قد لا يعرف بعض أئمة الدين أن الزمن حركة، أو أن الحركة زمن ! والعلم قادر على قياس الزمن لجزء من بليون من الثانية؟!
ثم إن التقويم الزمني الذي يعتمدون عليه في نتائج الحائط أو الجيب أو المنشور عن طريق وسائل الإعلام لا يأتي من لا شيء، ولا ينبع من فراغ بل جاء أساسا من حركة الكون المضبوطة. غريبة أحيانا أمور القائمين على الشأن الديني !
ووجه الغرابة انهم يعتقدون في صحة الأسس العلمية تارة، فيرتكنون إليها في صلاتهم وإمساكهم وإفطارهم أو أي شأن من شئون دنياهم، ثم إذ بهم يعودون فيكفرون بها تارة أخرى فكلما انقضى شعبان، وحل رمضان، أو جاء عيد من الأعياد، تراهم يرسلون رسلا منهم ليستطلعوا هلال رمضان، فيعلنوا ما رأوا في البلاد، وكثيرا ما يضعون الناس في حيص بيص خاصة عندما تتضارب أقوالهم وتتناقض فتاواهم فلا يكاد المسلمون– لفترة – يعرفون رؤوسهم من أرجلهم.. لا في صيامهم ولا أعيادهم !
ومن حق القائمين على الشأن الديني أن يختلفوا في تفسير أو فتوى أو تشريع، لكن أن يتفلسفوا ويتعالموا ويتعالوا في أمر من أمور هذا الكون العظيم فهذا ما لا يقره منطق ولا عقل ولا دين ! فالكون بلا شك وكما نعرفه من خلال علومنا الحديثة – بمثابة ساعة كونية دقيقة غاية الدقة ومتقنة أعظم الإتقان لأنها من صنع الله الذي قدر فسوى، وعلى هذه الساعة المضبوطة نعتمد ونحن مطمئنوا الفؤاد مرتاحوا البال. صحيح أننا لا نستطيع أن نرى هذه الساعة الكونية كما نرى ساعاتنا التي نضعها حول معاصمنا أو في سترتنا. لكن العالمين ببواطن الأمور والذين ينظرون إلى الكون نظرة أعمق وأشمل وأعم، ليدركون أن حركة الأرض والقمر والشمس والكواكب والنجوم والمجرات والمذنبات تضع أمام أعيننا وفي عقولنا نظما لا يأتيها الباطل أو يحل بها الخلل.
فالعلماء الذين يتعاملون مع قوانين الكون ونواميس الوجود هم وحدهم الذين يعلمون أنهم أمام أفلاك متقنة وأزمنة محددة ودورات مقننة وهم بتطلعهم الطويل إلى الأجرام السماوية واستعانتهم بأجهزة ومعدات ومناظير فلكية متطورة – قد استطاعوا صياغة كل هذا الإبداع في معادلات وقوانين توضح لنا – بجلاء – ما يغم على عيوننا القاصرة وعقولنا المحدودة، فإذ بالكون العظيم يتجلى لنا بصورة أروع وأبدع وأوقع من كل ما رآه الأقدمون أو ما يراه رجال الدين !
وإذا كان القائمون على الشأن الديني في شك مما نقول فعليهم أن يعودوا إلى القرآن الكريم ليستلهموا منه فصل الخطاب. "هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلك َإِلا بِالْحَقِّ يفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ".[يونس:5] صدق الله العظيم
"وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لتبْتَغُوا فَضْلا من رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلا".[الإسراء:12] صدق الله العظيم "فَالِقُ الإصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ".[الأنعام:96] صدق الله العظيم "وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيم وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ".[يس:40] صدق الله العظيم "وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مسَمًّى".[فاطر:13] صدق الله العظيم "والْقَمَرَ قَدَرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ القَدِيمِ". [يس:39] صدق الله العظيم
كل هذه الآيات وغيرها تشير بوضوح أو من طرف خفي إلى أن الزمن الفلكي أو الكوني أو الأرضي، إنما هو انعكاس حقيقي لحركة الكون وما حوى والفضاء وما طوى. وطبيعي أن رجل الدين لا يستطيع أن يرى الإتقان في التقدير، والدقة في التسخير، والإبداع في التسيير والانضباط في الأفلاك إلا إذا درس القوانين الصامدة، والمعادلات الأصلية التي تحكم هذه الأكوان المحيطة، فإذ بها تريه ما لا يستطيع هو الاجتهاد فيه أو الاعتراض على ما تطويه ! إن رجل العلم الحقيقي يضع نصب عينيه دائما حقيقة لا مفر منها فهو يطوع عقله لفهم قوانين الكون ونواميس الوجود لا أن يخضع الكون لبصره أو عقله أو إدراكه المحدود، ولو فعل لأخطأ وغوى ولما أدرك من الأسرار العميقة شيئا مذكورا ! إذن فالحركة والتسخير والمنازل والأفلاك التي تسبح فيها هذه الأجرام إنما هي دليلنا إلى علم السنين والحساب والأرقام.. أو هي – كما يراها رجل العلم التجريبي – حركة تؤدي إلى زمن.. إلى أرقام تنبع من معادلات.. أو العكس!
فلولا دوران الأرض حول نفسها لما عرفنا شيئا اسمه زمن، ولا كان هناك ليل أو نهار، ولا شروق ولا عصر ولا غروب ولا صيام ولا أعياد ولا فصول، ولعشنا في ليل سرمدي أو نهار سرمدي وعندئذ لن يكون لوجودنا معنى ولا لحياتنا مغزى! ولقد اقتبسنا من حركة الأرض أو زمنها حركة أودعناها في تروس وعقارب لتتحرك بدورها حركات إيقاعية تفصلها وحدات زمنية نعرفها في حياتنا بالثانية والدقيقة والساعة واليوم والشهر وعندئذ تشعرنا بمرور الزمن إذا غم علينا سريان هذا الزمن في ليل أو نهار! وكما تعتمد تروس الساعة على بعضها وتؤثر في ميكانيكيتها كذلك تكون الأجرام السماوية.. فكيانها ووجودها وزمنها تعتمد على حركات ودورات وجذب وطرد وغير ذلك من قوى تحمل كل ما في الأرض والسماء موزونا وقائما بغير عمد ترونها، وعلى أساس هذا التعادل أو التوازن المتقن جرت معادلات العلماء وحساباتهم لتوضح لنا ان كل شيء في الكون يسري بحساب ويجري بمقدار وهو سبحانه "يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ". [يونس:5] صدق الله العظيم والذين يعلمون يدركون تماما لماذا استمرت السماوات والأرض بلايين فوق بلايين من السنين ليس هذا فحسب، فهم يستطيعون– من خلال معادلاتهم التي نبعت أساسا من النظم الكونية المتقنة أن يقدروا ما يمكن أن يكون عليه الكون العظيم لبلايين أخرى من السنوات القادمة، ومن أجل هذا صمد الكون ويصمد وسيصمد بفضل الدقة المتناهية في حركته وزمنه، ولولا ذلك لحلت الفوضى في أطنابه من زمن، لكننا لم نر إلا كل ما هو منظم وبديع وأصيل وأن الفوضى التي نعيش فيها أحيانا إنما تنبع حقا من عقولنا وتنبثق – على غير هدى– من أنماط تفكيرنا! فالقمر جرم سماوي تابع لكوكب الأرض وله حول نفسه دورة وللدورة زمنها والأرض بدورها جرم سماوي ولها حول نفسها دورة ولها أيضا زمنها وللأرض والقمر حول الشمس دورة ولهذه الدورة زمنها، والشمس والأرض وكواكبها الأخرى الثمانية وما يتبعها من أقمار دورة كبرى في المجرة ولهذه الدورة زمن، وللمجرة دورة وزمن ... إلخ...
إنها دورات وأزمنة وحركات موقوتة ومسيرة إلى قدر معلوم "كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ"[الرعد:2] صدق الله العظيم.. وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ. وطبيعي أن كل هذه العلوم العصرية المشتقة أساسا من النظم الكونية لا تجد هوى ولا تقبلا من بعض المسؤولين بدليل انهم يهجرونها كلما أقبل رمضان أو جاء عيد ولابد أن يختلفوا، لأن مواقعهم على الأرض أو في دول متفرقة تمنع من توحيد الرأي والزمن، لأن نظرتهم الحالية لازالت تستند على نظرة قديمة ومحدودة بإقليم جغرافي محدد ومحدود. وطبيعي اننا نعرف في زماننا هذا أن لكل دولة زمنها أو حتى لكل بلد في الدولة ذاتها زمنها، ولقد جاء الاختلاف بين زمن قطر وقطر من التقدم العلمي في كل المجالات والذي انعكس في النهاية على أدوات تقيس الزمن لجزء من ألف مليون جزء من الثانية أو ربما مليون بليون جزء من الثانية أو أقل من ذلك بكثير (كما هو واقع فعلا في بعض الأحداث الذرية التي تتم في جزء واحد من مليون بليون بليون جزء من الثانية !!). لا علينا من كل ذلك فلا شيء يدوم ولا حركة إلى خلود ذلك أن هذه الساعة الكونية التي تنبع من حركة الأجرام السماوية تتأثر بقوى ومقاومات كامنة في طبيعة تلك النظم فتتداخل في حركاتها وسرعة دورانها وقد تجعلها تبطئ أو تسرع، كل ذلك يتوقف على الظروف السائدة ومع ذلك فنحن لا نحس بزيادة السرعة أو إبطائها لأن ذلك يتم بمعدلات بطيئة للغاية وبحيث لا تصبح محسوسة إلا بمرور ملايين السنين ! لكن العلماء حسبوها وقدروها، فمن العوامل الكثيرة التي تتسلط على أرضنا الآن وتبطئ سرعة دورانها حول نفسها (ومن هذه العوامل نذكر الجاذبية بينها وبين القمر والاحتكاك الكائن بين غلاف الهواء والأرض والمد والجزر.. إلخ). يتبين أن هذا الإبطاء في الحركة ينعكس على إبطاء في زمننا الأرضي وبحيث يؤدي ذلك إلى جعل يومنا هذا أقصر من غدنا بحوالي 0,000.000.025 ثانية (أي 25 جزءا من ألف مليون جزء من الثانية)، أو ربما سيكون اليوم في عصرنا الحالي أقصر من الذي سيأتي في عام 2078 بجزئين من ألف جزء من الثانية وأنه بعد خمسة آلاف مليون عام من الآن ستبطئ الأرض في حركتها إلى الدرجة التي يصبح فيها اليوم 36 ساعة من ساعاتنا الحالية ! يتبع...
*-...*-...*-...* والله الموفق 2017-07-10 محمد الشودري Mohamed Chaudri