة تجري في الفلك، وهي سبعة أفلاك دون السماوات المطبقة التي هي مجال الملائكة وأسباب الملكوت، فالقمر في الفلك الأدنى، ثم عطارد، ثم الزهرة، ثم الشمس، ثم المريخ، ثم المشتري، ثم زحل، والثامن فلك البروج، والتاسع الفلك الأعظم. والفلك واحد أفلاك النجوم. وفي حديث ابن مسعود: (تركت فرسي كأنه يدور في فلك). كأنه لدورانه شبهه بفلك السماء الذي تدور عليه النجوم. قال ابن زيد: الأفلاك مجاري النجوم والشمس والقمر، وهي بين السماء والأرض)(3). ويلاحظ على هذه الرؤية التفسيرية ذات الطابع التراثي، أنها تشير بأن مفسري القرآن القدماء – ومنهم القرطبي بطبيعة الحال كان لديهم معرفة بالتفسير العلمي للقرآن الكريم؛ وفقًا لمعطيات عصرهم في هذا المنحى. وفي هذا دلالة أكيدة على أن التفسير العلمي للقرآن، كان موجودًا في تراثنا الحضاري. وفي هذا الصدد يقول أحد الباحثين المعاصرين: (من الخطأ الظن أن التفسير العلمي حديث عهد، أو أنه نشأ في أعقاب النهضة العلمية الحديثة، فقد نقل بعض قدامى المفسرين عن العلماء أن القرآن الكريم يحوي سبعة وسبعين ألفًا ومائتي علم، إذ كل كلمة علم، ثم يتضاعف ذلك أربعة أضعاف . وقد روي عن ابن مسعود قوله: (من أراد علم الأولين والآخرين فليتدبر القرآن)(4).
2 – التفسير المعاصر: يقول سيد قطب، وهو بصدد تفسير هذه الآية: (إن الليل والنهار ظاهرتان كونيتان. والشمس والقمر جرمان هائلان لهما علاقة وثيقة بحياة الإنسان في الأرض. وبالحياة كلها.. والتأمل في توالي الليل والنهار، وفي حركة الشمس والقمر بهذه الدقة التي لا تختل مرة؛ وبهذا الاطّراد الذي لا يكف لحظة جدير بأن يهدي القلب إلى وحدة الناموس، ووحدة الإرادة ووحدة الخالق المدبر القدير)(5). ثانيًا تفسير آيات سورة يس: 1 – التفسير التراثي: (وَءَايَةٌ لَّهُمُ الَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإذَا هُم مُّظْلِمُونَ). يقول القرطبي: (أي أن ذلك علامة دالة على توحيد الله وقدرته ووجوب الألوهية. والسلخ يعني الكشط والنزع؛ يقال: سلخه الله من دينه، ثم تستعمل بمعنى الإخراج، وقد جعل ذهاب الضوء ومجيء الظلمة كالسلخ من الشيء وظهور المسلوخ، فهي استعارة و(مُّظْلِمُونَ) تعني داخلون في الظلام؛ يقال: أظلمنا أي دخلنا في ظلام الليل، وأظهرنا دخلنا في وقت الظهر، وكذلك أصبحنا وأضحينا وأمسينا)(6). (وَالشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرٍ لَّهَا) قال القرطبي في تفسيرها: (والمعنى أن الشمس تجري إلى أبعد منازلها في الغروب، ثم ترجع إلى أدنى منازلها، فمستقرها بلوغها الموضع الذي لا تتجاوز بل ترجع منه، كالإنسان يقطع مسافة حتى يبلغ أقصى مقصوده فيقضي وطره، ثم يرجع إلى منزله الأول الذي ابتدأ منه سفره. وعلى تبليغ الشمس أقصى منازلها، وهو مستقرها إذا طلعت الهنعة، وذلك اليوم أطول الأيام في السنة، وتلك الليلة أقصر الليالي، فالنهار خمس عشرة ساعة والليل تسع ساعات، ثم يأخذ في النقصان وترجع الشمس، فإذا طلعت الثريا استوى الليل والنهار، فيصير كل واحد منها اثنتا عشرة ساعة، ثم تبلغ أدنى منازلها وتطلع النعائم، وذلك اليوم أقصر الأيام، والليل خمس عشرة ساعة، حتى إذا طلع فرغ الدلو المؤخر استوى الليل والنهار، فيأخذ الليل من النهار كل يوم عُشرَ ثُلُث ساعة، وكل عشرة أيام ثلث ساعة، وكل شهر ساعة تامة، حتى يستويا، ويأخذ الليل حتى يبلغ خمس عشرة ساعة، ويأخذ النهار من الليل كذلك، وقال الحسن: إن للشمس في السنة ثلاثمئة وستين مطلعًا، تنزل في كل يوم مطلعًا، ثم لا تنزل إلى الحلول، فهي تجري في تلك المنازل وهي مستقرها)(7). (ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ). جاء في تفسيرها، أن الذي ذكر من أمر الليل هو من تقدير الله العزيز العليم. ويرى القرطبي أن في هذه الآية ثلاث مسائل هي: المسألة الأولى: أن المنازل، هي ثمانية وعشرون منزلاً، ينزل القمر كل ليلة منها بمنزل؛ وهي: (السرطان، البطين، الثريا، الدبران، الهقعة، الهنعة، الذراع، النثرة، الطرف، الجبهة، الخراتان، الصرفة، العواء، السماك، الغفر، الزبانيان، الإكليل، القلب، الشولة، النعائم، البلده، سعد الذابح، سعد بلع، سعد السعود، سعد الأخبية، الفرغ المقدم، الفرغ المؤخر، بطن الحوت). فإذا صار القمر في آخرها عاد إلى أولها، فيقطع الفلك في ثمان وعشرين ليلة ثم يستتر، ثم يطلع هلالاً، فيعود في قطع الفلك على المنازل، وهي منقسمة على البروج لكل برج منزلان وثلث. فللحمل السرطان والبطين وثلث الثريا، وللثور ثلثا الثريا والدبران وثلثا الهقعة، ثم كذلك إلى سائرها(8). المسألة الثانية: أن العرجون هو أصل العذق الذي يعوج منه الشماريخ فيبقى على النخل يابسًا، وعرجنه ضربه بالعرجون. فالنون على قول هؤلاء: أصلية؛ ومنه شعر أعشى بني قيس: شرق المسك والعبير بها فهي صفراء كعرجون القمر فالعرجون إذا عتق ويبس وتقوس شبه به القمر في دقته وصفرته به. واعلم أن السنة منقسمة على أربعة فصول، كل فصل سبعة منازل: فأولها الربيع، وأوله آذار، وعدد أيامه اثنان وتسعون يومًا. تقطع الشمس فيه ثلاثة بروج، وسبعة منازل. ثم يدخل فصل الصيف في حزيران، وعدد أيامه اثنان وتسعون يومًا؛ تقطع الشمس فيه ثلاثة بروج، وسبعة منازل أيضًا. ثم يدخل فصل الخريف في أيلول، وعدد أيامه واحد وتسعون يومًا؛ تقطع الشمس فيه ثلاثة بروج وسبعة منازل، ثم يدخل فصل الشتاء في كانون الأول، وعدد أيامه تسعون يومًا، وربما كان واحدًا وتسعين يومًا؛ تقطع الشمس فيه ثلاثة بروج وسبعة منازل. وهذه قسمة السريانيين لشهور السنة: تشرين الأول، تشرين الثاني، كانون الأول، كانون الثاني، أشباط (شباط)، آذار، نيسان، أيار، حزيران، تموز، آب، أيلول. وكلها واحد وثلاثون يوما، إلا تشرين الثاني ونيسان وحزيران وأيلول، فهي ثلاثون يومًا، وأشباط ثمانية وعشرون يومًا وربع(9). وهذا التفسير يشير لنا بأن علماء المسلمين كان لديهم حسّ علمي، بملامح كل العلوم، فجاء نتاجهم الفكري مترع بالطابع الموسوعي، مما يضفي على الحضارة الإسلامية اليانعة؛ روحًا علمية، نحن في أمسّ الحاجة إليها، في هذه الأيام، لكي تحقق الأمة الإسلامية، نقلة نوعية، في عالم الإبداع الحضاري. المسألة الثالثة: أن قوله – سبحانه وتعالى: (القديم) يعني التحول، وإذ قدم دق وانحنى واصفر فشبه القمر به في ثلاثة أوجه(10). (لا الشَّمْسُ يَنْبَغِى لَهَآ أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا الَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ) جاء في تفسيرها، أن معناها أن الشمس لا تدرك القمر فتبطل معناه. أي أن لكل واحد منهما سلطان على حياله، فلا يدخل أحدهما على الآخر، فيذهب سلطانه، إلى أن يبطل الله ما دبر من ذلك، فتطلع الشمس من مغربها. وقيل: إذا طلعت الشمس لم يكن للقمر ضوء، وإذا طلع القمر لم يكن للشمس ضوء. وأحسن ما قيل في معناها، أن سير القمر سير سريع، والشمس لا تدركه في السير. (وَلا الَّيْلُ سَابِقُ النَّهَار) أي أن النهار مخلوق قبل الليل، وأن الليل لم يسبقه بخلق. وقيل: إن كل واحدة منهما يجيء وقته ولا يسبق صاحبه إلى أن يجمع بين الشمس والقمر يوم القيامة. وهذا التعاقب لتتم مصالح العباد. ويكون الليل للاستجمام والاستراحة، والنهار للتصرف. قوله تعالى: (وَلا الَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ) أي غالب النهار(11). (وَكُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) يعني أن كلاٌّ من الشمس والقمر والنجوم، فهم يجرون، وقيل: يدورون. ولم يقل تسبح، لأنه وضعها بفعل من يعقل. وقيل: إن الشمس والقمر والنجوم في فلك بين السماء والأرض غير ملصقة ولو كانت ملصقة ما جرت(12). 2 – التفسير المعاصر: (وَءَايَةٌ لَّهُمُ الَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإذَا هُم مُّظْلِمُونَ) يقول سيد قطب في تفسيره لهذه الآية: (إن مشهد قدوم الليل، والنور يختفي والظلمة تغشى الكون.. مشهد مكرر يراه الناس في كل بقعة، في خلال أربع وعشرين ساعة فيما عدا بعض المواقع التي يدوم فيها النهار كما يدوم فيها الليل أسابيع وأشهر قرب القطبين في الشمال والجنوب من الكرة الأرضية وهو مع تكراره اليومي عجيبة تدعو إلى التأمل والتفكير. والتعبير القرآني عن هذه الظاهرة في هذا الموضع تعبير فريد. فهو يصور النهار متلبسًا بالليل؛ ثم ينزع الله النهار من الليل فإذا هم مظلمون. ولعلنا ندرك شيئًا من سر هذا التعبير الفريد حين نتصور الأمر على حقيقته. فالأرض الكروية في دورتها حول نفسها في مواجهة الشمس تمر كل نقطة منها بالشمس؛ فإذا هذه النقطة نهار؛ حتى إذا أدارت الأرض وانزوت تلك النقطة على الشمس انسلخ منها النهار ولفها الظلام وهكذا تتوالى هذه الظاهرة على كل نقطة بانتظام وكأنما نور النهار ينزع أو يسلخ فيحل محله الظلام. فهو تعبير مصور لهذه الحقيقة الكونية أدق تصوير)(13). (وَالشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرٍ لَّهَا) أي أن الشمس تدور حول نفسها. وكان المظنون أنها ثابتة في موضعها الذي تدور فيه حول نفسها. ولكن عرف أخيرًا أنها ليست مستقرة في مكانها. إنما هي تجري؛ تجري فعلاً. تجري في اتجاه واحد في الفضاء الكوني الهائل بسرعة حسبها الفلكيون باثني عشر ميلاً في الثانية! والله ربها الخبير بها وبجريها وبمصيرها – يقول: إنها (تَجْرِى لِمُسْتَقَرٍ لَّهَا) هذا المستقر الذي ستنتهي إليه لا يعلمه إلا هو – سبحانه وتعالى – ولا يعلم موعده سواه. وحين نتصور أن حجم هذه الشمس يبلغ نحو مليون ضعف لحجم أرضنا هذه. وأن هذه الكتلة الهائلة تتحرك وتجري في الفضاء. لا يسندها شيء. ندرك طرفًا من صفحة القدرة التي تصرف هذا الوجود عن قوة وعلم: (ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)(14). (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) يذهب سيد قطب – كما ذهب القرطبي من قبل – إلى أن للقمر منازل متعددة يراها العباد. فهو يولد هلالاً. ثم ينمو ليلة بعد ليلة حتى يستدير بدرًا. ثم يأخذ في التناقص حتى يعود هلالاً مقوسًا كالعرجون القديم. والذي يلاحظ القمر بعد ليلة يدرك ظل التعبير القرآني العجيب: (حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ). وبخاصة ذلك اللفظ (الْقَدِيمِ). فالقمر في لياليه الأولى هلال. وفي لياليه الأخيرة هلال. ولكنه في الأولى يبدو وكأن فيه نضارة وفتوة. وفي الأخيرة يطلع وكأنما يغشاه سهوم ووجوم، ويكسوه شحوب وذبول. إنه ذبول العرجون القديم! فليس مصادفة أن يعبر القرآن الكريم عنه هذا التعبير الموحي العجيب! والحياة مع القمر ليلة بعد ليلة تثير في الحس مشاعر وخواطر ندية ثرية موحية عميقة(15). (لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَآ أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا الَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) في هذه الآية الكريمة يقرر القرآن الكريم مدى دقة النظام الكوني الذي يحكم هذه الأجرام الهائلة، ويرتب الظواهر الناشئة عن نظامها الموحد الدقيق. فلكل نجم أو كوكب فلك، أو مدار لا يتجاوزه في جريانه أو دورانه. والمسافات بين النجوم والكواكب مسافات هائلة. فالمسافة بين أرضنا هذه وبين الشمس تقدر بنحو ثلاثة وتسعين مليونًا من الأميال. والقمر يبعد عن الأرض بنحو أربعين ومئتي مليون من الأميال، وهذه المسافات على بعدها ليست شيئًا يذكر حين تقاس إلى بعد ما بين مجموعتنا الشمسية وأقرب نجم من نجوم السماء الأخرى إلينا. وهو يقدر بنحو أربع سنوات ضوئية. وسرعة الضوء تقدر بستة وثمانين ومئة ألف من الأميال في الثانية الواحدة! (أي أن أقرب نجم إلينا يبعد عنا بنحو مئة وأربعة ملايين ميل!). وقد قدّر خالق هذا الكون الهائل أن تقوم هذه المسافات الهائلة بين مدارات النجوم والكواكب. ووضع تصميم الكون على هذا النحو ليحفظه بمعرفته من التصادم والتصدع حتى يأتي الأجل المعلوم، فالشمس لا ينبغي لها أن تدرك القمر، والليل لا يسبق النهار، ولا يزحمه في طريقه، لأنه الدورة التي تجيء بالليل والنهار لا تختل أبدًا، فلا يسبق أحدهما الآخر أو يزحمه في الجريان(16). (وَكُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ). إن حركة هذه الأجرام في الفضاء الهائل أشبه بحركة السفين في الخضم الفسيح. فهي – مع ضخامتها – لا تزيد على أن تكون نقطًا سابحة في ذلك الفضاء المرهوب. وفي الواقع إن الإنسان ليتضاءل ويتضاءل، وهو ينظر إلى هذه الملايين التي لا تحصى من النجوم الدوارة، والكواكب السيارة، متناثرة في ذلك الفضاء، سابحة في ذلك الخضم، والفضاء من حولها فسيح فسيح، وأحجامها الضخمة تائهة في ذلك الفضاء الفسيح(17). ويتضح بعد الدراسة والتحليل لهاتين الرؤيتين التفسيريتين – التراثية والمعاصرة – أن كُلاٌّ منهما، قد حاول الاعتماد الأساسي، على المنظور العصري لعلم الفلك، إبان حياة المفسر. فالإمام القرطبي، اعتمد بشكل واضح، على معطيات علماء الفلك المسلمين، وفي هذا ما لعله يشي لنا بأن الرجل كان مطّلعًا على علوم عصره، وكذلك فعل سيد قطب، حيث جاءت معطيات القرن العشرين، في مضمار علم الفلك وفروعه – بادية ضمن سياق تفسيره للنص القرآني العظيم. وبالإضافة إلى هاتين الآيتين المعجزتين، اللتين ورد بهما، كلمة (فلك) صراحة؛ فقد جاء ضمن السياق القرآني الشريف، آيات هامّة، تشير إلى عالم الفلك، وقضاياه المتباينة، وهي تؤكد على أصالة هذا الكتاب الكريم، الذي أمر الله الإنسان من خلال آياته المعجزة – أن يتأمل هذا الكون الفسيح الأرجاء، وينظر فيه ويفكر، ويستخلص النتائج من النظر، وقد سبق أن أشرت إلى أن معظم الآيات القرآنية نجد فيها دعوة صريحة للتأمل والتفكير من أولي الألباب. وهذا الكون من حولنا علينا أن نتدبر حكمة خلقه، فالإنسان من هذه الزاوية يمكنه أن يأخذ العبرة والعظة من عظيم خلق الله. وسوف أسوق فيما يلي المواضيع القرآنية الكثيرة التي جاء بها إشارة إلى عالم الفلك لنبين أن المسلمين فهموا أن هذا الجانب من الكون يتطلب البحث والنظر(18). الآيات التي ورد بها عالَم الفلك: الموضع الأول: (هُوَ الَّذِى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَآءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِ شَىْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة: 29). الموضع الثاني: (إنَّ فِى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ… لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة 164). الموضع الثالث: (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِىَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ) (البقرة 189) الموضع الرابع: (وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِى ظُلُمَاتِ الْبَرِ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (الأنعام: 97). الموضع الخامس: (إنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِى الَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ العَالَمِينَ) (الأعراف: 54). الموضع السادس: (إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِى كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِينُ الْقَيِمُ فَلا تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) (التوبة 36). الموضع السابع: (هُوَ الَّذِى جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَآءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إلاَّ بِالْحَقِ يُفَصِلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * إنَّ فِى اخْتِلافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) (يونس: 5 – 6). الموضع الثامن: (إذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَآأَبَتِ إنِى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ) (يوسف: 4). الموضع التاسع: (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِنَ السَّمَآءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوآ إنَّمَا سُكِرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ * وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِى السَّمَآءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ) (الحجر: 14 -16). الموضع العاشر: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إنَّ فِى ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (النحل: 12). الموضع الحادي عشر: (وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) (النحل: 16). الموضع الثاني عشر: (وَجَعَلْنَا الَّيْلَ وَالنَّهَارَ ءَايَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ ءَايَةَ الَّيْلِ وَجَعَلْنَآ ءَايَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِن رَّبِكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَىْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً) (الإسراء: 12) الموضع الثالث عشر: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِى زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِىٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِى اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِ شَىْءٍ عَلِيمٌ) (النور: 35). الموضع الرابع عشر: (تَبَارَكَ الَّذِى جَعَلَ فِى السَّمَآءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا * وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أو أَرَادَ شُكُورً) (الفرقان: 61 – 62). الموضع الخامس عشر: (يُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِى الَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِى لأَجَلٍ مُّسَمٌّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِير) (فاطر: 13) الموضع السادس عشر: (إنَّا زَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الكَوَاكِبِ) (الصافات: 6). الموضع السابع عشر: (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِى النُّجُومِ) (الصافات: 88). الموضع الثامن عشر: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِى يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِى كُلِ سَمَآءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (فصلت: 12). الموضع التاسع عشر: (أَفَلَمْ يَنظُرُوآ إِلَى السَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ) (ق: 6). الموضع العشرون: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى) (النجم: 1 – 2). الموضع الحادي والعشرون: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ) (القمر: 1). الموضع الثاني والعشرون: (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ * وَالسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ) (الرحمن 5 8). الموضع الثالث والعشرون: (فَلآ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) (الواقعة: 75 – 76). الموضع الرابع والعشرون: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ) (الملك: 5). الموضع الخامس والعشرون: (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا) (نوح: 15 16). الموضع السادس والعشرون: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَآءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا * وَأَنَّا لا نَدْرِى أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِى الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) (الجن: 8 10). الموضع السابع والعشرون: (فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ * وَإِذَا السَّمَآءُ فُرِجَت) (المرسلات: 8 9) الموضع الثامن والعشرون: (وَجَعَلْنَا الَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا * وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا * وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا) (النبأ: 10 13). الموضع التاسع والعشرون: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِرَتْ * وَإذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ) (التكوير: 1 2). الموضع الثلاثون: (إِذَا السَّمَآءُ انفَطَرَتْ * وَإذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ) (الانفطار 1 – 2) الموضع الحادي والثلاثون: (إذَا السَّمَآءُ انشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِهَا وَحُقَّتْ) (الانشقاق: 1 – 5). الموضع الثاني والثلاثون: (وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ) (البروج: 1 – 2). الموضع الثالث والثلاثون: (وَالسَّمَآءِ وَالطَّارِقِ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ * إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ) (الطارق 1- 4). الموضع الرابع والثلاثون: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إذَا جَلاَّهَا * وَالَّيْلِ إذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا) (الشمس: 1- 6). تلك كانت أبرز الآيات القرآنية المعجزة، التي تحدثت عن علم الفلك وقضاياه في القرآن الكريم، وما أكثر الآيات الأخرى، التي لم أذكرها هاهنا. إن هذه الآيات وغيرها إذن تقوم دليلاً كافيًا على فساد أي رأي يذهب إلى أن الإسلام وكتابه الخالد – نهى عن الفلك والاشتغال به؛ فالدعوة صريحة في القرآن الكريم تتمثل في أنه قد حث الإنسان المسلم على أن يمعن النظر – والتأمل في كل شيء من صنع الله(19). ولقد انعكس هذا الاهتمام الفائق، من قبل القرآن الكريم بعلم الفلك – حيث ذكرت النجوم تسع مرات في القرآن الكريم، والكواكب مفردة في آية واحدة، وجمعت في أربع آيات – على تعاليم الإسلام، فكان لها بصمات بارزة على العلوم المتباينة بعامة، وعلم الفلك بخاصة. فكان علم الفلك في الإطار الإسلامي، يطلق عليه نفس التسميات السابقة. واعتنى المسلمون بعلم الميقات لتحديد أوقات الصلاة، نظرًا للبعد الكوني لهذه العبادة الإسلامية المتميزة. كما عُنُوا بتحديد القبلة (سمت القبلة). التي كانت جزءًا عضويٌّا حيٌّا من اهتمامات علم الفلك كما فهمه المسلمون(20). الإحالات المرجعية: 1 – د. سيد حسين نصر: العلوم في الإسلام، ترجمة: مختار الجوهري، دار الجنوب للنشر، تونس 1398ه = 1978م، ص 85. 2 – د. سيد حسين نصر: المرجع السابق، ص 86. 3 – القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، الجزء الحادي عشر، تحقيق: أبو إسحاق إبراهيم اطفيش، دار الكتب المصرية، القاهرة 1383ه = 1963م، ص 286. 4 – د. أحمد محمود صبحي: هاؤم اقرؤوا كتابيه (محاولة لتجديد الفكر الإسلامي)، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت 1416ه = 1996م، ص 31. 5 – سيد قطب: في ظلال القرآن، الجزء الثالث عشر، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الخامسة 1386ه = 1967م، ص 532. 6 – القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، الجزء الخامس عشر، تحقيق: محمد محمد حسين، دار الكتاب المصرية، القاهرة 1365ه = 1946م، ص 26. 7 – القرطبي: المصدر السابق، ص 27 28. 8 – القرطبي: المصدر السابق، ص 29 30. 9 – القرطبي: المصدر السابق، ص 31. 10 – القرطبي: المصدر السابق، ص 32. 11 – القرطبي: المصدر السابق، ص 32 33. 12 – القرطبي: المصدر نفسه، ص 33. 13 – سيد قطب: في ظلال القرآن، الجزء الثالث والعشرون، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الخامسة، 1386ه = 1967م، ص24. 14 – سيد قطب: المرجع السابق، ص 24 25. 15 – سيد قطب: المرجع السابق، ص 25. 16 – سيد قطب: المرجع السابق، ص 25 36. 17 – سيد قطب: السابق 26. 18- د. ماهر عبد القادر محمد: التراث والحضارة الإسلامية، دار النهضة العربية، بيروت،(بلا تاريخ)ص 73-74. 19- د. ماهر عبد القادر محمد: المرجع السابق.ص 76. 20- سيد حسين نصر: مرجع سابق. ص 87.