بعد أن أفردت سلسلة مقالات سابقة خلال رمضان من السنوات الماضية لعرض جملة من مؤلفات العالم التطواني إسماعيل الخطيب - رحمه الله- الذي وافقت وفاته رمضان 1434، أجدد بها لذكرى وفاته من مثل مقالي للتعريف بكتابه "عرف الطيب من ذكريات الخطيب" وكتاب "التيسير في الإفتاء" وكتاب "جمهرة أبحاث ومقالات"، أعود في هذه المقالة لعرض كتاب جديد له أهمية بالغة لتناوله التأريخ لمنطقة عزيزة على المغاربة اختار له عنوان: "الحركة العلمية في سبتة خلال القرن السابع"(*). ويأتي هذا الكتاب جوابا على تساؤله التالي: إذا كان المغاربة لم يوفقوا في استرداد مدينتهم فهل قاموا بواجب البحث في تاريخها العلمي والحضاري والسياسي؟.. ماذا كتب المغاربة عن سبتة من أبحاث ودراسات؟.. وهنا يأتي الجواب الذي لا يسر: إن المغاربة لم يقدموا لمدينتهم – في ميدان البحث-شيئا ذا بال.. نعم كتبت أبحاث ومقالات، وترجم للعديد من أعلامها، كما نشرت بعض تآليفهم، لكن ذلك كله لا يعطي الصورة الواضحة لما كانت عليه المدينة من تقدم فكري ملحوظ.. من هنا – يقول المؤلف-: رأيت أن من واجب الباحثين أن يولوا هذه المدينة اهتماما خاصا وذلك لسببين: الأول: أنها مدينة مغربية – كانت وستبقى- وأن على المغاربة أن يعملوا على استردادها والبحث في تاريخها.. الثاني: أنها ظلت خلال تاريخها الإسلامي مدينة علمية لم تنطفئ شعلتها..واستمر عطاؤها طيلة ذاك التاريخ. ثم طرح سؤالا إضافيا بعد ذلك عن سبب اختيار القرن السابع الهجري للبحث والدراسة؟ وقد أجاب عن ذلك بأنه كان لسبتة خلال القرن السابع دور كبير في الحفاظ على الحركة العلمية ورعاية العلماء.. ولهذا كان اختياره لهذه الفترة المستمرة إلى غاية سقوطها مثل باقي الإمارات الإسلامية بالأندلس في يد الإسبان.. ولا زالت. ثم ذكر المؤلف جملة من المصادر العلمية في التاريخ والرجال والطبقات والبرامج والفهارس التي تؤرخ لهذه الفترة التاريخية لمدينة سبتة، مبرزا صعوبة الوقوف عليها لفقدانها ضمن التراث الذي ضاع منه الكثير.. وأبرزها كتاب القاضي عياض "التاريخ الكبير" أو "جامع التاريخ" الذي استوعب فيه أخبار سبتة وقضاتها وفقهاءها وجميع ما جرى فيها من الأمور وكتاب "المقتبس في أخبار المغرب والأندلس" لابن حمادة..، إلا ما تضمنته بعض المصادر التي وصلتنا من أخبار وتراجم منقولة عنها لضاع الكثير مما نجده اليوم في كتاب "الصلة" لابن الزبير أو "الذيل والتكملة" للمراكشي أو"أزهار الرياض" للمقري أوغيرها.. مبرزا أن اعتماده انصب أساسا على كتابي "الغنية" للقاضي عياض و"برنامج" أبي القاسم التجيبي.. ومعرفا بأهم المصادر التي اطلع عليها أو اقتبس منها من المصادر الموجودة اليوم ومنها: "اختصار الأخبار عما كان بثغر سبتة من سني الآثار" لابن القاسم الأنصاري، و"بلغة الأمنية ومقصد اللبيب فيمن كان بسبتة في الدولة المرينية من مدرس وأستاذ وطبيب" لنفس المؤلف (في بعض الروايات)، و"البيان المغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب" لابن عذارى (قسم تاريخ الموحدين). أما أقسام هذا الكتاب: "الحركة العلمية في سبتة خلال القرن السابع" فشملت المقدمة التاريخية التي قسمها إلى ثلاثة فصول، خصص الفصل الأول منها للحديث عن مدينة سبتة من حيث معاني الاسم وارتباطاته، والفصل الثاني بعنوان: "نظرة تاريخية" بحث فيه المؤلف عن سبتة أيام الفتح الإسلامي تحت قيادة المسلم موسى ابن نصير والصعوبة التي واجهها آنذاك مع قائد القوط، ثم بعد ذلك تتبع تاريخها أيام تواجد الخوارج بالمغرب، وبعد ذلك أيام المرابطين والموحدين، فيما خصص الفصل الثالث لتاريخ سبتة خلال القرن السابع الهجري وبسط الحديث فيه عن تراجم بعض الأعلام المؤثرين في تاريخها وخاصة أيام إمارة العزفيين معرفا بتاريخهم ونظمهم وعمارتهم للمدينة. ثم عطف مقدمة الكتاب بالباب الأول وقسمه المؤلف إلى محاور أربعة: 1- سبتة دار علم، ووقف فيه على أهم الطبقات العلمية بالمدينة علماء وطلاب وعامة. 2- المراكز العلمية، عرض فيه للكتاتيب وحلقات العلم بالمساجد والمدارس والمكتبات والخزانات بها. 3- طرق التعليم الجامعة بين الحفظ والمناقشات العلمية وحلقات الدرس والمناظرات. 4- الوراقة وما يتعلق بنسخ الكتب. فيما خصص الباب الثاني للوقوف على فنون العلم التي اشتهرت بسبتة، ومنها: 1- القرآن وعلومه 2- الحديث وعلومه 3- الفقه وأصول الفقه أما الباب الثالث فعدد فيه المؤلف باقي فنون العلم وهي: 1- اللغة والنحو 2- الأدب شعرا ونثرا ورحلة. والباب الرابع والأخير، وهو الذي تطرق فيه المؤلف لباقي العلوم المصاحبة من تاريخ وسيرة وجغرافيا وعلم الفلك والنجوم وعلوم الرياضيات والطب والتصوف.. وهو في كل هذه الفصول يعرف بأشهر العلماء والأدباء الذين نبغوا في مختلف العلوم، واحتفظت بذكرهم كتب التاريخ والطبقات، مع عرض بعض إنتاجاتهم العلمية.. ثم ذيل الكتاب بفهارس عامة غنية بأسماء المصادر التاريخية وأسماء الأعلام والأماكن. أقول، وفي الختام يبقى هذا الكتاب مرجعا عاما لا غنى عنه للباحثين في تاريخ مدينة سبتة، لاشتماله على عرض معلومات مفيدة سواء كانت تاريخية أو علمية، وهو ما جعل المؤلف يذكر في مقدمة طبعته الثانية قوله: ولقد كانت هذه الدراسة- بشهادة ثلة طيبة من الباحثين والدارسين- دراسة رائدة فتحت الأعين على هذا العطاء العلمي الذي لم تصل إلى مستواه جل العواصم العلمية بهذا الغرب الإسلامي.. ولعل اهتمام مكرمنا أستاذنا إسماعيل الخطيب –رحمه الله- بهذا الجزء من الوطن العزيز هو ما دفعه لترؤس تنظيم الندوة العلمية الأولى للمجلس العلمي المحلي لعمالة المضيقالفنيدق بعنوان: "سبتة العالمة ومدارسها في العلوم الشرعية"، وتبعه خلفه بالمجلس أستاذنا كذلك توفيق الغلبزوري من خلال إشرافه على تنظيم الندوة الثانية حول "سبتة العالمة: تاريخ وأعلام"،.. ولعلنا في قابل الأيام نشهد إقامة ندوات وأيام دراسية في موضوع مدارس العلم بهذه المدينة العزيزة على قلوبنا؛ مدينة "سبتة". (*) الكتاب: "الحركة العلمية في سبتة خلال القرن السابع" تأليف الأستاذ إسماعيل الخطيب –رحمه الله- الطبعة الثانية: 1432/2011- مطبعة الهداية/ تطوان.