(آخر مؤلفات الأستاذ: إسماعيل الخطيب- رحمه الله-) كتبه: ذ. منتصر الخطيب تحل بنا هذه الأيام ذكرى وفاة الأستاذ الفاضل إسماعيل الخطيب -رحمه الله- الداعية المصلح والخطيب المفوَّه بمدينة تطوان العامرة، والأستاذ بكلية أصول الدين بها، والرئيس السابق للمجلس العلمي المحلي للمضيق الفنيدق؛ وهو المنصب الذي ظل يشغله إلى أن وافاه أجله بداية شهر رمضان المعظم لعام 1434ه/2013، وكان قبل رحيله بأيام قليلة قد أصدر كتابا بعنوان "عرف الطيب من ذكريات الخطيب". ويعتبر هذا الكتاب سيرة ذاتية للمؤلف، أحببت أن أشرك معي قرائي في الاستمتاع ببعض ما جاء فيه تلخيصا لحياة الرجل وتجواله العلمي. يقع الكتاب في حوالي (230) صفحة من القطع الكبير صدر عن مطبعة الهداية بتطوان في حلة بهية، زينت غلافه ريشة فنية رائعة، وقد قسمه المؤلف إلى مجموعة من العناوين.. فبعد التقديم الذي يقول فيه: (هي ذكريات وليست مذكرات، فللمذكرات رجالها وكتابها، ولست منهم.. وكاتب هذه الذكريات اختلفت حالات كتابته لها، فمنها ما كتب مباشرة ومنها ما كتب بعد سنوات متعددة، ومنها ما تم الرجوع أثناء كتابته إلى أوراق أو صحف قديمة.. وها أنا وقد شارفت على السبعين أسترجع من خلال هذه الذكريات أمسي الذي مضى وآسف للتفريط الذي وقع مني بعدم تدوين الأحداث عند حدوثها.. هذه ذكريات؛ ذكريات أوقات جميلة ولحظات سعيدة أو أليمة هي جزء من حياتي، هي الآن بالنسبة لي حلم مضى في الماضي البعيد، أقدمها لك قارئي العزيز...)[ص:5-6]. ثم انطلق المؤلف في التجوال عبر مسار حياته معنونا إياه بالعناوين المختلفة التالية: - من ذكريات الصبا (الأبوان والأسرة – الطفولة الأولى.. في مرحلتين): استعرض فيه التعريف بأسرته وبتاريخ ميلاده وسكناه بأحد بيوتات المدينة العتيقة بتطوان. ثم تحدث عن طفولته الأولى وتقلبه ما بين الكُتَّاب والمدرسة الأهلية ومدرسة مولاي الحسن والمدرسة الخيرية محمد الخامس. - في رحاب المدينة النبوية: وأرخ فيه لالتحاقه بالجامعة الإسلامية بالمدينةالمنورة، وقد عبر عن ذلك بقوله: (لقد كانت جامعة بمعنيين؛ فهي جامعة لطلبة العالم الإسلامي، حيث التقيت في رحابها بطلبة من جل أنحاء الدنيا.. وهي أيضا جامعة علمية بكل ما في كلمة العلم من معنى..)[ص: 29]، وقد استعرض المؤلف ذكريات لقاءاته بهذه الجامعة بثلة من مدرسيها؛ منهم: عبد العزيز بن باز مفتي السعودية، ومحمد المجذوب العالم العارف، ومحمد الأمين الشنقيطي المفسر الكبير صاحب "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن"، وعبد الغفار حسن الرحماني أستاذ الحديث وعلومه، وعبد القادر شيبة الحمد أستاذه لمادة أصول الفقه، ومحمد أمان بن علي الجامي الذي درس عليه "بداية المجتهد" لابن رشد. - مجالس التذكير: وقد استعرض فيه حبه لحضور مجالس العلم بالمساجد والمنتديات منذ الصبا، إلى أن بدأ هو في إلقاء دروس الوعظ بالمساجد مبتدئا بما أسند إليه من مهمة السرد حيث كان يقرأ الأحاديث النبوية من كتاب "الترغيب والترهيب"، ثم انتقل إلى مسجد العيون حيث أسند إليه درس "المرشد المعين"، وبعدها كلف من طرف نظارة الأوقاف بدرس الوعظ خلال شهر رمضان عام (1379/1959)، ثم توالت الدروس الوعظية بعد ذلك حيث كانت تشهد إقبالا ملحوظا، يقول (رحمه الله): (وقد اتسعت ظاهرة حضور الشباب في مجالس التذكير والتدريس بعد عام تسعين وثلاثمائة وألف (1970)، فخلال هذه السنة تابعت إلقاء الدروس الأسبوعية بمسجد السوق الفوقي في التفسير، وقد اخترت من بين التفاسير "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي، وشهدت هذه الدروس إقبالا ملحوظا.. وقد ختمت تدريس هذا التفسير القيم خلال سنوات عدة بمسجد السوق الفوقي. ثم لما انتقلت بالدروس إلى مسجد الأمة ختمته مرة ثانية، ولما انتقلت إلى مسجد الحسن الثاني ختمته للمرة الثالثة، وكانت كل ختمة تستغرق أكثر من عشر سنوات)[ص: 57]. أما خطبة الجمعة فيقول عنها: (فكانت- أولا- نيابة عن الفقيه السيد الطيب حجاج الذي طلب مني أن أنوب عنه بمسجد الزاوية الناصرية وذلك سنة (1970).. وفي سنة (1983) طلب مني أهل سانية الرمل أن أتولى الخطبة بجامعهم الذي تم بناؤه آنذاك وسمي "مسجد الأمة" وقد استمرت خطبتي فيه إلى سنة (1997) حيث طلب مني الانتقال للجامع الكبير)[ص: 59]. - قصتي مع الصحافة.. بين الميثاق والنور: وقد ذكر تحت هذا العنوان ولعه بالعمل الصحفي منذ البدايات شغفا بسيرة والده في تجربته الصحفية في صحيفتي "الإصلاح" و"شمال إفريقيا" والذي يعتبر رائدا للصحافة الوطنية، كما هو عنوان كتاب آخر صدر له من قبل يحكي فيه قصة والده مع الصحافة. وهكذا عمل وهو لا زال طالبا على إنشاء مجلة خطية باسم "النشء".. وتطورت الفكرة مع تعاقب السنين وتقلب المهام إلى أن أصدر بمعية ثلة من مثقفي مدينة تطوان جريدة "النور" لسان جمعية البعث الإسلامي الذي كان يرأسها، يقول في ذلك: (وتطورت "النور" في حجمها وعدد صفحاتها وتاريخ صدورها، وظلت – بتوفيق من الله تعالى- ثابتة على مبدئها سائرة على منهجها عاملة بشعارها (الإسلام منهج حياة))[ص: 63]. وهكذا تتوالى الذكريات في كتاب "عرف الطيب" يتتبع فيه الأستاذ إسماعيل الخطيب مسار حياته من خلال مجموعة من العناوين الأخرى تنبئ عن مشاركاته العديدة في مختلف المنتديات والمحافل العلمية داخل المغرب وخارجه، ومنها: - يوم من أيام الله في مسجد قرطبة.. صلاة عيد الأضحى في قرطبة - جماعة الفقيه ابن تاويت - مؤتمر السيرة النبوية في الدوحة - في المؤتمر الأول للإعلام الإسلامي في جاكرتا - المدينة النبوية ومؤتمر مكافحة المسكرات والمخدرات - أيام في عاصمة الرشيد - عمرة بعد حادث المسجد الحرام - رحلة عمرة - كنائسهم تتحول إلى مساجد - في جنوب شرق آسيا.. سنغفورة.. ماليزيا - السبع حجج - أسبوعان في الجزائر بعد الاشتراكية.. صحوة إسلامية - رحلة من شمال إفريقيا إلى جنوب إفريقيا.. الدورة التدريبية للخطباء. وتحت عنوان: أعلام .. وذكريات: حاول الأستاذ إسماعيل الخطيب - رحمه الله- أن يعرِّف ببعض العلماء الذين التقى بهم وتركوا في نفسه انطباعا حسنا، وهم: الشيخ محمد بن العربي العلوي رائد السلفية بالمغرب، والأستاذ محمد المكي الناصري حين كان وزيرا للأوقاف، ومحمد بن اليمني الناصري الأستاذ بالجامعة النبوية، والكتبي محمد التطواني بسلا، و محدث العصر محمد ناصر الدين الأباني، والداعيتان أبو بكر الجزائري ومحمد محمد الصواف، والسلفيان محمد قطب وتقي الدين الهلالي، ورئيس البرلمان على عهده الدكتور عبد الكريم الخطيب. - وضمن عنوان آخر: نسب آل الخطيب، استشهد مؤلفنا بقول المؤرخ التطاوني محمد داود عن نسب آل الخطيب الذي قال: (تعتبر عائلة الخطيب من العائلات الكبيرة الوجيهة بتطوان، وقد وقفت في بعض الرسوم القديمة على ما يعلم منه أن بني الخطيب الموجودين الآن بتطوان هم من ذرية الشيخ الصالح سيدي أبي يعقوب البادسي الزهيلي دفين الريف)، أما لقب الخطيب فأول من دعي به حفيده الشيخ أبو الحسن علي، وقد عرف بالمشاركة في العلم وأخذ عن جده ولازمه.. وخلال تأسيس تطوان أواخر القرن الهجري التاسع انتقل إليها طائفة من آل الخطيب واستقروا بها، وعرف طائفة من رجالها في ميادين مختلفة[ص: 193]. - ملحق: صور وذكريات: ثم ألحق المؤلف بالكتاب مجموعة من الصور التي تؤرخ لبعض ذكرياته بمجالس الوعظ بالمساجد أو بمشاركاته العلمية في عدد من الندوات بالمغرب وخارجه، وبصور تذكارية له مع شخصيات عامة. - ملامح من السيرة العلمية للمؤلف: وختم الكتاب بعرض ملامح من سيرته العلمية ومجالات العمل العلمي وجردا لمؤلفاته. وفي الختام، أجدني مدفوعا إلى رفع أكف الضراعة للمولى عز وجل أن يتغمد هذا العالم الجليل بواسع مغفرته لأياديه البيضاء على منبر الخطابة بتطوان وكفى بها من منة إلهية، نسأل الله تعالى أن تكون شافعا له بين يدي الله، إنه نعم المجيب.