ظن الإنسان قديما أن الأرض ساكنة لا تتحرك، وأنها مركز الكون الذي تدور حوله الأجرام السماوية، وفي هذا الصدد يقول العالم بطليموس ومن أيده: "تضاربت عبر التاريخ نظريات العلماء المهتمون بالفلك حول دوران الشمس والأرض إلى أن جاء العالم الفلكي الإيطالي غاليلوا، الذي صنع منظارا فلكيا ليشاهد به حركة الأرض، في أواخر القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر. وبعد ذلك جاء العالم "كبلر" ليقدم الأدلة العلمية على دوران الأرض وسائر الأجرام السماوية. لم يصرح القرآن الكريم مباشرة عن حقيقة دوران الأرض حول نفسها، تماشيا مع المستوى المعرفي للإنسان في ذلك الزمان. فالكل كان يعتقد بسكونها. لذلك نجد أن الذكر الحكيم يشير لهذه الحقيقة العلمية من خلال بعض الآيات البينات، دون تصريح واضح لكي لا يؤدي ذلك إلى تكذيب ما جاء به القرآن. قال الله سبحانه وتعالى: "خلق السموات والاَرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجلٍ مسمىً اَلا هُوَ العزيز الغفار" [الزمر، 6]، وقال: "وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون" [الاَنبياء، 33]، وقال: "يولج الليلَ في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمىً" [فاطر، 13]. وقد تطرينا في العدد 73 من جريدة ميثاق الرابطة؛ بأن القرآن قد أشار إلى أن الظلام هو السائد في الكون، وأن النهار ظاهرة كونية تتأتى بانعكاس الأشعة الشمسية من ذرات الغلاف الجوي للأرض، فالأرض تجري وتسبح في الفلك أيضا؛ لأن ظاهرتي الليل والنهار تحدثان بها، وفي آية أخرى يقول الله تبارك وتعالى: "فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون" [المعارج، 40]، تشير هذه الآية الكريمة إلى أن الأرض تدور حول نفسها وحول الشمس، فعلى مدار أربعة وعشرون ساعة، وفي كل ثانية هناك شروق على نقطة معينة من الأرض يقابله غروب في نفس الوقت.. وعلى مدار السنة تشرق الشمس من مكان مختلف، وتغرب من مكان مختلف عن اليوم الآخر.. وفي قوله عز وجل: "يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل"، إشارة إلى إدخال الليل في النهار وإدخال النهار في الليل، وذلك بجعل الأرض مائلة عن محورها العمودي خلال دورانها حول نفسها فيحدث إيلاج جزء من الليل في النهار خلال ستة أشهر في السنة، حيث يقصر الليل ويطول النهار بالنسبة لنصف الكرة الأرضية، والعكس يحدث بالنسبة للنصف الآخر. وقد أتبت العلم الحديث بأن الأرض تدور حول نفسها من الغرب إلى الشرق مرة كل 24 ساعة، و56 دقيقة و4 ثواني، وتدور حول الشمس في 365,265 يوما، وأن القمر يدور حول الأرض مرة كل 27,32 يوما، ويدور حول نفسه مرة كل 27,32 يوما، وأن الشمس تدور حول نفسها كذلك مرة كل 25.38 يوما، وتدور حول مركز المجرة كل حوالي 225000000 سنة، كما أتبت العلماء، من خلال دراسات التغيرات المناخية في الأزمنة القديمة المستنبطة من الحلقات السنوية للحفريات النباتية والهياكل العظمية، أن سرعة دوران الأرض حول نفسها كانت كبيرة في مرحة التكوين، ثم تباطأت تدريجيا حتى استقرت على ما هي عليه الآن. ففي العصر الكمبري. "أي منذ حوالي 600 مليون سنة"، كان عدد أيام السنة 425 يوما، وفي منتصف العصر الأوردوفيشي. "حوالي 450 مليون سنة مضت"، تناقص عدد أيام السنة إلى 415 يوما، وبنهاية العصر الترابلسي. "حوالي 200 مليون سنة مضت"، وصل عدد أيام السنة إلى 385 يوما، ثم تناقص في زمننا الراهن إلى 365,25 يوما، لم يجد علماء الأرض أي تفسير لذلك سوى تزايد سرعة دوران الأرض حول محورها عن معدلاتها الراهنة، واتضح أن عدد أيام السنة عند بدء تشكل الأرض كان أكثر من ألفين ومائتي يوم، وأن طول الليل والنهار معا كان أقل من أربع ساعات، أي أن سرعة دوران الأرض كانت ستة أضعاف سرعتها الحالية. وتجدر الإشارة أن كل هذه الحقائق العلمية لا تتضارب مع ما أشار إليه القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرن، بل تؤكد صدقه، فقد قال الله تبارك وتعالى: "إن ربَّكُم الله الذي خلق السموات والاَرض في ستة أيام ثم اَستوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا" [الاَعراف، 53]، أي يطلبه سريعا. المراجع: 1. زغلول النجار، الإعجاز العلمي في السنة النبوية، نهضة مصر، الطبعة الرابعة 2010م. 2. محمد السقاعيد، موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، دار اليقين، الطبعة الأولى 2009م. 3. نادية طيارة، موسوعة الإعجاز العلمي القرآني في العلوم والطب والفلك، اليمامة 2007م. 4. عبد الرحمن بن هشبول الشهري، حركة الارض حول نفسها في القرآن الكريم، المجلة العلمية لجامعة الملك فيصل، (العلوم الإنسانية والإدارية)، المجلد الأول، العدد الأول، مارس 2000م.